مسار انتخابي متعدد المحطات يكرس النظام السياسي الجديد في تونس

يتطلع الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى توفير الانسجام بين أجهزة الدولة وخاصة التشريعية منها للانطلاق في مشاريع الإصلاحات الشاملة وهو ما يستوجب استكمال انتخابات المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان)، ما يكرس نظام الحكم الجديد في تونس.
تونس - تستعد تونس لتنظيم أول انتخابات محلية ستكون منطلقا لتأسيس الغرفة الثانية للبرلمان وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم في سياق تشكيل نظامها السياسي الجديد الذي نص عليه دستور 2022، فيما يرى مراقبون أن العام 2024 يتجه إلى أن يكون عام تركيز أسس النظام السياسي الجديد، وذلك من خلال تنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية إلى جانب الاستحقاق الرئاسي الذي يبدو أنه سيكون محسوما لفائدة الرئيس قيس سعيد بما يساعده على تنفيذ مشروعه الإصلاحي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وكان قد تم تنظيم انتخابات تشريعية في ديسمبر 2022 بعد إعلان إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 وحل البرلمان في مارس 2022 من قبل الرئيس سعيد، على أن تشهد البلاد انتخابات محلية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.
وأبرز المحلل السياسي أبوبكر الصغير لـ”العرب” أن “تونس تتجه نحو تكريس نظام الديمقراطية القاعدية من خلال برلمان بغرفتين، وعبر انتخابات للمجالس المحلية التي ستكون منطلقا للخيارات السياسية الكبرى ولتشكيل مؤسسات الحكم المركزي والإقليمي والمحلي". وأضاف الصغير أن من أهم ملامح المرحلة هو تهميش دور الأحزاب السياسية، والانهيار التام لمنظومة الأحزاب العقائدية، وظهور طبقة سياسية جديدة تعمل على تشكيل خصوصيات المستقبل في إطار المشروع الإصلاحي الذي تعهد الرئيس سعيد بإرسائه.
وصدّق مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، على جملة من القرارات المتعلقة بضبط قواعد الحملة الانتخابية وتمويلها والتأكيد على ما جاء في تنقيح المرسوم عدد 8 المتعلق بالتغطية الإعلامية للحملة والانتخابات وحصر مهمة مراقبة التغطية الإعلامية ضمن صلاحيات هيئة الانتخابات دون غيرها.
وستصدر الهيئة مذكرة تفصيلية ستدعو فيها وسائل الإعلام إلى محاولة تغطية حملات كلّ المرشحين بالمساواة وفق إمكانيات وسائل الإعلام أو اعتماد القرعة نظرا للعدد الكبير للمرشحين، والذي يبلغ 7216، وقد يرتفع بعد تسجيل 49 طعنا ستنظر فيها المحكمة الإدارية.
وبحسب روزنامة الانتخابات، فإن الحملة الدعائية ستنطلق يوم الثاني من ديسمبر، وتستمر حتى الثاني والعشرين من الشهر ذاته، على أن يكون يوم الثالث والعشرين يوما للصمت الانتخابي قبل أن يتجه الناخبون لصناديق الاقتراع في اليوم الموالي. وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر إنه تم تخصيص 4700 مركز اقتراع و11500 مكتب اقتراع للانتخابات المحلية القادمة، مبرزا أن عدد موظفي مكاتب الاقتراع سيتراوح بين 40 و45 ألف موظف.
وبلغ عدد المقبولين من المرشحين للانتخابات 7216 مرشحا، وهو ما يعتبر رقما إيجابيا ويغطي كامل المجالس المحلية في كافة الدوائر، وفق تقدير الهيئة، لاسيما أن 23 في المئة من المقبولين أوليا هم من فئة الشباب دون 35 عاما. كما تم قبول 1028 مرشحا (من جملة 1080) في فئة ذوي الإعاقة الذين سيشاركون في الانتخابات بالقرعة، ورفض 48 ملفا وانسحاب 4 أشخاص من هذه الفئة.
ويشير المراقبون إلى أن الاستحقاق المحلي سيمثل تحديا كبيرا، لاسيما من حيث الإقبال على صناديق الاقتراع، بعد تسجيل ضعف نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة. وتوقّع المتحدث باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري أن تتراوح كلفة انتخابات المجالس المحلية بين 40 و50 مليون دينار (بين 13 و16 مليون دولار أميركي)، ولفت إلى أنّ الهيئة تعتزم تنظيم انتخابات جزئية لسدّ الشغور في مجلس نواب الشعب على مستوى سبع دوائر في الخارج.
وأوضح المحلل السياسي عبدالحميد بن مصباح أن تونس تتجه نحو عدد من المواعيد الانتخابية المرتقبة في العام 2024، منها الانتخابات البلدية والاستحقاق الرئاسي الذي سينتظم في الخريف، ويبدو أن الرئيس قيس سعيد في طريق مفتوح للفوز به وبالتالي الحصول على عهدة رئاسية ثانية.
وقال بن مصباح لـ"العرب" إنه، وبينما تستعد هيئة الانتخابات لتحديد موعد للانتخابات الجزئية لعضوية مجلس النواب في دوائر الخارج، ترتفع أصوات عدة لتنادي بضرورة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها لمجلس النواب تماشيا مع التحولات السياسية التي تعرفها البلاد في اتجاه تكريس مشروع الرئيس سعيد. والثلاثاء الماضي، دعا حزب “التحالف من أجل تونس” إلى تنظيم انتخابات تشريعية تزامنا مع الانتخابات الرئاسية المقبلة (2024) "لضمان استقرار مطلوب ومتكافئ بين مؤسستي رئاسة الدولة والمجلس التشريعي".
وبرر الحزب موقفه بما وصفه بـ"الانحراف الخطير" لمجلس نواب الشعب عن وظائفه التشريعية و"محاولات البعض من داخل المجلس ومن خارجه توظيفه لتحقيق غايات وأغراض سياسية وشخصية ضيّقة”، لاسيما في ما يتصل بالجدل الذي صاحب مناقشة مقترح قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
واعتبر حزب "التحالف من أجل تونس" أن محاولة سنّ قانون لتجريم التطبيع، وعرضه على الجلسة العامة، اتّسم بتجاوزات وإخلالات جوهرية من قبل نواب المجلس، مشيرا إلى أن ما يقوم النواب بإثارته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد حسم الرئيس سعيد للمسألة فيه ضرب لوحدة الصف الوطني ولمبدأ الانسجام والتناغم بين سلطات ووظائف مؤسسات الدولة لخدمة مصالح الوطن والدولة والشعب.
وقال إن انتخابات مجلس النواب الحالي، التي جرت في ديسمبر 2022، تمت لإنهاء الوضع الاستثنائي الذي أعلنه رئيس الجمهورية في الخامس والعشرين من يوليو 2021، معتبرا أنه لا يمكن اعتبارها إلا انتخابات استثنائية لدورة نيابية يجب أن تنتهي مع انتهاء الفترة الرئاسية الحالية، معتبرا أن المحطات الانتخابية المقبلة لتركيز مختلف المؤسسات الوطنية هي محطات يجب أن تضمن تزامنية بين الدورات النيابية لهذه المؤسسات بما يضمن تحقيق الانسجام والتضامن في رسم وتحقيق الأهداف، وخصوصا منها ضرورة مزامنة الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وكان مجلس نواب الشعب أوقف النظر في مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل في جلسته المنعقدة يوم الثاني من نوفمبر الحالي بسبب تباين الآراء خلال النقاش وحالة "الفوضى" التي سادت الجلسة. ورفع رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة الجلسة إلى أجل غير محدد بعد أن أعلن للعموم أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد أبلغه بأن مقترح القانون هذا سيضرّ بالمصالح الخارجية لتونس".
وعلق سعيّد على هذا الموضوع قائلا "حين طرح علي السؤال بخصوص مقترح قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني جددت الموقف ذاته وأكدت مرة أخرى أن الأمر يتعلق بخيانة عظمى.. ونحن في حرب تحرير وليس في حرب تجريم"، فيما أشار مراقبون إلى أن هناك من سعى إلى المزايدة على خيارات الرئيس، وبالتالي إلى إحراجه أمام الشارع التونسي في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية على وقع حرب غزة.
وترى أوساط تونسية أن الرئيس سعيد يتطلع إلى توفير شروط الانسجام بين مؤسسات الدولة، وخاصة التشريعية، خلال المرحلة القادمة بما يتيح له فرصة تكريس النظام الديمقراطي القاعدي الذي يطمح إليه، وإعادة تشكيل ملامح العلاقة بين السلطة والشعب، والانطلاق في مشاريع الإصلاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.