مدينة مادبا الأردنية تملك كل مفاتيح الجذب السياحي في انتظار السياح

عاصمة مدينة مادبا تشتهر بالفسيفساء والكنائس القديمة ولعل أشهرها كنيسة الخارطة (الروم الأرثوذكس) وكنيسة الرسل وكذلك جبل نيبو.
الأحد 2018/09/23
موقع معترف به عالميا

تسعى عدة أطراف بمادبا إلى التركيز على زيادة الاهتمام بالسياحة في هذه المدينة الأردنية التي تملك جميع عناصر الجذب السياحي، ويعد جبل نيبو من أهم المقاصد الطبيعية لكن لم يتم استغلاله بالشكل الأمثل لإنعاش السياحة في المنطقة، على الرغم من قداسيته بوصفه مرقدا لنبي موسى.

مع نهاية شهر سبتمبر الحالي، سينتهي موسم الزيارات الجماعية لجبل نيبو، التي تبدأ عادة من أعياد الميلاد كل عام، لتتحول هذه الزيارات إلى فردية في فصل الصيف.

ويبعد جبل نيبو، الذي يرتفع 817 مترا عن مستوى سطح البحر، 41 كيلومترا عن العاصمة الأردنية عمان، ويقدسه المسلمون والمسيحيون واليهود على حد السواء.

ويزور هذا الجبل سياح من كل أنحاء العالم، بواقع أكثر من نصف مليون زائر سنويا، ويتوقع مشتغلون في السياحة أن يزداد هذا العدد إلى أكثر من مليون زائر في السنتين المقبلتين، إذا استحدثت الدوائر السياحية برامج جاذبة للسياح، خصوصا وأن منطقة جبل نيبو تطل على البحر الميت، ووادي الأردن، وتعدّ من أفضل الأماكن الموجودة في المملكة لأغراض المراقبة، إذ يستطيع الإنسان في الأيام الصافية والأجواء المعتدلة مشاهدة البحر الميت بالعين المجردة إذا وقف على قمة الجبل، كما يستطيع رؤية جبال البلقاء، وكل فلسطين بما فيها من أماكن مقدسة كقبة الصخرة، وأبراج الكنائس الموجودة في مدينة القدس العريقة، والجزء الجنوبي من دولة لبنان، وجبل الشيخ شمالا حتى جبال سيناء الواقعة في الاتجاه الجنوبي.

حنا القنصل: لا بد من تشجيع سياحة الترانزيت وتنظيم برامج سياحية تراثية شعبية ومهرجان سنوي خاص بمدينة مادبا
حنا القنصل: لا بد من تشجيع سياحة الترانزيت وتنظيم برامج سياحية تراثية شعبية ومهرجان سنوي خاص بمدينة مادبا

يرى الناشط الثقافي والاجتماعي حنا القنصل، في حديث لـ”العرب” أن منطقة مادبا، التي يعدّ جبل نيبو واحداً من معالمها السياحية، تعاني عموماً من إشكاليات عدة منها قلة الإقبال السياحي على المنطقة، التي تتوفر فيها كل أنواع السياحات التاريخية والعلاجية والطبيعية والدينية وسياحة البيئة والمغامرات، بسبب الظروف السياسية في الشرق الأوسط والأزمات الاقتصادية التي تجتاح العالم.

ويقترح أن يتم العمل على جعل مادبا نقطة أولى في السياحة من خلال تشجيع سياحة الترانزيت، في إشارة إلى أن مطار عالية الدولي قريب من مادبا، فبدلاً من أن تجعل المسافر يقضي ساعات في صالات الترانزيت منتظراً طائرته يتم تنظيم برنامج سياحي له لزيارة المواقع السياحية في مادبا، كما يوصي بتنظيم برامج سياحية تراثية شعبية ومهرجان سنوي خاص بالمدينة وتشجيع السياحة الايكولوجية (البيئة والمغامرات)، وهي موجودة في منطقتي الموجب والهيدات.

وحول جبل نيبو، الذي يسمونه في المنطقة (نبا)، وهو إله التجارة لدى البابليين، منطقة جميلة تسمى عيون موسى وهي جزء من الإرث الديني المرتبط بطريق الحج المسيحي من القدس إلى هذه المنطقة أو العكس، ويرتبط هذا الاسم بعصا النبي موسى، التي ضرب بها الأرض فانبجست المياه من 12 عين ماء، وهذه المياه كانت سبباً لإقامة الناس حولها، كما أقام حولها العديد من الرهبان، فكان من يرغب في الترهبن يأتي إليها، وقد وصفت السائحة ايجيريا هذه المنطقة عند زيارتها عام 394م.

في العصر الحديث كانت عيون موسى مصدراً لمياه مادبا وحولها، حالياً، مزارع وبساتين تعتمد في سقيها على المياه نفسها، إذ تقسم بالتساوي على العشائر الساكنة حولها وعلى مزارعها وبساتينها وفق قانون عشائري ورسمي.

تقول الراهبة راشيل سلمان مخامرة “إن جبل نيبو يكتسب قداسته لدى الحجاج اليهود من كون قمته تضم رفات النبي موسى عليه السلام، لكن لا أحد يعرف موقعه ضبطاً، ولم تنجح التنقيبات الأثرية، التي أجراها علماء الأرض والآثار، في اكتشافه إلى الآن، وقد ذكر اسم المدينة في التوراة هكذا: اصعد إلى جبل عباريم، هذا جبل نبو الذي في أرض موآب الذي قبالة أريحا”.

وتضيف مخامرة أن أهمية المكان لدى المسيحيين تعود إلى أنّ نبي الله موسى عليه السلام توفي ودفن في جبل نيبو، وأنه قبل وفاته وقف على الجبل مع قومه، ورأى الأرض الموعودة التي لم يصل إليها، وما زال موقع وقوفه على الجبل موجوداً، أما المسلمون فيعتقدون أن هذا الجبل هو الذي ذُكر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في قصة النبي موسى.

 وتذكر مسلة ملك مؤاب ميشع مدينة نبو، والحروب التي دارت على جبل نيبو، وبسبب تلك الحروب هُجرت المدينة، وخرج الناس منها، وبقيت على حالها من ركود وهجران حتى القرن الرابع، حيث وصلت إليها قبيلة بدوية مسيحية، وبنت كنيسة فيها، مما أدى إلى ازدهار المدينة في القرن السادس.

وزار الجبل البابا الراحل (يوحنا بولص الثاني)، ووقف في المكان، الذي وقف فيه النبي موسى، وتطلع إلى الأرض المقدسة، إذ قد تتماهى المسافات في البعيد، نتيجة البخار المتصاعد من مياه الأغوار ومياه نهر الأردن، ولكن في الليل تستطيع التمييز بين أضواء القدس والقرى الفلسطينية، وقد اعتمد الفاتيكان هذا الجبل ضمن المواقع الدينية الخمسة للحج المسيحي في الألفية الثانية.

الحضارة والتاريخ
الحضارة والتاريخ

وزادت أهمية المنطقة في العصر الحديث عندما اكتشف عام 1996 المغطس، وهو مكان عمادة السيد المسيح، إذ افتتحه وقدسه البابا يوحنا في زيارته عام 2000 وعدّ معلما ومكاناً للحج المسيحي.

ولا يمكن الحديث عن جبل نيبو من دون ذكر الأب ميكيل بيشيريللو، وهو رجل دين مسيحي إيطالي قضى 35 سنة من عمره بين مدينتي القدس ومادبا تمكن خلالها من جعل كنيسة صياغة (جبل نيبو) موقعاً معترفاً به عالمياً وهو الموقع الذي يفترض أن النبي موسى أطلّ منه على أرض فلسطين وقال له الرب تراها بعينيك ولا تطأها بقدميك.

ويعد أحمد الوخيان، وهو أحد وجهاء عشيرة الوخيان الأردنية، بيشيريللو أحد أفراد العشيرة، بل أحد وجهائها، فقد استطاع هذا الرجل أن يقيم علاقات متينة مع العشائر العربية المسلمة، التي تسكن المنطقة، ويغير مستقبل أبنائها بحرصه على تعليمهم وأن يشغلوا هم وظائف الموقع، كما نمى في نفوسهم الوعي بالآثار، ونجح في إدراج آثار مادبا على قائمة اليونسكو للإرث الإنساني وكان له الفضل في إعلاء شأن آثار مادبا سياحيا وإنشاء مدرسة الفسيفساء عام 1996 وحرص على تأهيل خبراء فن الفسيفساء من أهل محافظة مادبا.

راشيل سلمان مخامرة: جبل نيبو يكتسب قداسته لدى الحجاج اليهود من كون قمته تضم رفات النبي موسى عليه السلام
راشيل سلمان مخامرة: جبل نيبو يكتسب قداسته لدى الحجاج اليهود من كون قمته تضم رفات النبي موسى عليه السلام

وكانت عشيرة الوخيان تمتلك الأراضي التي يقوم عليها جبل نيبو وبعد التنقيب فيها اكتشفوا أنها أرض مقدسة، وقد استطاع الرهبان أن يعقدوا اتفاقية مع والد جد أحمد الوخيان وأقاربه لشراء هذه الأرض مقابل 500 دينار أردني وشروط كثيرة، كما يقول الوخيان، منها بناء مدرسة لتعليم أبناء العشيرة وابتعاثهم إلى إيطاليا للدراسة وأن يبقى مفتاح الكنيسة لدى أبناء العشيرة يتوارثونه أباً عن جد، وأن يقوموا على خدمة الكنيسة.

وضربت العشائر العربية أروع أمثلة الوفاء والتسامح والمحبة عندما مرض الأب بيشيريللو، إذ وجهوا إليه رعايتهم، ولما اشتد عليه المرض سافر إلى إيطاليا للعلاج وتوفي هناك، وأوصى بأن ينقل جسده إلى جبل نيبو لدفنه، وبعد جنازة رسمية رفيعة له في إيطاليا، كما يقول الكاتب الأردني جميل النمري، تمّ الالتزام بوصيته فنقل جثمانه ليوارى الثرى على الأرض التي أحبها في مادبا إلى جانب سلفه، وقد اصطف بعض شيوخ الوخيان يتلقون التعازي مع السفير الإيطالي والآباء الفرانسيسكان، وإلى جانب كلمة الآباء فوق النعش ألقى الشيخ عارف الوخيان كلمة مؤثرة باسم الأهالي.

بات تنشيط الحركة السياحية في مدينة مادبا ضرورة لتطوير المدينة اقتصاديا خصوصاً وأنها تمتلك جميع عناصر الجذب السياحي، ولكن يبدو أن مسؤولي السياحة في المدينة يريدون أن يعملوا بصمت فلا يستطيع صحافي يتوجه إليهم أن يحصل على أي معلومة بسيطة.

السياح في جبل نيبو يتنفسون ريح النبي موسى
السياح في جبل نيبو يتنفسون ريح النبي موسى

 

16