مساهمة المنظمة الدولية في المقتلة السورية

الجمعة 2016/06/17

يبدو أن النظام العالمي بات يشعر بأنه خارج أي تهديد فعلي، ما جعله يتفرغ تماما للقضاء على الثورات، وبالأخص الثورة السورية من خلال سحق الشعب السوري وجعله أمثولة في نظر الشعوب كافة.

كان من الطبيعي أن تتضافر كل أنظمة العالم الطبقية وجميع قواها السلطوية لتطويق وضرب الثورات الشعبية، إذ لا يمكن أن يتوقع عاقل أن يقف من يسلب الشعوب حقوقها إلى جانب ثورة شعب أراد استرداد حقوقه.

وإذا كان هذا بالضبط ما حصل لجميع الثورات، فإن ما جرى ويجري بالنسبة إلى الشعب السوري وثورته قد تجاوز كل الاحتمالات. فلم تكتف قوى الثورة المضادة العالمية وعلى رأسها القوى الامبريالية المختلفة بدعم النظام الأسدي مباشرة، إن لجهة الدعم بالسلاح والمال، ومن بعد ذلك بالميليشيات المستجلبة من البلدان القريبة والبعيـدة، أو مـداورة مـن خلال التغـاضي عن المجازر اليومية التي يرتكبها بحق المدنيين في مختلف المـدن والنواحي، وبمختلف أنواع الأسلحة ومنها المحظورة دوليا بحسب القوانين الدولية التي توافقت عليهـا تلـك النظم المسيطـرة نفسها والمنظمات الدوليـة التي شكلتهـا، بل نـزل بعضها بقواته إلى جانب النظام، دون اعتراض من أي منها، ليضيف إلى دمويته دموية وإلى مجازره مجازر، يستعرض أسلحته ويعتبر الساحة السورية ميدانا لمناوراته القتـالية والسـوريين أهـدافا تدريبية لها.

وفوق هذه وتلك كان فتح الحدود السياسية بالاتجاهين، لتكون بوابة لتشريد من نجا من السوريين إلى بقاع الأرض، وتحويل قضيتهم إلى مجرد قضية لاجئين “تنوء” تحت عبئها اقتصاديات العالم “الحر” فتبدو دوله مهمومة بإنسانيتها المفرطة من خلال تأمين توزيع أشتات اللاجئين على بلدانه ومدهم بأسباب الحياة، ولتكون بوابة عريضة لإدخال كل شذاذ الآفاق والمجرمين ورجال الاستخبارات من كل لون لزجهم في الصراع كمجموعات “جهادية” الهدف منها ضرب الثورة السورية من الداخل، إضافة إلى الميليشيات الطائفية التي جيء بها لدعم النظام في حربه على السوريين، وتحويل الصراع من ثورة شعب في وجه قاتليه، إلى صراع طائفي مديد يفتح الأبواب على تسويات ومشاريع التقاسم التي تسعى إليها تلك الدول.

وإذ ترك لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أن يتمدد ويتوسع في سوريا والعراق ليلتهم الثورة، وتركت له الأبواب مشرعة لانتقال الأشخاص والأموال والأسلحة والمعدات، ما فتح له الباب ليمارس نشاطه الإجرامي في مناطق مختلفة من العالم، باتت ذرائع التدخل جاهزة أمام كل هذه الدول والقوى لإعادة الاعتبار للنظام والتغاضي عن كل من يدعم بقاءه، وإطالة أمد معاناة الشعب السوري، مسألة تتمتع بالمقبولية.

إن الحديث عن “أخطاء” الولايات المتحدة، أو سواها من القوى الإقليمية والدولية، أو عن تخاذلها في دعم الشعب السوري، هو حديث مضلل. فهذه الدول وهذه القوى لم تكن يوما إلى جانب الشعوب في انتزاع حقوقها، وبالتالي لم تكن في وارد تقديم الدعم للشعب السوري في ثورته، بل كانت دائما في هاجس التخلص من فكرة الثورات الشعبية تماما، ورهينة المصالح التي تتوسلها من إطالة أمد الصراع الذي عمدت بنفسها إلى تشويهه وحرفه عن سياقه.

وبعد أن وُضعت الشعوب العربية في مواجهة قاسية مع القوى المضادة للثورة من جهة، وفي مواجهة مع مآلات الثورة السورية من جهة أخرى، بات الشعب السوري وحيدا عاريا تماما وأصبحت ثورته كاملة اليتم ليتم سحقه بكل ما خطر ولم يخطر على البال: تدمير وتجزير وتشريد وحصار وقتل بالجوع، دون أن ينهض لنجدته أحد حتى بالتظاهر أو الاحتجاج!

وكان لاستمرار اعتراف النظام العالمي بشرعية النظام الأسدي وقبوله الدائم في المنظمات الدولية أن جعل من الأمم المتحدة أحد الأطراف الداعمين، بشكل غير معلن، لهذا النظام، ففقدت دورها الحيادي وألزمت نفسها بالتعاون الكامل معه في كل ما تؤديه من مهام على الساحة السورية. فبدل أن تمارس دورها الذي يقال إنها وُجدت من أجله على الأقل في إغاثة المنكوبين والمحاصرين والمجوعين، تقـوم بإيصال المـواد الإغـاثية المطلوبة إلى مـن يمارس القتل والحصار والتجويع ليتصرف بهذه المواد بالطريقة التي تدعمه في سلوكه الإجـرامي. وبـدل أن تقوم برفع ونشر التقارير الواقعية عن جرائمه، تمنحه حق إعادة صياغة تلك التقارير. لقد جاء تقرير “الحملة من أجل سوريا” ليُبيّن بالتفصيل الحقائق التي تغاضت عنها المنظمات الدولية طيلة سنوات الصراع، والتي كان من شأنها تعقيد إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة، بل إعادة توجيهها بما يخدم حرب النظام على السوريين لإخضاعهم بالتجويع، إضافة إلى المجازر والتدمير. وبما يشبه التواطؤ معه، لم تضع المنظمة الدولية أي خطوط حمراء في تعاونها مع النظام، ولم تلزم نفسها حتى بالقرارات الدولية ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن.

وقد جاء في مقدمة تقرير الحملة:

“تتعرض مبادئ إنسانية أساسية كالنزاهة والاستقلالية وعدم الانحياز إلى انتهاكات خطيرة في سوريا، وهذه المرة على يد الأمم المتحدة نفسها”.

لقد مكن تواطؤ الأمم المتحدة النظام الأسدي من استغلال أكثر من 88 بالمئة من المساعدات الإغاثية في سياسته المعادية للسوريين، بينما لم يصل إلى المحتاجين أكثر من 12 بالمئة منها، ما أثر، ليس فقط على حياة مئات الآلاف من المحاصرين من قبل قوات النظام، بل “على الصراع القائم نفسه”.

وهكذا تساهم منظمة “الأمم المتحدة” والمنظمات المتفرعة عنها في معاقبة الشعب السوري على ثورته من خلال التعمية على السلوك الإجرامي للنظام الأسدي وحلفائه حيال مئات الآلاف من المحاصرين، ومن خلال المساهمة في قتل المحاصرين جوعا وبردا ومرضا، لإخضاعهم.

كاتب لبناني

8