محمود عباس.. حماس أخذت منه غزة والمستوطنون انتزعوا منه مناطق بالضفة الغربية

القدس - وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى السلطة قبل نحو عشرين عاما لم يحقق خلالها شيئا، بل على العكس، حيث فقد السيطرة على غزة في البداية بعد سيطرة حركة حماس خصمه السياسي عليها، في حين يواصل المستوطنون الإسرائيليون اقتطاع مناطق من الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرته.
وأمضى محمود عباس معظم حياته قبل أن يصبح رئيسا لفلسطين في ظل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي كان لوقت طويل واجهة للقضية الفلسطينية، لكنه لم يحقق المكانة نفسها كما لم يُقّرب شعبه من إقامة الدولة.
حلم صعب المنال
عباس أفرغ المؤسّسات والآليات الفلسطينية من مهامها فيما هي مخولة اتخاذ قرار بشأن من سيخلفه لذا أصبح من غير الواضح من سيخلفه وبأي طريقة سيتم ذلك
وشهد دور عباس (87 عاما)، المقيم في مدينة رام الله بالضفة الغربية، مزيدا من التراجع مع صعود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2006، وبتوسع المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وزاره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء بعدما كرر دعم واشنطن لحل إقامة دولتين. لكن عباس قال في وقت سابق إن الحكومات الغربية قللت بشكل فعال من شأن ذلك الهدف من خلال التقاعس عن الاعتراف بفلسطين كدولة وإخفاقها في محاسبة إسرائيل.
ويبدو ذلك الآن أملا صعب المنال مع تزايد إراقة الدماء في الضفة الغربية على مدى العام الماضي وفي ظل حملة الحكومة الإسرائيلية الجديدة للتوسع في الاستيطان بالضفة الغربية وتكرار سقوط صواريخ المسلحين والهجمات الجوية الإسرائيلية على غزة.
وقال عباس خلال زيارة بلينكن “إن ما يحدث اليوم تتحمل مسؤوليته الحكومة الإسرائيلية بسبب ممارساتها التي تقوض حل الدولتين وتخالف الاتفاقيات الموقعة”، وهو اتهام عادة ما يوجهه الرئيس الفلسطيني وتنفيه إسرائيل.
وينتمي عباس إلى الجيل الأول من المُهجّرين الفلسطينيين، إذ وُلِد بعد ترسيم الدول الاستعمارية للحدود الجديدة للشرق الأوسط، وعمره كبير بما يكفي ليتذكر الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى عام 1948 حينما فرّ نصف عرب فلسطين الذين كان عددهم يقدر بنحو 1.4 مليون نسمة، ومن بينهم عباس نفسه، من أرضهم أو طُردوا منها ليشرعوا في حياة جديدة كلاجئين.
وكان من أوائل أعضاء حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وهي فصيل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن على السياسات الفلسطينية منذ عقود. وأصبح قائدا لفتح والمنظمة بعد وفاة عرفات عام 2004، وانتُخب بعد عام رئيسا للسلطة الفلسطينية التي تتمتع بسيادة محدودة في الضفة الغربية.
وكانت ذروة مسيرته المهنية في حفل بالبيت الأبيض عام 1993 عندما وقع هو وشمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي اتفاقيات أوسلو التي أتاحت إمكانية وجود حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل.
وكان خلفهما الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وعرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين يصفقون بحرارة.
وزاد تأييد عباس، الذي يرتدي بدلة وربطة عنق على عكس عرفات بكوفيته وزيه النضالي المموه، للحوار حول العنف وتأديته دور المفاوض لوقت طويل من آمال التفاوض على تسوية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
عزلة متنامية
لكن بعد وفاة عرفات، وبعد أكثر من ربع قرن من توقيع اتفاقيات أوسلو، تتعثر عملية السلام، وهوت العلاقات مع واشنطن إلى أدنى مستوى. ويتهم منتقدون المحيطين بعباس بالفساد والمحسوبية وانعدام الكفاءة.
وخرجت احتجاجات خلال السنتين الماضيتين ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية وتوسع الفساد، وطالب المحتجون برحيل عباس.
قلّ ظهور عباس أكثر فأكثر في السنوات اللاحقة، وزاد تكرار نقله إلى المستشفيات من المخاوف بشأن قدرته على قيادة الحكومة الفلسطينية في ظل الاضطرابات السياسية.
وجاءت إحدى مرات ظهوره علنا عام 2018 بنتائج عكسية عندما اتُهم، ولم تكن أول مرة، بمعاداة السامية وإنكار محرقة اليهود في كلمة ألقاها. واضطر للاعتذار بعد استنكار دولي لتصريحاته.
عباس ينتمي إلى الجيل الأول من المُهجّرين الفلسطينيين إذ وُلِد بعد ترسيم الدول الاستعمارية للحدود الجديدة للشرق الأوسط، وعمره كبير بما يكفي ليتذكر الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى عام 1948
وولد عباس عام 1935 في صفد، وهي بلدة تقع في ما كانت وقتها فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني وتقع الآن في شمال إسرائيل. وفرّ إلى سوريا عندما كان طفلا وسط الصراع المرتبط بقيام دولة إسرائيل ثم سافر بعد ذلك للعمل في قطر حيث انضم إلى فلسطينيين آخرين بينهم عرفات في حركة فتح.
وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967 التي استمرت ستة أيام، سيطرت فتح بزعامة عرفات على منظمة التحرير الفلسطينية وبدأت حملة مسلحة ضد إسرائيل استمرت عقودا، وانتقل قادة الحركة من الأردن إلى لبنان ثم لاحقا إلى تونس.
وعندما عادت القيادة الفلسطينية من المنفى إلى غزة بعد اتفاقات أوسلو، كان عباس متفائلا ووعد بأن يعيش في “فلسطين” لكن محادثات السلام تعثرت في السنوات التالية. وفاز عباس في الانتخابات الرئاسية عام 2005 لكن حركة فتح التي يتزعمها هُزمت في الانتخابات البرلمانية عام 2006. ودحرت حماس حركة فتح في حرب أهلية بغزة لتترك عباس يسيطر على المناطق التي يديرها الفلسطينيون في الضفة الغربية، ولم تجر انتخابات فلسطينية منذ ذلك الحين.
وسعيا لاستعادة المبادرة، تحرك عباس من جانب واحد في مسعى لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة. وفي عام 2012 فازت فلسطين بوضع “دولة غير عضو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكن هدف إعلان الدولة ظل صعب المنال.
ولم يكن لعباس نفوذ يُذكر على الرؤساء الأميركيين المتعاقبين الذين يُعتبر دورهم حيويا في دبلوماسية الشرق الأوسط، وبدا أكثر عزلة من أي وقت مضى مع توقيع حلفاء إقليميين مثل الإمارات والبحرين والمغرب اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل.
من يخلف عباس
وتأتي التطورات في الضفة الغربية بالتزامن مع تصاعد حدة التنافس داخل معسكر السلطة الفلسطينية لخلافة محمود عباس.
وحذّر تقرير دولي الأربعاء من أنّ معركة خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ 87 عاما قد تتسبّب بـ”احتجاجات شعبية وقمع وعنف، وربّما انهيار السلطة الفلسطينية”.
وتسري في الشارع الفلسطيني تكهّنات حول هوية خلف عباس الذي ترأس السلطة الفلسطينية في 2005 لولاية كان يفترض أن تنتهي في 2009.
ورأى التقرير أنّ إجراء “انتخابات وفق أسس قانونية” يعتبر أفضل سيناريو، لكن يبقى هذا الاحتمال “الأقلّ ترجيحاً”.
وأشار التقرير إلى أنّ عباس “أفرغ المؤسّسات والآليات الفلسطينية من مهامها فيما هي مخولة اتخاذ قرار بشأن من سيخلفه”، لذا أصبح “من غير الواضح من سيخلفه وبأي طريقة سيتم ذلك”.
وبعدما أعلن عن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في 2021، عاد عباس عن هذا القرار مبرّراً ذلك برفض إسرائيل السماح بإجرائها في القدس الشرقية التي تحتلها منذ العام 1967 ويعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية.
وعزا محللون خطوة عباس إلى خشيته من تراجع شعبية حركة فتح التي يتزعّمها وتصدّر حركة حماس التي تحكم قطاع غزة.
ويخيّم التوتر على العلاقة بين الحركتين وفشلت كل محاولات المصالحة بينهما خلال السنوات الماضية.
وأورد التقرير اسمي مسؤولين فلسطينيين مرشحين محتملين لخلافة عباس هما وزير الشؤون المدنية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ ورئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج.
ورغم تمتّع الرجلين بثقل كبير في السلطة الفلسطينية وقدرتهما على العمل مع المجتمع الدولي، إلا أنّ التقرير أشار إلى عدم تمتّعهما بشعبية كافية في صفوف الفلسطينيين.
وذكر التقرير أيضاً كلّا من رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجّوب ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق محمد دحلان الذي انتقل للإقامة في الإمارات منذ خلافه مع عبّاس، ورئيس الوزراء محمد اشتية.
ورأى التقرير أنّ لكلّ “من هؤلاء شبكة علاقات خاصة” ومع ذلك رأى أنّ أيا منهم لا “يستطيع العمل بمفرده”.