مسبار الأمل بصمة عربية على سطح المريخ

تسعى الإمارات جادة في إدخال العرب إلى الفضاء من خلال تكوين رواد قادرين على أن يكونوا فاعلين مستقبلا في المحطة الدولية، وتستعد هذه الأيام لإطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ في منتصف شهر يوليو لإجراء المزيد من التجارب والبحث في إمكانية الحياة، وهو حلم البشرية التي تبحث عن بديل للأرض التي سيستحيل فيها العيش في وقت ما بسبب التلوث ونفاد المصادر.
أبوظبي – بدأ العد التنازلي لإطلاق “مسبار الأمل” في مهمته التاريخية من المحطة الفضائية بجزيرة تانيغاشيما في اليابان وذلك تنفيذا للمخطط له ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ الذي يسير وفقا للجدول الزمني المعتمد على الرغم من التحديات الناجمة عن انتشار فايروس كورونا.
وتحدد يوم 15 يوليو موعدا لإطلاق المسبار، وهو اليوم الأول ضمن “نافذة الإطلاق” الخاصة بهذه المهمة الفضائية، وتمتد هذه النافذة من 15 يوليو إلى 3 أغسطس، وفق حسابات علمية دقيقة تتعلق بحركة مدارات كل من كوكبي الأرض والمريخ، بما يضمن وصول المسبار إلى مداره المخطط له حول المريخ في أقصر وقت ممكن وبأقل طاقة ممكنة.
وحقق فريق العمل إنجازا جديدا هذا الأسبوع بعد إدخال المسبار بنجاح في كبسولة الإطلاق والتأكد من تثبيت هيكله الميكانيكي بالقاعدة المخصصة لهذا الغرض داخل الكبسولة، ثم وضع الكبسولة بنجاح أعلى صاروخ الإطلاق تمهيدا للموعد المحدد وفقا للمخطط المعتمد الأسبوع القادم.
وقبل وضع المسبار في الكبسولة، تم الانتهاء من عملية تغطيته بغلاف حراري لحمايته من تضاريس وأجواء الفضاء والتغيرات الحادة في درجات الحرارة ما بين الارتفاع والانخفاض الشديدين خلال الرحلة كاملة.
تم الانتهاء من عملية تغطية المسبار بغلاف حراري لحمايته من تضاريس وأجواء الفضاء والتغيرات الحادة في درجات الحرارة
وتضمنت هذه العملية نقل الكبسولة إلى مبنى آخر يوجد فيه الصاروخ ومنصة الإطلاق مع إخضاعها لمراقبة شاملة لنقاط السطح لضمان أنها في حالة جيدة ثم تُسد العوازل متعددة الطبقات وسدادات الأمان بإحكام.
وبعد الإطلاق بما يقارب الساعة ينفصل المسبار عن صاروخ الإطلاق ويقوم المسبار بإطلاق الألواح الشمسية وبدء رحلة السبعة أشهر باتجاه الكوكب الأحمر باستخدام نظام دفع في المسبار.
ويبلغ وزن مركبة الإطلاق “إتش 2 إي”، أي الصاروخ الذي سيحمل “مسبار الأمل” إلى الفضاء، 289 طنا بينما يبلغ طولها 53 مترا.
وأشرف فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ المكون من كوادر إماراتية شابة على عملية وضع المسبار داخل كبسولة الإطلاق بالتعاون مع نظيره الياباني.
ويستمر الفريق حاليا في إجراء المراجعات والاختبارات قبل العد التنازلي النهائي الذي يبدأ قبل 16 ساعة من الإقلاع.
وتتضمن هذه الاختبارات إجراء فحوصات نهائية لوظائف المركبة الفضائية التي تشمل نظام الطاقة ونظام الاتصال ونظام الملاحة ونظام التحكم ونظام الدفع والقيادة والنظام الحراري وأنظمة البرمجيات.
عودة الأمل

يعيد مسبار الأمل إحياء حلم عالمي امتد إلى ما يناهز الـ60 عاما وارتبط بتحقيق تقدم في فهم طبيعة الكوكب الأحمر ومدى مواءمته للحياة البشرية.
وعلى الرغم من أن محاولات الوصول إلى المريخ تعود إلى العام 1960 فإن تحقيق تقدم في حجم المعرفة البشرية حول أسرار المريخ اصطدم بعدة تحديات، أهمها فشل ثلثي المحاولات في الوصول إلى الكوكب الأحمر.
وترجع أولى المحاولات إلى الاتحاد السوفييتي الذي حاول إرسال أول مسبار للمريخ أطلق عليه “مارسنكي 1”، لكنه فشل في الخروج من المدار الجوي للأرض.
وفشلت 10 محاولات أخرى للاتحاد السوفييتي حتى جاء عام 1971 حين نجح المسبار “مارس3” في الوصول إلى وجهته، ودرس الكوكب الأحمر لمدة 8 أشهر من خلال الدوران حول المريخ قبل أن يهبط على سطح الكوكب وجمع معلومات لمدة 20 ثانية فقط.
وعلى مستوى الولايات المتحدة كانت أول محاولة في عام 1964 عبر المسبار “مارينر 3” ولكنه فشل بسبب عطل في الألواح الشمسية المثبتة على جانبي المسبار مما جعل تحليقه صعبا حول المريخ، ولكن المسبار “مارينر 4” الذي تم إطلاقه في نفس العام، نجح في مهمته بأن يكون أول مسبار يدرس سطح كوكب المريخ عن كثب حيث أرسل ولأول مرة حوالي 22 صورة للكوكب الأحمر بعد أن استطاع التحليق بالقرب منه.
سباق استيطان المريـخ
تعــود أســباب تســارع وتيــرة الســعي وراء استيطان المريـخ إلى الإجماع العالمي حول قضية الكثافة السكانية علـى كوكـب الأرض والتي يتوقــع أن تــؤدي إلــى اســتنفاد ســريع للمــوارد الطبيعيــة، وانقــراض أنــواع مــن الحيوانــات بالكامــل وعلــى نطــاق واســع، الأمر الــذي يهــدد الجنـس البشـري نفسـه، لذلك أصبح البحـث عـن كوكـب بديل يمكـن للبشـر الاستقرار علـى أرضـه أمـرا لا مفـر منـه وأولويـة لـدى الحكومات ورجــال الأعمال المعنييــن حقــا بالمســاهمة فــي إنقــاذ البشــرية.
وشكل التشــابه بيــن كوكبــي المريــخ والأرض والقرب النســبي بينهمــا بمتوســط مســافة 225 مليــون كيلو متــر أبرز الأسباب التــي جعلــت الكوكــب الأحمر مرشــحا رئيســيا للاستكشاف وهدفــا للدراســة باعتبــاره كوكــبا محتمــلا للســكن فيــه مستقبلا.
ويحتل كوكـب المريخ المرتبة الرابعة من ناحية البعد عــن الشــمس، وهــو ثانــي أصغــر كواكــب النظــام الشمســي، حيــث يبلــغ قطــره نصــف قطر كوكب الأرض ويدور حوله قمران هما “فوبوس” و”دييمــوس”.
ويمتاز كوكب المريخ بأنه كوكب صخري مـن النوع الأرضي، مـع سـطح صلـب غيرتـه البراكيـن والريــاح والحــركات القشــرية والتفاعلات الكيميائية.
ويبلغ متوســط درجة الحرارة علــى ســطحه 63 درجة مئوية، ويتمتـع بغلاف جـويّ رقيـق يوفـر لـه الحمايـة مــن الإشعاعات الكونيــة والشمسية، ويتألف هذا الغلاف فـي الغالـب مـن غـازات ثانـي أكسـيد الكربون والأرجون والنيتروجيــن وكميــة صغيرة من الأكسجين وبخار الماء.
ويعـرف المريـخ كذلـك باسـم الكوكـب الأحمر بسـبب أكسـدة المعــادن الحديديــة فــي تربته (الصــدأ)، بمــا يضفي اللـون الأحمر علـى التربـة والجـو.
وتبلـغ الجاذبيـة علـى سطحه نحــو ثلــث الجاذبيــة علــى كوكــب الأرض.
ويســتغرق يــوم المريــخ مــا يزيــد قليــلا على 24 ســاعة وتعــادل ســنة المريــخ 687 يومــا على كوكب الأرض.
بديل كوكب الأرض
لا يدعــم ســطح المريــخ بوضعــه الحالــي أي حيــاة فوقــه، غيــر أن متوســط درجــة الحــرارة ليــس شــديدا للغايــة بوجــود الحلــول الواقيــة للبشــرة، علاوة علــى أن تربته تحتــوي علــى الميـاه التـي يمكـن اسـتخراجها، كمـا أن هنـاك قـدرا كافيـا مـن ضــوء الشــمس يصلــح لأخذه فــي الاعتبار كمصــدر محلــي للطاقــة باســتخدام الألواح الشمســية.
وحظـي سـطح الكوكـب الأحمر بزيـارات عديـدة لمركبـات فضائيـة، بمـا فـي ذلـك الرحلات التـي حلقـت حـول الكوكـب والمركبـات المداريـة إلـى المسـابير والمركبـات الاستكشافية لسـطحه لجمـع المزيـد مـن المعلومـات عـن الكوكـب والتجهيـز للرحلات الاستكشافية المسـتقبلية.
ومـع ذلـك، فـإن الأرض والمريــخ يســتقران علــى مداريــن مختلفيــن حــول الشــمس، أي أن المسـافة بيـن الكوكبيـن تتبايـن بشـكل كبيـر، ولا تتاح نافـذة إطلاق الرحلات الاستكشافية علـى النحـو الأمثل إلا كل 26 شـهرا، ممـا يحـد مـن فـرص إطـلاق المركبـات الفضائيـة لتحـط علـى سـطح الكوكـب الأحمر بشـكل كبيـر.
نجاحات
وكان أول نجــاح لرحلــة استكشــافية إلــى كوكــب المريــخ قــد تحقــق فــي العــام 1965، بتحليــق القمــر الصناعــي “مارينــر4” التابــع لوكالــة ناســا الأميركية، بتقنيــة التحليــق بالقــرب مــن الأجرام، والــذي أرســل 21 صــورة فوتوغرافيــة عــن قــرب، وتلت ذلــك عــدة رحــلات استكشــافية نجحــت فــي الــدوران حــول الكوكــب الأحمـر والتقطـت صـورا عاليـة الجـودة سـمحت للعلمـاء بالبـدء فــي استكشــاف قصــة ذلــك الكوكــب.
وفــي العــام 1976، صنعــت المركبتــان الفضائيتــان “فايكينــغ1 وفايكينــغ2” التاريــخ بالهبـوط علـى سـطح الكوكـب والعمـل بكامـل طاقتيهـما، لتوفـران بذلــك ســنوات مــن التصويــر عالــي الدقــة للســطح، ومــن ثــم قيــاس وتحديــد عناصــر ســطح الغلاف الجــوي لــه، وإجــراء تجــارب علميــة للبحــث عــن أي أثــر للحيــاة علــى ســطحه.
وفي عام 1997 تمكنـت المركبـة “مـارس باثفاينـدر” التابعـة لوكالـة ناسـا مـن الهبــوط بنجــاح على سطح المريخ باستخدام نظــام ضخــم مـن الأكياس الهوائيـة لتخفيـف وطـأة الهبـوط، وعملـت علـى إرسـال الروبوت “سـوجورنر” المزود بعجلات للسـير علـى سـطح الكوكـب الأحمر.

وعلـى مـدار مـا يقـرب مـن 3 أشـهر، أرسـلت المركبة أكثـر مـن 17 ألف صـورة و15 تحليلا كيميائيــا للصخــور والتربــة إضافة إلى بيانــات واسعة النطاق عن الطقــس.
وفــي العام 2002 تــم اكتشاف جليــد مــاء مدفــون على سطح المريخ، وأعقــب ذلــك إرســال مركبتيــن جوالتيــن هبطتــا فــي منطقتيــن مختلفتيــن مــن الكوكــب ووجدتــا دليلا قويا على أن المياه السـائلة كانت علـى سـطح الكوكـب الأحمر منـذ أمـد بعيـد، كمـا قامـت البعثـات بحفـر وتحليـل التربـة الجليديـة فـي المنطقـة القطبيـة وعثـرت علـى علامات تـدل علـى إمكانيـة العيــش هنــاك، بمــا فــي ذلــك وجــود ميــاه ســائلة وكيمياء التربــة التي يحتمل أن تكون مواتيــة للحياة، بالإضافة إلى الهبوط فــي “فوهة غيــل”، حيــث وجــد أن الظــروف كانــت مناســبة فــي وقــت ما للحياة الميكروبية القديمــة على المريخ، وقد تـم جمـع بيانـات الإشعاع للمسـاعدة فـي حمايـة رواد الفضاء في المستقبل.
ويســتضيف كوكــب المريــخ عددا من المركبــات الفضائية، بعضها تسير في مداره والبعض الآخر على سطحه، ومــن المقــرر أن تقــوم المركبــة “مــارس 2020 روفــر”، التابعــة لوكالــة ناســا، بدراســة مــدى توافــر المــوارد التي تساعد على الحياة، مثــل الأكسجين وإجـراء تحقيقـات علميـة واستكشـافات تقنيـة غيـر مسـبوقة.
مشروع عربي
تشــمل بعثــات الاستكشاف المســتقبلية إلــى المريــخ كلا مــن بعثــة مســبار الأمل الإماراتية ومركبــة “إكســو مــارس” التابعــة لوكالــة الفضــاء الأوروبية وروســيا الاتحادية فــي عــام 2020
بهــدف البحث عــن حياة مجهرية فــي الماضــي والحاضــر، وبعثــة المريــخ الصينيــة لعــام 2020، وبعثــة المريــخ المداريــة 2 التابعـة لمنظمـة البحـوث الفضائيـة الهنديـة خـلال 2021 – 2022 لمتابعــة البعثــة الأولى عــام 2014.
وتعتــزم ســبيس إكـس إطــلاق مركبتهــا “بيــج فالكــون روكيــت” إلـى المريخ مــع مسـافرين علـى متنهـا فـي العـام 2024.
ورغـم تلـك القائمـة الطويلــة مــن الرحلات إلــى المريــخ، فإنه علينــا أن نتذكــر أن كوكــب المريــخ لـم يــزل معروفــا بكونــه هدفــا صعــب المنــال للاستكشــافات الفضائيــة، فضلا عــن إخفــاق نحــو ثلثــي مجمــوع المركبــات الفضائيــة التــي تــم إطلاقها نحــوه في إنجــاز مهامهــا.
يحمل “مسبار الأمل” وهو أول مشروع عربي لاستكشاف الكواكب الأخرى رسالة أمل لكل شعوب المنطقة لإحياء التاريخ الزاخر بالإنجازات العربية في العلوم ويجسد طموح دولة الإمارات وسعي قيادتها المستمر إلى تحدي المستحيل وتخطيه وترسيخ هذا التوجه قيمة راسخة في هوية الدولة وثقافة أبنائها. كما يعد مساهمة إماراتية في تشكيل وصناعة مستقبل واعد للإنسانية.