مخطط لإنتاج خلافة جديدة لتنظيم داعش انطلاقًا من مخيم الهول

يستغل تنظيم داعش الظروف المعيشية المتردية داخل مخيم الهول لاستقطاب المئات من المحتاجين للغذاء والمال والدواء مقابل استخدام أساليب الضغط والإكراه مع آخرين، في سياق خطة تهدف إلى إحياء التنظيم.
أوحت الأحداث الأخيرة في مخيم الهول شرقي الحسكة على الحدود السورية العراقية بامتلاك تنظيم داعش خطة متعددة المستويات هدفها إنتاج نسخة جديدة من خلافته بعد سقوط الأولى في آخر حصن لها في الباغوز السورية قبل حوالي ثلاثة أعوام.
وعلى الرغم من تنفيذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مؤخرًا حملات تفتيش موسعة على المخيم الذي يُعد إحدى البؤر الرئيسية لاستعادة داعش حضوره بالمنطقة، إلا أن التنظيم التكفيري يمتلك قدرة على القيام بعمليات أغلبيتها في دير الزور بشرقي سوريا.
وأعلن تنظيم الدولة بجريدته الأسبوعية “النبأ” في عددها الصادر في منتصف سبتمبر، بالتزامن مع الحملات على المخيم، مسؤوليته عن هجومين استهدفا قوات سوريا الديمقراطية خلفا سبعة قتلى.
ونفذ داعش في الفترة التي فصلت بين أول حملة لقسد على مخيم الهول العام الماضي والحملة الأخيرة، أي على مدى عام تقريبًا، 123 هجومًا ضد عناصر ومقاتلين وصهاريج عسكرية ومعدات وتمركزات تابعة لقسد.
هدم الأسوار
أوحت البيانات التي يصدرها التنظيم عقب تنفيذ تلك الهجمات بأن الغرض الرئيسي منها الانتقام ردًا على الحملة الأمنية الموسعة التي تنفذها قسد على خلايا التنظيم بمخيم الهول.
وأكد المتحدث الرسمي باسم داعش “أبوعمر المهاجر” في إصدار صوتي مؤخرًا أن الهجمات تأتي ضمن بنود خطة “هدم الأسوار” التي لا تقتصر على الساحة السورية إنما تهدف إلى تهريب عناصر وقادة التنظيم القابعين في السجون في جميع أنحاء العالم.
وكشفت كلمة أبوعمر المهاجر تركيز داعش في المرحلة المقبلة على الساحة السورية، وهو ما ظهر في إشارته إلى أن التنظيم سيواصل القتال ضد قسد والفصائل المسلحة وتنظيم القاعدة خاصةً في سوريا، معتبرًا أن هذه الفئات تندرج تحت وصف الطوائف الكافرة والمرتدة.
وحمل المهاجر فرع القاعدة في سوريا مسؤولية الشقاق بين التنظيمين، مشددًا على أن داعش لم يكفر القاعدة إلا بعد أن انقلب عليه ووقف في صفوف أعداء التنظيم مسهمًا في طرده من مناطق كان يسيطر عليها.
محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام تمثل عمقًا إستراتيجيًا لتهريب القادة الجدد لداعش
تشير الرسائل التي حملتها البيانات الصادرة عن داعش خاصة تلك التي تضمنها الإصدار الصوتي للمتحدث باسمه إلى أن الساحة السورية تأتي على رأس قائمة أولويات التنظيم، وأن خطة اقتحام السجون لتهريب عناصره هي واحدة من أهم أوراق محاولاته لاستعادة حضوره ونشاطه.
وعزز ذلك فحوى البيانات الصادرة عن قسد التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية وأكدت أن عمليتها الأمنية الأخيرة بمخيم الهول أتت استباقًا لهجوم موسع يعد له داعش، وأن السيطرة على المخيم مثّلت الهدف الثاني لهجوم شنه التنظيم على سجن الثانوية الصناعية بالحسكة في يناير الماضي.
كشفت قسد عن تفاصيل خطة داعش للهجوم على مخيم الهول ومؤداها تحريك خلاياه لفتح ممرات وإحداث ثغرات في الجدران الأمنية بما يساعده على الهجوم من أكثر من محور، انطلاقًا من ممر يربط المناطق الشرقية مع الحدود العراقية والبادية السورية وكذلك الحدود التركية.
ومع اعتقالها المئات من عناصر داعش ممن يُعتقد أنهم أعضاء في خلايا التنظيم النائمة داخل مخيم الهول لم تتمكن قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة، وهي أشبه برأس الحربة في الحملة على الإرهاب التكفيري بالمنطقة، من ضبط الوضع داخل أحد أكبر المخيمات وأخطرها وأكثرها اكتظاظًا.
تمكن العديد من عناصر داعش من الفرار من المخيم فضلًا عن بلوغ الأطفال الذين خضعوا لتربية متطرفة على يد تكفيريين داخل المخيم – وهم بمثابة الجيل الجديد للتنظيم الإرهابي – معناه حصول انتكاسة لجهود قوات سوريا الديمقراطية التي اعتقد البعض أنها قد نجحت في دحر التنظيم وتقليص خطره وإجباره على الانكفاء داخل البادية السورية.
تحضير للمرحلة المقبلة
يتأسس مخطط داعش لإنتاج النسخة الثانية من خلافته على الحفاظ أولًا على أيديولوجية التنظيم تنظيرًا وممارسة داخل مخيم الهول الذي يضم العدد الأكبر من عناصره ونسائه وأشباله تمهيدًا للسيطرة عليه، وتاليًا تحرير من يمكنهم تشكيل نواة مثالية لخلايا إرهابية أكبر خارج المخيم.
تتنوع أنشطة خلايا التنظيم داخل مخيم الهول الواقع على مشارف الحدود العراقية بين تلقين ونشر الأيديولوجيا التكفيرية، حيث نصب داعش أكثر من 110 خيمة واستخدمها كمدارس شرعية تدرس أفكاره وعقائده المتطرفة وأسفلها حُفرت الخنادق والشبكات السرية.
راوحت خلايا داعش داخل مخيم الهول بين الترغيب والترهيب لإجبار قطاع من سكانه البالغ عددهم نحو 55 ألف شخص، منهم حوالي 93 في المئة من النساء والأطفال، على الانضمام إلى التنظيم.
تمكن العديد من عناصر داعش من الفرار وبلوغ الأطفال الذين خضعوا لتربية متطرفة على يد تكفيريين داخل المخيم، معناه حصول انتكاسة لجهود قسد
استغلت خلايا التنظيم الظروف المعيشية المتردية داخل المخيم لاستقطاب المئات من المحتاجين للغذاء والمال والدواء مقابل استخدام أساليب الضغط والإكراه مع آخرين لنفس الغرض.
وحوت نتائج حملة التفتيش الموسعة الأخيرة أرقاما وممارسات مرعبة تستخدمها خلايا داعش ضد من يبدي رفضًا للانضواء تحت رايته، حيث جرت مصادرة أدوات تعذيب، وتم تحرير فتاتين إيزيديتين وإطلاق أربع سيدات كن مقيدات بالسلاسل.
وثبت أن من جرى اعتقالهم من عناصر التنظيم على يد قوات قسد على صلة بجرائم القتل التي بلغت منذ بداية العام الجاري 44 عملية، فضلًا عن جرائم التعذيب الوحشية.
ويقوم السيناريو التالي وفقًا لتصور المتحكمين في خيوط داعش الحاليين على إخراج نشطائه وعددًا ممن جرى تجهيزهم من الكوادر عبر الأنفاق إلى ساحات ومناطق داخل سوريا وخارجها تمهيدًا لإعلان النسخة الثانية من خلافته المزعومة.
بجانب الأسلحة وصناديق الذخيرة والهواتف والمعدات الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر التي عُثر عليها مخبأة داخل الخيام ومطمورة تحت التراب جرى اكتشاف 28 نفقًا لتهريب البشر والأسلحة، ما دل على وجود شبكة اتصال بين عناصر المخيم وخلاياه في الخارج.
تتكامل تلك الجهود مع خطة “هدم الأسوار” الموضوعة لأجل اقتحام السجون وتحرير عناصر داعش، حيث جعل التنظيم سجون ومعسكرات ومخيمات شمال شرق سوريا على رأس قائمة أولوياته وبمثابة الهدف الأول له خلال الفترة المقبلة.
محافظة إدلب لا تزال تمثل عمقًا إستراتيجيًا وساحة مستهدفة لتهريب القادة الجدد لتنظيم داعش
ومخيم الهول الذي تحول إلى دُويلة مصغرة لداعش إلى حين إعلان نسخة خلافته الثانية جرى استخدامه عبر جهود منسقة ليصبح معقلًا يحافظ التنظيم به على وجوده وعلى أفكاره وأيديولوجيته استعدادًا لترتيب صفوفه وإعداد جيل جديد من القادة والمقاتلين عوضًا عمن فقدهم مؤخرا.
وأدى انهيار خلافة داعش الأولى إلى القبض على العديد من مسؤولي التنظيم وقادته، وهم من قدموا معلومات ثمينة لأجهزة الاستخبارات الغربية ساقت للإيقاع بأكثر قادته تأثيرًا وخطورة.
من بين هؤلاء الذين قدموا المعلومات الاستخبارية التي مثلت تحولًا في تاريخ التنظيم أسراه بين 2018 و2020 مثل جمال المشداني (أبوحمزة الكردي) وأسامة العويد وصدام الجمل، فضلًا عن سالم الجبوري وأبوزيد العراقي (إسماعيل العيثاوي) بجانب طه الغساني (عبدالناصر قرداش).
بناءً على المعلومات التي استُخلصت من هؤلاء وغيرهم تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الإيقاع بأهم قادة داعش؛ وعلى رأسهم محمد خضر موسى رمضان (أبوبكر الغريب) أحد كوادر الإعلام والقيادي المتوحش فابيان كلان (أبوأنس الفرنسي)، ولاحقًا معتز نعمان الجبوري (حجي تيسير) عضو اللجنة المفوضة.
وفقد داعش في الأعوام الماضية اثنين من خلفائه هما أبوبكر البغدادي وأبوإبراهيم الهاشمي القريشي في ظل غموض يحيط بمصير خليفته الثالث أبوالحسن الهاشمي القريشي.
وخسر داعش بسبب الغارات الأميركية وعمليات الإنزال التي أسهمت في إنجاحها المعلومات الاستخباراتية الدقيقة كلًا من ماهر العقال وهاني الكردي، وهما من أهم قادة التنظيم الميدانيين ومن كبار قادة الفرع السوري.
تدابير سرية
تهدف خطة إعادة إنتاج نسخة ثانية لخلافة داعش إلى تجاوز الخروقات في التدابير السرية التي تبناها التنظيم خاصة بعد أن دخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في حرب معه في أواخر عام 2014.
ويحاول التنظيم من خلال تصعيد جيل جديد من القادة وبناء هيكلة جديدة التقليل من مستويات معرفة الولايات المتحدة بالتنظيم، وبالتالي تقليص قدرتها على تنفيذ غارات ناجحة ضد قادته ونشطائه.
يستغل تنظيم داعش تراجع كم المعلومات حول قادته الذين يعمد إلى إخفائهم وعدم الإعلان عن هويتهم وانخفاض وتيرة عملياته، ما يعني عددًا أقل من الوثائق التي ستقع في يد الأعداء والخصوم، علاوة على الانشغال بالغزو الروسي لأوكرانيا بهدف التركيز على بناء خلافة جديدة بهيكلية مختلفة وقادة جدد.
ولا تزال محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) تمثل عمقًا إستراتيجيًا وساحة مستهدفة لتهريب القادة الجدد لداعش وفقًا لمسار حملة “هدم الأسوار”، وهو ما ألمح إليه التقرير الأخير للأمم المتحدة الصادر في شهر سبتمبر الجاري.