مرشح مصر في انتخابات ليبيا

بحثت في الأسماء التي أعلنت ترشحها أو تعتزم في انتخابات الرئاسة الليبية عن شخص يمكن أن تتفاهم معه مصر لتحقيق مصالحها فوجدت البورصة مليئة بأسماء قد يعتبرها البعض منسجمة أو متوافقة مع ما تريده القاهرة سياسيا، لكن جميعها يصعب القول إنها تحظى صراحة أو ضمنيا بدعم من قبلها.
سألت سياسيا مصريا مخضرما، هل نجاح المشير خليفة حفتر أو عقيلة صالح أو سيف الإسلام القذافي يصب في مصلحة القاهرة أم لا؟
لم تأت الإجابة كما هو معروف، نعم أو لا، فالرجل يعلم الكثير من تفاصيل ودهاليز العلاقة بين مصر وليبيا، وعلى قناعة بأن ما يطفو على السطح لا يعكس دائما الموقف النهائي، لأن التطورات متسارعة، والمزاج العام والخاص متقلب سياسيا، ناهيك عن أن الحسابات الإقليمية والدولية حيال ليبيا فيها مفاجآت غير متوقعة.
ثم قال، يخطئ من يعتقد أن لمصر مرشحا محددا أو تعمل على الدفع بشخص معين، فإذا كانت العلاقات جيدة الآن مع كل من حفتر وعقيلة، وليست سيئة مع سيف، فهي أيضا كذلك مع كل من فتحي باشاغا وعلي زيدان وعارف النايض، وحتى الدبيبة المحسوب على تركيا لن تكون هناك صعوبة في التفاهم معه.
كان منطق الرجل الذي استند إليه أن الأوضاع الراهنة في ليبيا لا تمكن مصر أو غيرها من أن يكون لها مرشح تسعى لوصوله إلى السلطة في ظل أجواء غامضة يصعب القطع بأن فوزه سوف يحقق مصالحها كاملة، فقد يحدث العكس، لأن الحسابات داخل السلطة مختلفة عن خارجها.
تحظى الانتخابات الليبية بمتابعة سطحية في وسائل الإعلام المصرية، وهي إشارة على أن القاهرة تريد الابتعاد عنها خشية تفسيرات متباينة لتحليل الخطاب الإعلامي، وليس دليلا على عدم الاكتراث بها
ارتبطت القاهرة بعلاقات وثيقة مع المشير حفتر فرضها الدور الحيوي الذي قام به في الحرب على الإرهاب، والأهمية الاستراتيجية لشرق ليبيا التي تتمركز فيها قواته العسكرية، وهذا لا يعني أنه رجلها، فكل شخص له تقديرات تحكم تصرفاته مع أو ضد، وفي بحر السياسة المتلاطم لا توجد مواقف ثابتة، لكن توجد مصالح ثابتة.
اتخذت القاهرة خطوات نحو قوى سياسية في غرب وجنوب ليبيا، ولم تعد تحصر علاقاتها في الشرق، وهو ما فهم منه أنه بمثابة تخل عن حفتر، وأن مشروعه السياسي غير قابل للحياة في ليبيا، وتقلباته يمكن أن تسبب لمصر أضرارا بالغة.
تبدو الصورة قريبة من ذلك مع المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، والذي ظهرت علاقته وثيقة مع مصر في أوقات كثيرة وحظي بدعمها في مواقف متعددة، وشاء أم أبى كان متفاهما معها أكثر من غيره من سياسيي ليبيا في بعض الأوقات، على الأقل بحكم منصبه والمفاتيح التشريعية التي امتلكها، فضلا عن انتمائه للشرق الذي كان محور اهتمام القاهرة الرئيسي في ليبيا.
أكد السياسي المخضرم أن من مصلحة مصر أن تحتفظ بمسافة بعيدة عن أي مرشح كي لا يصيبه رذاذ من يحملون مواقف عدائية لها، وتعكس خطابها المستمر أن مصلحتها في ليبيا مع من يحقق الأمن والاستقرار في أراضيها، وهي غاية ما تريده القاهرة، لذلك حرصت على النأي عن دعم أي مرشح وتركت الخيار للشعب الليبي.
ولأن الكثير من المحسوبين على النظام الليبي السابق يعيشون في مصر، رأى مراقبون أن نجاح سيف الإسلام القذافي يصب في مصلحتها ولن يضيرها وصوله إلى السلطة، وبقطع النظر عن الملاحقات القانونية التي يطارده شبحها، لأنها لن تكون عائقا حقيقيا إذا كان القذافي الابن خيارا سياسيا مناسبا لدى قوى دولية نافذة.
الحاصل أن ما يجري على أي انتخابات في أي دولة يصعب القياس عليه في ليبيا، فقد يخرج من بين الليبيين شخص لم ينتظره أحد، فلم يتوقع كثيرون أن يتولى الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، أو محمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي، ما يعني عدم استبعاد ترشح شخص غير مستهلك من خارج الأسماء المتداولة.
كشف بزوغ نجم الدبيبة والمنفي عن الأهمية التي تنطوي عليها الأبعاد الغاطسة في بحر السياسة الليبي، وأن القوى الدولية التي تنخرط في الصراع تلعب دورا مهمّا في معادلة الترشح والفوز أيضا أكثر من دول الجوار، ولن تقبل بفوز شخص يعمل ضد مصالحها، بما يجعل مسألة التكهن باسم الفائز عملية صعبة.
ارتبطت القاهرة بعلاقات وثيقة مع المشير حفتر فرضها الدور الحيوي الذي قام به في الحرب على الإرهاب، والأهمية الاستراتيجية لشرق ليبيا التي تتمركز فيها قواته العسكرية، وهذا لا يعني أنه رجلها
تحظى الانتخابات الليبية بألاعيب مختلفة، فقد ينصب التركيز المعلن من جهة دولية على مرشح وهي تدعم آخر بوسائل خفية أو لديها بديل وخطة (ب) إذا فشلت الخطة (أ)، ما يضاعف من صعوبة التكهنات في الحالة الليبية.
كما أن الانتخابات نفسها غير مؤكد إتمامها، وغير مؤكد أن تجري على قواعد سياسية سليمة تمكن الفائز من السيطرة على زمام الحكم، فما بعد الانتخابات أصعب من قبلها كثيرا، ولا يوجد مرشح يحظى بدرجة عالية من التوافق الوطني، ولا توجد قوة سياسية أو اجتماعية أو عسكرية تستطيع حسم الموقف بضربة قاضية.
تحرص مصر على عدم إظهار أي إشارة تميل نحو مرشح بعينه من الشرق أو الغرب أو في الجنوب، بمن فيهم محسوبين عليها حقيقة أو ظلما، لأن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ومن الصعوبة أن يكون هناك فرس رهان واحد، ففي ظل الغموض غير البناء من الضروري أحيانا عدم التدخل من قريب أو بعيد.
سألت محدثي عن فرص إتمام الانتخابات، فقال تكاد تكون متساوية مع عدمها لأن هناك إشكاليات قانونية كبيرة تحتاج إلى إرادة داخلية وخارجية قوية لتجاوزها، وهو ما يرضي البعض ولا يرضي البعض الآخر، ولا يعني عبور مرحلة الترشح بسلام أن الأجواء ستكون مواتية للعملية الانتخابية نفسها.
أطلقت بعض الميليشيات تهديدات مباشرة يمكن أن تحوّل يوم الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل إلى يوم أكثر دموية من كل ما مضى، خاصة أن جماعة الإخوان والمتحالفين معها باتت فرصهم ضئيلة في القبض على السلطة بعد هذه الانتخابات، ولن يتوانى هؤلاء عن الدفع في هذا الاتجاه الذي يمثل لهم خيارا أساسيا في حال تيقنهم من أن مفاصل الحكم ستذهب بعيدا عنهم.
تحظى الانتخابات الليبية بمتابعة سطحية في وسائل الإعلام المصرية، وهي إشارة على أن القاهرة تريد الابتعاد عنها خشية تفسيرات متباينة لتحليل الخطاب الإعلامي، وليس دليلا على عدم الاكتراث بها. فتبعية غالبية وسائل الإعلام للدولة جعلت التعامل مع الانتخابات حذرا بدرجة، لأن ثمة عيونا تريد التقاط إشارات تبني عليها استنتاجات تثبت أن القاهرة منحازة لشخص معين، ما فرض ألا يكون لها مرشح معلن أو مستتر.