مراجعة المنظومة التشريعية لكبار السن في تونس تضمن لهم العيش اللائق

تحيين النسخة المنجزة من مشروع مجلة حقوق كبار السن في تونس يعالج هشاشة المنظومة المؤسساتية لهذه الفئة.
السبت 2021/10/02
كبار السن في حاجة دائمة إلى الرعاية

فرض تغير التركيبة الديمغرافية للمجتمع التونسي على الحكومات المتعاقبة تطوير برامجها وتكثيف الإجراءات التي تستهدف كبار السن بُغية المزيد من العناية بهم. وتعيش فئة المسنين في تونس مشاكل جعلتها تعاني من أزمة يرى العديد أنّها تقتضي سنّ قوانين ومجلة حقوق جديدة توفر حماية أكبر لهم، خصوصاً أنّ المؤشرات تفيد بارتفاع نسبة المسنين في المجتمع التونسي الذي يتجه نحو الشيخوخة.

تونس- تشهد تونس نقلة ديمغرافية وتحولا في التركيبة العمرية للسكان نتجت عنهما بوادر التهرم السكاني التي تمثلت في الزيادة العددية لكبار السن مقابل انخفاض عدد الفئات العمرية الأصغر من المجموع العام للسكان، حيث تصل نسبة كبار السن حاليا إلى حوالي 12.5 في المئة ،ومن المتوقع حسب الإسقاطات السكانية أن تبلغ نسبتهم 17.7 في المئة سنة 2029.

كما تفيد البيانات الإحصائية بأن عدد المسنات تجاوز عدد المسنين، ومن المنتظر أن تزيد الفجوة بين الجنسين في السنوات القادمة، ما يطرح مستقبلا ظاهرة تأنيث الشيخوخة التي تطرح بدورها تحديات كبرى على مستوى وضع السياسات.

وأكدت إيمان الزهواني هويمل وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسنين تحت شعار “شيخوخة آمنة زمن كورونا وما بعده” حرصها على تكريس الآليات العملياتية الكفيلة بتأمين ظروف العيش اللائق لفئة المسنين وصون كرامتهم وتثمين مكانتهم داخل الأسرة والمجتمع.

إيمان الزهواني هويمل: العمل ضمن مقاربة تشاركية مع مختلف الهياكل ضروري

وشددت على ضرورة العمل ضمن مقاربة تشاركية مع جميع الشركاء من مختلف الهياكل الحكومية وغير الحكومية ومكونات المجتمع المدني ذات العلاقة لتأمين خدمات مستدامة في مجال الإحاطة والرعاية تضمن للمسنين العيش اللائق وتحفظ كرامتهم وتمكنهم من قضاء شيخوخة نشيطة وآمنة في كنف بيئة صديقة ودامجة لهم.

ولفتت هويمل إلى أنها بصدد مراجعة المنظومة التشريعية المتعلقة بكبار السن، من خلال تحيين النسخة المنجزة من مشروع مجلة حقوق كبار السن والانتهاء من صياغتها، والعمل على معالجة الهشاشة التنظيمية للمنظومة المؤسساتية في مجال رعايتهم إلى جانب إعداد المسودة الأولية لكراس شروط إحداث وتسيير النوادي النهارية لهذه الفئة وإعداد كراس شروط إحداث وتسيير مؤسسات صحية متخصصة لكبار السن فضلا عن الشروع في مراجعة كراس شروط إحداث وتسيير مؤسسات رعايتهم.

وذكّرت الوزيرة في جانب وقاية كبار السن من خطر العدوى بفايروس كوفيد – 19 ومرافقتهم لمجابهة التداعيات السلبية لهذه الجائحة، بمواصلة تنفيذها الاستراتيجية الوقائية والحمائية التي انطلقت منذ شهر مارس الماضي من خلال اعتماد جملة من التدابير والإجراءات الوقائية والحمائية المتكاملة للتوقي من انتشار الفايروس في مؤسسات رعاية كبار السن و تنظيم حملة وطنية لتلقيح المسنين.

وقالت هويمل إن جائحة كورونا التي تواجهها تونس منذ بداية شهر مارس 2020 مثلت تحديا حقيقيا وامتحانا عسيرا في مواجهتها وهو ما استدعى توحيد الجهود والمزيد من تنشيط العمل الشبكي. وفي هذا الصدد تم عزل كافة المقيمين في مؤسسات رعاية كبار السن العمومية والخاصة بشكل كامل لحمايتهم ومنع الزيارات من قبل أقاربهم، مع تمكينهم من التواصل معهم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي (سكايب، واتس آب…).

كما تم إعداد بروتوكول صحي للحد من انتشار فايروس كورونا في مؤسسات الرعاية بالإضافة إلى تخصيص فضاء للحجر الصحي بالنسبة إلى الوافدين الجدد على المؤسسات أو المشتبه في إصابتهم بالفايروس أو المصابين به فعلا، وتكثيف إجراء تحاليل الكشف السريع عن الإصابة بالفايروس بالنسبة إلى الوافدين الجدد على المؤسسات والمقيمين والإطار العامل بها عند التفطن إلى وجود حالات عدوى.

كما تم منذ الثلاثين من أبريل الماضي الشروع في تنفيذ الحملة الوطنية لتلقيح كبار السن بالشراكة مع وزارة الصحة، والتي استهدفت تلقيح كل المقيمين والعاملين بمؤسسات رعاية كبار السن العمومية، علاوة على المنتفعين ببرنامج الإيداع العائلي ومنظوري كل من الفرق المتنقلة لتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية لكبار السن في البيت والجمعيات.

وتولي تونس كبار السن أهمية بالغة وما انفكت تؤكد على ضرورة إنشاء مجتمع قادر على توفير مُقومات العيش الكريم والمُستدام لهم وضمان حقوقهم وتشريكهم بفاعليّة في الحياة العامة دون إقصاء ولا تمييز.

ووقعت تونس العام الماضي بروتوكول تعاون في مجال رعاية كبار السن بين وزارة المرأة والأسرة وكبار السن وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

بيانات إحصائية تفيد بأن عدد المسنات تجاوز عدد المسنين
بيانات إحصائية تفيد بأن عدد المسنات تجاوز عدد المسنين

ويهدف بروتوكول التعاون المبرم بين الأطراف الثلاثة إلى تقديم الدعم الفني لوزارة المرأة والأسرة وكبار السن من خلال دعم مشروع مجلة كبار السن والاستراتيجية الوطنية لهذه الفئة، وفق مقاربة تشمل الجوانب الاجتماعية والصحية والنفسية والقانونية والمؤسساتية وذلك في إطار تنفيذ أجندة 2030، إلى جانب تنفيذ استراتيجية اتصالية لنشر ثقافة حقوق كبار السن. وتم بمقتضى هذا البروتوكول التعهّد بالتعاون في مجال التعبئة والمناصرة لمجلة كبار السن من خلال تنظيم ورشات عمل للتعريف بمحاورها.

وأكّدت وزيرة المرأة أهميّة هذا البروتوكول الذي أمضته الوزارة مع شركائها الأمميين، وأفادت بأنّه يعدّ الأول من نوعه في مجال رعاية كبار السن، ويفتح آفاقا جديدة للتعاون خدمة للمصلحة الفضلى لكبار السن.

وتشهد نسبة المسنين في تونس ارتفاعا ملحوظا حيث انتقلت من 5.1 في المئة إلى 10 في المئة خلال الخمسين عاما الماضية. كما توقعت دراسة أنجزها خبراء لفائدة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ارتفاع عدد المتقاعدين إلى أكثر من مليونين و200 ألف متقاعد سنة 2024. ودعت الدراسة التي حملت عنوان “أي مستقبل للمتقاعدين في تونس؟” إلى ضبط استراتيجية لتنشيط حياة المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم وذلك لحمايتهم من العزلة والأمراض.

وكانت أسماء السحيري وزيرة المرأة السابقة قد شدَّدت على ضرورة اتباع خطة وطنية لاستباق التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه الفئة وخاصة عند المرور بأزمات عالمية كتهديد فايروس كورونا المستجد.

كما استعرضت خلال ندوة بعنوان “كبار السن والمنظومة الحقوقية من الحماية إلى الحقوق” السُّبل الكفيلة بمدِّ جسور الترابط بين كبار السن من جهة -من خلال تجاربهم العملية والحياتيّة وباعتبارهم قوة فاعلة للبِناء وقوة اقتراح- وبين جيل جديد يحتاج إلى التوجيه والنصح والإرشاد من جهة أخرى.

من المنتظر أن تزيد الفجوة بين الجنسين في السنوات القادمة، ما يطرح مستقبلا ظاهرة تأنيث الشيخوخة التي تطرح بدورها تحديات كبرى على مستوى وضع السياسات

وكانت تونس قد سنّت في عام 1994 القانون عدد 114 الذي يتعلق بحماية المسنين. وينص على أنّ حماية المسنين تعني حماية صحتهم وضمان كرامتهم وذلك بمساعدتهم على مجابهة الصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية بحكم تقدّمهم في السن، كما مساعدتهم على معرفة حقوقهم وتقديم المعونة اللازمة لهم، إلى جانب مقاومة جميع أشكال التمييز والإقصاء من الوسط العائلي والاجتماعي.

كذلك ينص الفصل 3 من القانون على أن تتخذ السلطات العمومية المعنية الإجراءات الملائمة بغية تمكين المسنين من التسهيلات اللازمة، خصوصاً في ما يتعلق بالتداوي والسكن والنقل العمومي والخدمات الإدارية والمشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. أما الفصل 6 فينص على أنّه بإمكان المسن أن يستفيد في مقر إقامته من خدمات اجتماعية وصحية، سعياً لإبقائه في محيطه الطبيعي.

21