محمد إبراهيم: الغرب لا يريد للأفارقة تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي لديهم

لندن - يحتل محمد إبراهيم المعروف بـ ”مو إبراهيم“ المركز الخامس عشر على مستوى العالم العربي بثروة تقدر بـ 2.1 مليار دولار.
تفوق إبراهيم على كل من سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، ورجل الأعمال السعودي المعروف الراجحي، إلا أن الخبر ليس في كون وجوده ضمن قائمة أثرياء العالم العربي، في سابقة تعتبر الأولى من نوعها باعتباره سوداني، ولا لأن قائمة “فوربس” للمليارديرات عن العام 2011 أعلنت أن صافي ثروته بلغ 8 .1 مليار دولار، ما يضعه في التصنيف 692 عالمياً، كذلك ليس لأن مجلة “تايم” ضمته لقائمتها لأقوى 100 شخصية في العالم في العام 2008، بل لأن إبراهيم شنّ حملة هذه الأيام على الغرب متهماً إياه بالنفاق.
يرى الملياردير الغاضب أن الغرب، وعلى الرغم من أزمة الطاقة التي يمرّ بها العالم اليوم بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أنه يسعى وراء غاز أفريقيا دون أن يتيح للأفارقة تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي لديهم.
وفي حديثه في مؤتمر “رويترز إمباكت“ للمناخ في لندن، انتقد إبراهيم الذي جمع ثروته من قطاع الاتصالات في أفريقيا، سكان ”شمال العالم“ الذين يقومون بإملاء وفرض أساليبهم على الدول الأفريقية لكيفية استخدام احتياطيات القارة السوداء الهائلة من الغاز الطبيعي بها وسط مخاوف بشأن تغير المناخ.
يقول إبراهيم إن نحو 600 مليون أفريقي، أي نحو 43 بالمئة من سكان القارة، يعيشون دون كهرباء. وكان المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري قد حذّر خلال مؤتمر لوزراء البيئة الأفارقة في دكار بالسنغال الشهر الماضي، من الاستثمار في مشروعات الغاز طويلة الأمد في أفريقيا.
تطوير مشروع ياكار تيرانغا يمكن السنغال من إنتاج 15 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سوف تقوم برفع معدلات توليد الكهرباء في عموم البلاد بحلول عام 2025
وقال كيري إن مثل هذه التحركات قد تهدّد تحقيق هدف خفض الانبعاثات الصافية إلى صفر بحلول عام 2050، وهوما جاء متسقاً مع تصريحات سابقة لوكالة الطاقة الدولية خلال العام الماضي، على الرغم من تقديرات لمؤسسات عامة وخاصة تشير إلى أن شركات الطاقة تبحث ضخ 100 مليار دولار في استثمارات جديدة في الطاقة في القارة الأفريقية.
تصريحات إبراهيم المولود في العام 1946 أثار ت جدلاً واسعاً، فرجل الأعمال البريطاني الذي ولد في السودان ونشأ فى مصر وتعلم فيها لا ينطلق من مجرّد رأي شخصية اقتصادية في عالم الأعمال، بل هو أيضاً خبير في ما يتحدث عنه، عرف عنه تفوقه في تحصيله العلمي، وهو الذي درس المرحلتين الابتدائية والاعدادية فى مدرسة النهضة النوبية الابتدائية، ثم المرحلة الثانوية فى مدرسة رأس التين الثانوية، وكان الأول على مستوى الشهادة الإعدادية والسادس فى الثانوية العامة.
وبعد أن قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتكريم إبراهيم لنبوغه، واصل دراسة الهندسة الالكترونية بجامعة الاسكندرية، ثم حصل على الماجستير فى العلوم من جامعة برادفورد فى بريطانيا، والدكتوراه من جامعة برمنغهام.
بدأ حياته المهنية محاضراً وباحثاً في الجامعة فى المجال الذى مهد للحقل الذي سيستقر عليه مستقبله، وسرعان ما التحق بشركة تليكوم البريطانية مديراً فنياً، وصمّم أول نظام فى بريطانيا للهاتف المحمول.
من موقع مهندس الاتصالات المحمولة، انطلق إبراهيم نحو عالم التجارة، فأسس عام 1989 شركة “إم إس آي” للاستشارات والبرمجيات، والتي استحوذت عليها في العام 2000 “ماركوني كومباني“، ثم أسس شركة ”سلتيل“ التي افتتحت فروعها في أكثر من 15 دولة أفريقية، بقيمة استثمارات تصل إلى 750 مليون دولار، وقد نمت ”سلتيل“ بسرعة ليبلغ عدد المشتركين فيها 24 مليون مستخدم.
منظمة مو إبراهيم
من البداية كان توجه إبراهيم يميل نحو دعم القارة الإفريقية تنموياً وليس فقط في قطاع الاتصالات، فقام بعد بيع شركته “سيلتيل” في العام 2005 مقابل 4 .3 مليار دولار، بتأسيس منظمة غير ربحية الهدف منها تعزيز الحُكم النزيه والإدارة الرشيدة في بلدان إفريقيا، وتقدم منظمة ”مو إبراهيم“ جائزة سنوية قيمتها خمسة ملايين دولار تمنح لأفضل رئيس أفريقي برهن على كفاءته في إدارة بلاده.
وقد فاز بأول نسخة من الجائزة الرئيس السابق لموزمبيق جواكييم شيسانو، ورئيس بوتسوانا السابق فيستوس موجايو وكان رئيس جنوب افريقيا السابق نيلسون مانديلا قد نال الجائزة بشكل فخري في عام 2007. وينص نظام الجائزة أن يحصل الفائز على المبلغ المعلن عنه على مدى عشر سنوات، ثم يتسلّم 200 ألف دولار سنوياً مدى الحياة علاوة على 200 ألف دولار محتملة أخرى سنويا لمدة عشر سنوات عن “قضايا الخير” التي يدعمها.
ومن مفارقات إبراهيم قدرته على التعبير عن غضبه ليس فقط وجه الغرب، كما فعل مؤخراً، ولكن أيضاً ضد المتقاعسين من القادة الأفارقة عن أداء واجبهم بتنميات بلدانهم، فقد قام منظمته بحجب الجائزة عن أي حاكم أفريقي في بعض الأعوام ولم ترشّح لها أي زعيم سياسي. ويقول إبراهيم عن فكرته إنها تعود إلى ماضيه البعيد، ويضيف مبيناً ”أهلي النوبيون علمونى أن الكفن ليس له جيوب، كما علمونا ألا ينام المرء وجاره جوعان، وقد أردت أن أفعل شيئا يجنى ثماره كل الناس فى قارتنا“.
المؤسسة تقدّم أيضاً عددا من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة فى جامعات مختلفة ببريطانيا، ومنحا دراسية أخرى فى الجامعة الأميركية لطلاب مصريين وسودانيين من أبناء النوبة.
تنمية أفريقيا
هدف إبراهيم من كل ذلك تشجيع النهوض بواقع القارة الأفريقية وشعوبها، وتعزيز سياسة اتباع النظم والقوانين فيها، ولهذا أنشأ مؤشر “مو إبراهيم” لتقييم أداء الدول، وهو عضو في المجلس الاستشاري الإقليمي لإفريقيا في مدرسة لندن للأعمال، وتم منحه في العام 2007 درجة الدكتوراه الفخرية في الاقتصاد من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن، قبل أن ينال شهادة الدكتوراه الفخرية أيضاً في القانون من جامعة ولاية بنسلفانيا.
يقول الأفارقة إنهم يدينون بالفضل في تأسيس صناعة المحمول في قارتهم لإبراهيم، الذي بلغ عدد المشتركين في شبكته بعد توسّع أعمالها نحو 76.8 مليون مشترك. وكانت الشركة الأم تضم 17 شركة فرعية تابعة لها، بعدد موظفين بلغ حوالي 800 موظف يملكون 30 بالمئة من أسهمها.
ومنح ميدالية ”أيزنهاور“ نظير قيادته وخدماته المتميزة، والعديد من الجوائز والتكريمات لدوره البارز في إعمار أفريقيا.
يقول إبراهيم “الآن، بسبب الحرب، يركضون إلى أفريقيا ويقولون: هل يمكننا الحصول على مزيد من الغاز؟ غير مسموح لنا باستخدام غازنا. لكن نصف غازنا يُرسل إلى أوروبا”. ويضيف “ينبغي ألا يستمر هذا الغباء”. ويستنكر رفض الغرب توسيع استثمارات الطاقة في قارته بالقول “لكن أن نستخدم نحن غازنا؟ لا، لا لا”.
والدول الأفريقية ذات الإنتاج الضئيل أو المنعدم من النفط والغاز قد تشهد استثمارات بمليارات الدولارات في الطاقة في السنوات المقبلة، بما في ذلك ناميبيا وجنوب أفريقيا وأوغندا وكينيا وموزامبيق وتنزانيا. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن احتياطيات الغاز في أفريقيا يمكن أن تحل محل نحو خمس الإمدادات الروسية إلى أوروبا بحلول عام 2030.
كنوز أفريقيا
احتياطيات الغاز الطبيعي في غرب أفريقيا، كان يجري تجاهلها لعقود طويلة من الزمن، وبرزت الحاجة إليها اليوم لتعويض الإمدادات الروسية، وأسهم عدم احتياج الغرب لها بإهمالها وعدم تطوير تقنيات التنقيب عنها، لكن في هذا الوقت باتت أعين الأوروبيين منصبة على حقول الغاز في دول مثل السنغال وموريتانيا ونيجيريا.
ويطالب إبراهيم بتأسيس شراكات تخدم مصلحة الطرفين، الأفرقي والأوروبي، فدول غرب أفريقيا تمتلك حتى الآن 6 مشروعات للغاز الطبيعي المسال تُسهِم في تلبية الاحتياجات الأوروبية من الطاقة على المدى القصير.
من بين تلك المشاريع مشروع تورتو أحميم الذي يستهدف 15 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الممتدة عبر الحدود بين السنغال وموريتانيا، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاجه في أواخر عام 2023 بعد أن تأخر بسبب وباء كورونا.
وتمتلك شركة الطاقة البريطانية ”بي بي” 60 بالمئة من أسهم المشروع، بينما تؤول 30 ل بالمئة من أسهمه لكوزموس إنرجي الأميركية، في حين تمتلك شركة النفط الوطنية السنغالية بيتروسين، وإس إم إتش بي إم 10 بالمئة فقط.
المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري يحذّر من الاستثمار في مشروعات الغاز طويلة الأمد في أفريقيا بذريعة تأثيرها على المناخ
وهناك مشروع ياكار تيرانغا في السنغال الذي من المخطط أن ينتج 20 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال. كذلك تمتلك شركة بي بي البريطانية 60 بالمئة من الكتلة التي اكتُشِفَ حقل الغاز بها، ومن المقرر أن يُتَّخَذ القرار النهائي بشأن تطوير الحقل قبل نهاية عام 2022.
من نتائج تطوير هذا المشروع إنتاج 15 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سوف تقوم برفع معدلات توليد الكهرباء في عموم السنغال بحلول عام 2025. إضافة إلى بناء منشآت التصدير ومحطات محلية لمعالجة البتروكيماويات.
وهناك حقل بير الله الموريتاني الذي صُنِّفَ كثالث أكبر اكتشاف الغاز الطبيعي في غرب أفريقيا، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج التجاري في عام 2028، وأن يصل إلى ذروته في عام 2030، بإنتاج 31.642 برميلًا يوميًا من النفط الخام والمكثفات، و277 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي، و1.304 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال.
إضافة إلى حقل باندا الذي اتفقت الحكومة المورتيانة على تطويره مع شركة نيو فورتريس إنرجي الأميركية، لتلبية احتياجات السوق المحلية من الكهرباء، من خلال تزويد محطة الطاقة المزدوجة بقدرة 180 ميغاواط بالغاز وإنشاء محطة جديدة لإنتاج الكهرباء ذات دورة مركبة بقدرة 120 ميغاواط.
حقل باندا يضم نحو 1.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ويقع على الساحل الموريتاني على بُعد 60 كيلومترًا من نواكشوط، ويمكن أن يساعد موريتانيا على إنتاج أحد أرخص أنواع الكهرباء في القارّة، والاستفادة منه في السوق المحلية والإقليمية.