مخطط إسرائيلي لمحو حدود 1967 واستبدالها بحدود 2023

من خلال ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية تسارع دولة الاحتلال اليوم لحسم واحدة من القضايا المركزية العالقة من جانب واحد وخارج إطار المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين في محاولة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
الجمعة 2023/06/30
واقع جديد تريد إسرائيل أن تفرضه على الفلسطينيين

بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي في مارس 2023 على إلغاء قانون فك الارتباط الذي سنته حكومة أرييل شارون عام 2005 والذي يقضي بإخلاء المستوطنات من قطاع غزة، وأربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية، انتقلت السلطات الإسرائيلية إلى الخطوات الفعلية لهذا الإلغاء من خلال الترخيص لعمليات البناء الاستيطاني في مستوطنة حومش، وفتحت الباب للمزيد من الإجراءات التي تؤكد بأن الضفة الغربية التي تواجه اقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية قد تواجه مخططا طويل المدى يهدف إلى ضمها وتصفية ما تبقى من اتفاق السلام في 1991 الذي ولد في الأصل ميتا.

لقد أصبح واضحا للعيان أن حكومة الاحتلال المتطرفة قد جاءت لتباشر مهمة إحياء النمط القديم من الصراع، فعندما يتكلم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من موقع شخص مسؤول بكل جرأة عن إنكار الهوية الفلسطينية ويهدد بمحو بلدة حوارة من الوجود، ثم يضع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل على المحك بوضعه صورة لخارطة تشمل حدود المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية المحتلة، هنا ندرك بأن المسألة لا تتعلق فقط بإجراءات عقابية ضد الفلسطينيين بل بإحياء الصراع على أساس ديني يغلق بشكل نهائي ملف حل الدولتين من طرف واحد، ويذهب بذلك التحدي بعيدا عندما يضرب قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، ليؤكد بأن قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الصادر في ديسمبر 2016 مجرد هراء أمام سياسة الأمر الواقع التي تغدي الصراع وتجعل من مواجهة الفلسطينيين للمشروع الإسرائيلي مسألة حياة أو موت.

من خلال خطة ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية تسارع دولة الاحتلال اليوم لحسم واحدة من القضايا المركزية العالقة من جانب واحد وخارج إطار المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين، في محاولة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب مستفيدة من غياب أيّ فرصة من شأنها أن تعود بالطرفين إلى المربع الأول من اتفاق أوسلو، وبهذا المخطط سيصبح الاتفاق بفعل المتغيرات على أرض الواقع اتفاقا لاغيا يستوجب البحث عن اتفاق جديد معدل عن النسخة الأولى، وحتى وإن بقي عالقا فمصلحة إسرائيل تكمن أساسا في الإنهاء الفعلي لأيّ فرص مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية. وفي حقيقة الأمر فإن التقسيم الذي أفضت به اتفاقيات أوسلو في المنطقة “ج” بقي معلقا ولم ينجح في قطع الطريق أمام توسيع الاستيطان، ولم يسمح للفلسطينيين ببسط سيادتهم على الأراضي الخاضعة لهم أو استصدار تصاريح بناء، بمعنى أن الاتفاق كان مفرغا من الأساس.

◙ خطة الضم ستفرز واقعا جديدا.. وستتيح للاحتلال فرصة جديدة لخداع المجتمع الدولي باستبدال مصطلح دولة فلسطينية على حدود 1967 بمصطلح دولة فلسطينية على حدود ما بعد خطة الضم

تنقسم خطة الضم والعزل الجغرافي إلى شقين: الأول سيتم فيه ضم جميع أراضي المنطقة المصنفة “ج” بالضفة الغربية الخاضعة في الجوانب الأمنية والإدارية والقانونية لدولة الاحتلال بموجب اتفاقيات أوسلو الموقعة مع السلطة الفلسطينية، ويشمل ذلك غور الأردن، مع إعطاء صبغة شرعية للمستوطنات غير القانونية المتواجدة ما بين القدس المحتلة وبيت لحم.

أما الشق الثاني فيبدأ عندما تصبح مهمة بسط السيادة الفلسطينية على تجمعات معزولة تحيط بها أراض إسرائيلية مهمة شبه مستحيلة، هنا تتجه إسرائيل إلى تنفيذ مخطط التهجير القسري، إما من خلال المضايقة وتشديد الإجراءات الأمنية على المعابر، أو من خلال إقحام هؤلاء الفلسطينيين في معارك قضائية تنتهي بخسارة تلك الأراضي لصالح المستوطنين.

خطة الضم ستفرز واقعا جديدا لا شك في أنه سيزيد من عقدة الصراع ومن استحالة الوصول إلى حل الدولتين، وستتيح للاحتلال فرصة جديدة لخداع المجتمع الدولي باستبدال مصطلح دولة فلسطينية على حدود 1967 بمصطلح دولة فلسطينية على حدود ما بعد خطة الضم، والتي أطلقت سنة 2020 بالتزامن مع “صفقة القرن” لمهندسها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وبدأ تطبيقها فعليا في سنة 2023.

أمام هذا الواقع الجديد الذي تريد إسرائيل أن تفرضه على الفلسطينيين، وأمام الصمت العربي الذي يكتفي باستصدار بيانات إلكترونية منسوخة عن بيانات سابقة مليئة بالشجب والإدانة وفارغة من المحتوى والفاعلية، سيجد الفلسطينيون أنفسهم وحيدين وسط معركة وجودية الخسارة فيها تعني نهاية فلسطين وهو ما يعني أن إسرائيل مقبلة على المزيد من المتاعب الأمنية التي قد تصل إلى ميلاد انتفاضة جديدة ليس بإمكان أيّ هدنة أو وساطة أن توقفها.

9