مرحلة انتقالية تصطاد ظلال الأمل

الأربعاء 2015/12/23

شكّل الواقع العنفي والسقوط في براثن الفوضى جملة من المتغيرات الإنسانية والمجتمعية والسياسية التي ألقت بظلالها على حاضر الشعب السوري ومستقبله.

واقع جديد يعيشه المجتمع السوري تعتلي عرشه الكثير من الظواهر الهدّامة، التي يعتبر النزاع المسلح أشد أبعادها المأساوية، بما مثله من بداية شائكة في طريق طويل ومتعرج كان الهدف منه السعي إلى بناء وطن أكثر حرية في ظل قيم العدالة والتعامل الإنساني تجاه المواطنين.

كشفت الأزمة عن حالة الخلل التي أصابت المجتمع في الصميم بعد ما شهده من السلبيات والانتهاكات وتدمير الإمكانات التي أنتجها النظام من خلال سيطرته الشاملة على كل مفاصل الدولة، وجعل كافة القيم والنظم الأخلاقية والتربوية خاضعة لمعاييره، والتي أثمرت خلق مجتمعات هشّة تبحث عن إعادة تعريف ذاتها وتثبيت هويتها داخل حرب غريبة تنشر غبارها على خطين متوازيين، أحدهما قلّص الوطن لينظر إليه عبر زاوية العائلة الحاكمة وبقائها المؤبد في السلطة، والآخر وجد ضالّته تحت راية تنظيم القاعدة السوداء ودولة الخلافة والإسلام الجهادي الدولي.

حرب استنزاف أصابت الشعب السوري ونخبته بالشلل والعجز عن القيام بطرح المبادرات وقيادة التحولات الكبرى وإيجاد هويته المبنية على الحرية العامة والفردية في ظل دولة القانون. إذ لا يرغب أحد بأن يعود النظام كما كان، ولن يرغب أحد في بديل يرسّخ البنية التسلّطية ويعطل الثقافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحديثة، وكل ما يمكن أن يضع الشعب السوري في المسار الطبيعي للحضارة الإنسانية.

وسط ضجيج السلاح الذي اشتبك معلنا تدمير الأمل في بناء هوية سورية جامعة، يعيش الشعب داخل دوامة أزمات إنسانية غير مسبوقة، يصرّ الفاعلون فيها على استخدام السلاح وتصرّ الدول الإقليمية على إذكاء الصراع، ففي ساحة تزعمها الاستبداد والفساد والإرهاب والاحتلال المباشر وغير المباشر، وانتشرت فيها إمارات التخلف باسم طوائف وقبائل وإسلام لم يعرفه السوريون في تاريخهم، انحلت البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وفقد الشعب أدنى حقوقه في الحياة والأمان، ولم يعد قادرا على بناء قوة متوازنة تستطيع رفع مطالبه، أما القوى التي ترفع أصواتها المعارضة فتبدو ركيكة في بنيتها مفككة في تشكيلاتها، لا تمتلك أطرا فاعلة تعبّر فيها عن تطلعات الشعب وطموحاته، وتغيب عنها أي استراتيجية مستقبلية تستطيع تجميع ما تم تمزيقه من النسيج السوري، وهذا ما بدا واضحا في كثافة المؤتمرات التي واكبت الكارثة السورية وكان منها ما يتصل بالمعارضة ومعالجة القضايا المتعلقة بمواقفها وشؤونها الداخلية والتي بدت ملتبسة النتائج ولا تتجاوز محاولة طمس الأخطاء أو إعادة تدويرها بصورة يتقبلها العامة بدلا من تصحيحها، ومنها ما يتعلق بموضوع تسوية القضية السورية عبر الوصول إلى حل سياسي بات ضروريا للخروج من إطار العنف.

لكن هذه المؤتمرات في معظمها لم تقدم حتى الآن نتائج عملية ملموسة عن القضية السورية، وتبدو عاجزة عن تقديم جدول أعمال لإنهاء المقتلة، وهي في غالبيتها محاطة بإشكالات تتعلق بالمرجعية السياسية للمشاركين وتمثيلهم الحقيقي للشعب ومتطلباته، وتتعلق بالداعين لها من حيث علاقتهم العميقة وفاعليتهم الممكنة في القضية السورية واختلافاتهم بين تغيير الوجوه أو تغيير النظام أو تغيير الخرائط، ما يجعل التسوية والحل غير متاحين ضمن الظروف والإمكانات الموجودة لدى الأطراف المتداخلة في ميدان الحرب المشتعلة، وفي مؤتمرات تقودها إرادة دولية متوجّسة من انتصار غول التطرف، والتي لن تثمر سوى ركام سوري وخطوط عريضة في تسويات تحتاج إلى المزيد من الوقت لتنضج.

مخاض عسير توجهه جملة من الانتهاكات تغلق الدائرة على المزيد من الدماء المهدورة التي تصطاد ظلال الأمل في مرحلة انتقالية لن تدوم إلى الأبد، لكن ما أنتجته وستنتجه هذه الحرب من كوارث سيكون أساسا في كيان الدولة السورية القادمة بعد الحرب.

كاتبة ورسامة سورية

9