مسرح الماريونيت يتوهّج مجدّدا في سوريا

يقدّم المسرح لعبة الخيال بالعديد من الأشكال التي تمنح المتلقي جرعة من التشويق تجعله متحمّسا لمتابعة العرض بكل فضول. ومن أحد أشكال المسرح النادرة والصعبة يظهر فن العرائس أو الماريونيت الذي ازدهر في أوروبا منذ المئات من السنين ثم تلاشت مكانته لكنها لم تمت، وظل موجودا بشكل أو بآخر. وفي سوريا، وكما في كل العالم، يظهر مسرح الماريونيت بين الفينة والأخرى ليقدّم طرحا جديدا ومعرفة ومتعة مضافة، وفي دمشق يتواصل حاليا عرض في مسرح الماريونيت حمل عنوان “القبطان والفئران” شكّل خطوة في اتجاه تكريسه مجدّدا.
دمشق – كتبت الفنانة السورية هنادة الصباغ مخرجة مسرحية “القبطان والفئران” في بطاقة تقديم العرض الذي تتواصل سلسلة عروضه على خشبة مسرح القباني في قلب مدينة دمشق “من سحر الحكاية وعالم الخيال المليء بالألوان نسجنا قصتنا، من ذاكرتنا البصرية والحسية تسللنا إلى عالم الطفولة المخبَّأ في أعماقنا، لكل طفل يبحث عن المعرفة ويتملّكه الفضول، وإيمانا منا أن ما يصنع بحب ومتعة يخلق متعة ودهشة، ومن كلمات حكايتنا على لسان أبطالها “هيلا هوب.. هيلا حب” نقدّم حكايتنا محملة بالحب الذي رافقنا بكل تفصيل قمنا به من خلال مسرحية الأطفال ‘القبطان والفئران”.
والعرض الذي أتى ضمن نشاطات المديرية العامة للمسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية من تأليف وإخراج هنادة الصباغ المتخصّصة في مسرح العرائس، والتي درسته في روسيا أكاديميا. ومثّل فيه كل من ناصر الشبلي ورندا الشماس وأيهم شيشكلي وألمى ناصر ويوسف عبدي وأنجيلا البشارة وعبير بيطار وإسماعيل هايل وزينب عيد، بينما ألّف الموسيقى له سامر الفقير وصمّمت ونفّذت الدمى والسينوغرافيا هنادة الصباغ وصمّم الإضاءة بسام حميدي وألّف الأغاني ماهر إبراهيم والتي غناها كل من أماني عربي وعهد أبوحمدان ومازن عباس، بينما قام بالأداء الصوتي للشخصيات مازن عباس ومحمد شما ومجد نعيم ونهاد عاصي ورأفت بازو ولينا ضوا.
ورشة وعرض
العرض مقدّم للأطفال ضمن شكل مسرح العرائس أو الماريونيت، وهو أحد فنون المسرح الذي تقدّمه الطاقات الفنية السورية بين الفينة والأخرى، معظمها ضمن نشاطات مسرح الطفل والعرائس التابع لمديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية. وهو شكل مسرحي صعب يتطلب جهدا كبيرا من الفنان الذي يقوم فيه بالتحكّم بدمية مصنوعة من الورق أو القماش من خلال خيوط أو عصي خشبية خاصة.
وخلال ثمانية أشهر، أقامت مديرية المسارح والموسيقى ورشة لتعليم صناعة دمى فن الماريونيت بإشراف الفنانة هنادة الصباغ التشكيلية المختصّة بهذا الفن، والتي سبق وأن قدّمت العديد من الورشات في سوريا وخارجها.
وانتهت أعمال الورشة بتقديم العرض المسرحي الذي حمل عنوان “القبطان والفئران” والموجّه للأطفال، وقدّم العرض ثيمة أساسية تتحدّث عن نهم المعرفة الذي يمكن لمخلوق أن يمتلكه والفرق بينه وبين الفضول. فيقوم العرض على تقديم حكاية قبطان بحري قوي ومغامر، صارع لسنوات أمواج البحار ومخلوقاته القوية والمخيفة، واستطاع بقوته وحكمته أن ينتصر على كل الظروف الصعبة التي واجهته.
لكنه تقاعد عن العمل وصار طاعنا في السن يعيش منعزلا مع زوجته وحفيدته الصغيرة ليزا. فلا يجد مخرجا من العزلة التي هو فيها إلاّ بالنوم الطويل والرحيل عبر أحلامه لماضيه البحري، أو من خلال الحكايات التي كان يرويها لحفيدته ليزا أو الفئران التي كانت تعيش معه في البيت.
العرض يتحدّث دون مباشرة أو تلقين عن نهم المعرفة الذي يمكن لأي مخلوق أن يمتلكه والفرق بينه وبين الفضول
“فلفل” أحد هذه الفئران الذي يمتلك حبا للمعرفة، وتشاطره في ذلك الحفيدة ليزا واللذان يحاولان دائما دفع الآخرين إلى معرفة حقيقة أسرار صندوق حكايات الجد، الذي لا يسمح لأحد أن يقترب منه ولا حتى حفيدته التي تحاول رغم تنبيهات جدّها المتكرّرة أن تفتح صندوق الحكايات، لكنه يكتشف أمرها وينهرها، فتحزن لأن جدها غضب منها وترسل له رسالة اعتذار فيرقّ قلبه لها ويصالحها، مقرّرا إهداء صندوق الحكايات لها ولكل الأطفال.
حفل العرض المسرحي بتقديم ما يحفّز الأطفال على المتابعة، فحكاية القبطان اعتمدت في تكوينها على الخيال، خاصة في مروياته عن مغامراته في البحر وقصصه مع السمكة الذهبية التي أنقذها من شباك صياد مرة لتنقذه من مخاطر سمكة عملاقة لاحقا.
واعتمد العرض على الموسيقى الموظفة التي ألّفها سامر الفقير بالشكل الذي يناسب الأطفال من حيث الإيقاع الموسيقي المحفّز على الرقص. وكان بعيدا عن الشكل الذي تطرحه بعض أعمال الأطفال من حيث صناعتهم موسيقى أقرب إلى أجواء الكليبات الحديثة الركيكة، كذلك حفل العرض بلغة بصرية صمّمها بسام حمدي تمايزت فيها درجات الإضاءة وأعطت غنى في المشهدية البصرية للعرض. وكان تصميم وتنفيذ الدمى متنوّعا بين الدمى الأساسية في العرض وكذلك التي شكّلت المخلوقات البحرية التي كان يحكي عنها القبطان وظهرت مرارا في خلفية المشاهد.
تقنيات محفّزة
هنادة الصباغ مسرحية تحمل مشروعا فنيا متكاملا في ما يخصّ فن الماريونيت في سوريا، قدّمت فيه سابقا العديد من الظهورات المهنية التي خرجت بشكل ورشات تعليم الدمى، أو من خلال تقديم عروض مسرحية مختصة به، وهي تنظر لهذا الفن على أنه مليء بالخيال ويقدّم دائما مساحات مبتكرة وخبرات متجدّدة وأفكارا عظيمة للأطفال وذويهم على السواء.
وعن خصوصية عرضها الجديد، تقول “نحن من خلال هذا العرض قدّمنا تقنيات جديدة قلما استخدمت في الماريونيت في سوريا، وهي تقنية استعمال الخيوط في التحكّم بالدمى. وعبر الخيال والدمى قدّمنا نصا مشوّقا اعتمد لغة التعليم وليس المباشرة وحاولنا فيه عرض مادة تضيف للأطفال قيما معرفية”.
وهي ترى أن فن الماريونيت يقوم أساسا على عملية حسية مشتركة بين الفنان المسرحي المحرّك للدمية وبين الدمية ذاتها. وتقول موضحة “الفنان وبعد فترة من التأهيل يُصبح مهيئا لنقل أحاسيسه ومشاعره للجمهور من خلال الدمية وحركاتها، وهي عملية بالغة الصعوبة وتحتاج إلى جهد كبير في فصل الأحاسيس”.
وتُؤكّد أن هذا الفن المحترم يجب أن ينقل إلى الشباب المسرحي الذي يرفد الحياة المسرحية بطاقات جديدة، وأنه مع الوقت وبالمزيد من الورشات والعروض سيزداد عدد المهتمين بهذا الفن، ممّا يوسّع دائرة اهتمامهم بمسرح الماريونيت، ومن ثمة تقديمه لعموم السوريين الكبار منهم والصغار على السواء.
وتبيّن أن “فن الماريونيت شهد تقدّما وتطوّرا في سوريا من خلال العديد من الورشات التي أقمناها، حيث كانت التجربة الأولى في العام 2017 وقدّمنا فيها أعمالا مسرحية خاصة بالكبار خاطبنا فيها الخيال بشكل أساسي. ولاحقا قدّمنا مشروع ‘حياة من ورق’، ومن خلال مهرجان مسرح الطفل قدّمنا عرض ‘موزاييك العرائس’ وكان عملا استعراضيا شمل عددا من الفنون كالرقص والتمثيل والغناء. كما قدّمت في هذه المشاركة أنواعا جديدة من الدمى، منها كبيرة الحجم المحمولة وأيضا دمى الطاولة والعصا، وكانت الفكرة ترسيخ مفهوم مسرح العائلة لدى الجميع”.
