محمود عباس.. الرئيس الفلسطيني الأخير؟

محمد دحلان وتوفيق الطيراوي حليفان. يمكنهما منع حسين الشيخ من الفوز بالرئاسة بالقوة إذا لزم الأمر وشكلا جبهة موحدة ضده.
السبت 2023/08/19
معركة من يخلف عباس

نشرت فورين بوليسي المجلة الإخبارية الإلكترونية الرصينة، الشهر الماضي، لمحة عن الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ البالغ من العمر 62 عاما. ورأت أن لديه فرصة “ليصبح زعيم السلطة الفلسطينية القادم” مع احتدام المعركة الداخلية لخلافة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس البالغ من العمر 87 عاما.

ولكن فورين بوليسي اعتمدت المعايير الغربية في تحليلها بدلا من تقييم شعبية الشيخ بين الفلسطينيين، وخاصة في قطاع الأمن، حيث سلّطت الضوء على مزاعم الفساد والمضايقات التي تعرض لها النساء في محيطه المهني.

وبينما يجب أن يكون استئصال جذور الفساد والمضايقات على رأس أولويات أيّ حكومة، يهدد الواقع الفلسطيني وجود الحكومة نفسها. ولا معنى لمناقشة السياسات دون الحكومة، بل إن ذلك يتسبب في تشتيت الانتباه عن القضية الأكثر إلحاحا والمتمثلة في حرب أهلية فلسطينية محتملة في حقبة ما بعد عباس.

قد يتصور البعض أن تراقب إسرائيل بفرح الصدام بين المتصارعين على خلافة عباس. لكن الحرب الأهلية تحمل مخاطر كبيرة لإسرائيل والمنطقة ككل، وتزيد من فرص سيطرة الإسلاميين على الضفة الغربية

وقد يكون الشيخ هو الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية الآن، لكن هذا لا يحسم قدرته على الصمود في وجه التحديات الحتمية التي ستواجهه في خلافته للزعيم الحالي.

كان الشيخ ناشطا شابا عندما قبع في السجن الإسرائيلي، حيث أتقن العبرية. وسمح له ذلك بلعب دور فعال في التنسيق بين السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية على المستوى الأمني. وامتطى بهذا سلّم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. وعيّنه عباس في ربيع 2022 أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما جعله خلَفه على هرم السلطة.

لكن الصعود السريع للشيخ لا يعني أنه كان يحظى بشعبية لدى الجمهور. وفقد الشيخ، في طريقه إلى القمة، شقيقه في تبادل إطلاق نار على الطريق في رام الله سنة 2020. وحُكم بعد ذلك بعامين على القاتلين بالسجن 15 عاما واتضح أنهما من أفراد الأمن، مما أثار تكهنات بأن الحادث كان رسالة من منافسي الشيخ.

وإذا كان الشيخ يريد أن يصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية، فسيتعين عليه، على الأرجح، مواجهة تحديات من المتنافسين الأقوى والأكثر شعبية. ومن منافسيه شخصيات غير إسلامية تعاونت بشكل جيد مع السلطات الغربية والإسرائيلية. وفي حين يجب أن يتكتل هؤلاء الرجال لإصلاح السلطة الفلسطينية وقمع المسلحين والإسلاميين العنيفين، من غير المتوقع أن يقبل أيّ منهم بأقل من منصب رئيس السلطة الفلسطينية بشكل لا خلاف عليه.

ويُذكر من بين المتنافسين على المنصب محمد دحلان، البالغ من العمر 61 عاما، وهو مسؤول سابق في فتح ورئيس أمن السلطة الفلسطينية، وقد طرده عباس من فتح في 2011. وعلى الرغم من أن الدراسات الاستقصائية الأخيرة تظهر تمتع دحلان بشعبية تعادل ضعف شعبية الشيخ نفسه، إلا أنه كان يحتل دائما المرتبة الثالثة بين المرشحين. وكان من المتوقع أن يفوز بحوالي 7 في المئة من الأصوات في أبريل 2021 قبل إلغاء عباس الانتخابات.

ومن المنافسين الآخرين توفيق الطيراوي البالغ من العمر 74 عاما، وهو رئيس استخبارات سابق آخر في السلطة الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح. وجدّت خلافات بينه وبين عباس وفقد معظم مناصبه الرسمية. لكنه لا يزال يحظى بتأييد قويّ بين أفراد الأمن ومن داخل العشائر المسلحة في الضفة الغربية رغم تهميشه.

ويُعتقد أن دحلان والطيراوي حليفان. ويمكنهما منع الشيخ من الفوز بالرئاسة بالقوة إذا لزم الأمر وشكلا جبهة موحدة ضده.

يُعتقد أن دحلان والطيراوي حليفان. ويمكنهما منع الشيخ من الفوز بالرئاسة بالقوة إذا لزم الأمر وشكلا جبهة موحدة ضده

ويعدّ جبريل الرجوب البالغ من العمر 70 عاما المنافس الثالث، وهو مسؤول أمني سابق وعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح مثله مثل الطيراوي. ويحظى بتأييد عباس، وتجمعه بالتالي علاقة أفضل مع الشيخ من دحلان أو الطيراوي.

ولا يحظى الرجوب بشعبية بين الجمهور مثل الشيخ. وقاد جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية حتى 2002، عند الإطاحة به لاستخدامه القوة لسحق المعارضة السياسية ومضايقة أفرادها. لكنه يحظى بولاء بضعة آلاف من المسلحين، مما يصعّب على الشيخ مهمة تولي المنصب الأعلى للسلطة الفلسطينية.

ويمكن أن تحاول الفصائل الفلسطينية المسلحة (مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) انتزاع الأرض من أيدي رجال السلطة الفلسطينية المتحاربين عندما يموت عباس. وإذا تمكنت حماس أو حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أو كلاهما من تهجير السلطة الفلسطينية، فيمكن أن تصبح الضفة الغربية قطاع غزة آخر. لكن الضفة الغربية تبقى جغرافيا أكثر ارتفاعا من غزة، مما يمنح حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وراعيتهما طهران في نهاية المطاف، إطلالة أفضل على إسرائيل ومواقعها الإستراتيجية والحساسة.

وقد يتصور البعض أن تراقب إسرائيل بفرح الصدام بين المتصارعين على خلافة عباس. لكن الحرب الأهلية تحمل مخاطر كبيرة لإسرائيل والمنطقة ككل، وتزيد من فرص سيطرة الإسلاميين على الضفة الغربية. وإذا حدث ذلك، فقد تجد إسرائيل نفسها مرة أخرى في أيام ما قبل أوسلو، وتعلّق الحكم الذاتي الفلسطيني حتى يتمكن الفلسطينيون من إنشاء سلطة يمكنها إدارة شؤونهم دون تهديد أمن إسرائيل.

وكما أشار الطيراوي في 2022، سيعقّد الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين انتقال السلطة بعد رحيل الرئيس الحالي. وقال إن “عباس سيكون آخر رئيس للسلطة الفلسطينية”. وهذه هي الرواية الفعلية التي يجب أن تركز عليها قصص الغرب الواشنطنية.

8