محسن النابتي: إخوان تونس دمروا مقومات الدولة الوطنية

تونس - تُجمع مختلف القوى السياسية والاجتماعية في تونس على أن المشهد السياسي في البلاد يتدحرج بسرعة نحو أزمة حادة تفتح الباب على مرحلة خطيرة قد تُنتج معادلات جديدة من شأنها نسف التوازنات الحزبية والتحالفات السياسية التي تشكلت في أعقاب انتخابات أكتوبر 2019.
ويُرجح أن تستفحل هذه الأزمة بسبب مناورات حركة النهضة الإسلامية، وإمعانها في سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير في ما يتعلق بإدارة الخلاف تحت قبة البرلمان برئاسة راشد الغنوشي واستمرارها في ابتزاز حكومة هشام المشيشي، إلى جانب مواصلته استفزاز الرئيس قيس سعيّد عبر أدواتها الوظيفية، وخاصة منها “ائتلاف الكرامة” المثير للجدل.
وأمام هذا الوضع الذي عمّقته الاحتجاجات الاجتماعية المُتفجرة في غالبية محافظات البلاد، التي تدفع بسيناريوهات مُقلقة، بحكم اقترابها من دائرة الفوضى، تعالت الأصوات المطالبة بضرورة التحرك لوقف هذا التدهور، كما تتالت المبادرات الداعية إلى حوار وطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفي سياق هذه الأصوات، وجهت 150 شخصية نداء لتنظيم حوار وطني بلا إقصاء ولا شروط مسبقة تشارك فيه الأحزاب والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني للبحث جماعيا عن حلول استعجالية لإنقاذ البلاد من أزمتها المعقدة وفسح المجال أمام إصلاحات وصفتها بالضرورية، معتبرة أنها شرط ضروري لإيقاف النزيف والانطلاق نحو التعافي والتنمية.
وقبل ذلك، تقدم الاتحاد العام التونسي للشغل بمبادرة إلى الرئيس قيس سعيد، تتعلق بتنظيم حوار وطني تفاعلت معها غالبية القوى السياسية في البلاد، باعتبار أن الوضع لم يعد يحتمل الانتظار أمام تسارع الأحداث في اتجاه خطير وينزلق بقوة نحو العنف.
ودخل حزب التيار الشعبي على خط الأزمة وقدم مبادرة لـ”الخلاص الوطني الناجح والناجع” حسب تقديره، تنطلق من تشخيص لطبيعة الأزمة التي تعيشها البلاد، وسبل الخروج منها، حيث قال محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي لـ”العرب”، إن “هذه المبادرة أملتها الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد التي بلغت ذروتها”.
واعتبر النابتي أن هذه الأزمة ترافقت من تفاقم الحركة الاحتجاجية “لتعمّ أغلب الجهات والقطاعات حيث كان فيها الشعب التونسي مرة أخرى أكثر ثورية وتقدمية من أحزابه ومنظماته ونخبه التي لا تزال تجترّ شعارات زائفة عن انتقال ديمقراطي فشل من يوم أن استولى تنظيم الإخوان المسلمين بتواطئه مع شبكات مصالح المافيا في الداخل وقوى الهيمنة الخارجية، على مقاليد البلاد”.
ولفت إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية برئاسة الغنوشي، تمكن بتحالفه مع تلك الشبكات من إرساء نظام دمر كل مقومات الدولة الوطنية، وفاقم من هيمنة القوى الأجنبية التي باتت المُحدد الرئيسي في نتائج الانتخابات واختيار من يحكم تونس سياسيا.

التيار الشعبي قدم مبادرة أملتها الأزمات السياسية والاقتصادية، والاحتجاجات خيار حتمي للرد على الفساد والعمالة
وتابع في حديثه لـ”العرب”، أنه أمام هذا الوضع، فإن “الاحتجاجات هي خيار الشعب الحتمي، وهي الرد الشعبي المشروع على نظام الجور والفساد والعمالة الذي بلغ ذروته بعد انتخابات 2019 والتي كانت نتائجها بمثابة الانقلاب النهائي وبالصندوق على الشرعية والمشروعية من خلال المال الفاسد والإعلام الموجه والتدخل الخارجي”.
ووصف القيادي في التيار الشعبي الحركة الاحتجاجية المتفاقمة بأنها “تُشكل فرصة لانتفاضة شاملة للخلاص الوطني الناجح والناجع متى وضعنا جميعا نصب أعيننا مصلحة بلادنا وتخلصنا من وهم الرهان على المنظومة الحالية وحلولها الترقيعية والجزئية التي زادت الطين بلة، حيث باتت وحدة البلاد في خطر كبير”.
وأشار في سياق التصدي لهذا الوضع، إلى أن حزبه التيار الشعبي، له رؤية متكاملة للخلاص الوطني الناجح والناجع، تقوم على أن الحل “لن يكون إلا من جنس المشكلة، وذلك عبر تغيير عميق في الواقع السياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي، يُسقط الخيارات الفاشلة والمنظومات السياسية القائمة عليها”.
وتستند هذه الرؤية على عدة عناوين منها “تطوير الحراك الاحتجاجي الجهوي والقطاعي المطلبي المشروع إلى حراك شعبي شامل من شمال البلاد إلى جنوبها يهدف إلى الحسم مع المنظومة الحالية وخياراتها التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة من الإفلاس والوصاية”.
كما ترتكز على “العمل من أجل بلورة حوار شعبي حر ومفتوح الخيارات الوطنية السيادية الضرورية والمطلوبة العاجلة والاستراتيجية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويُفضي إلى حل البرلمان الحالي وتشكيل حكومة انتقالية تقوم على تنفيذ إصلاحات عاجلة وإعداد البلاد لتحول استراتيجي عميق يضعها على طريق الاستقرار والتطور”.
وتركز هذه الرؤية كذلك على اعتبار النظام السياسي “قضية أمن قومي جراء العجز الذي أضحى عليه والأزمات التي أفرزها، والتنصل المستمر من مسؤولية الحكم، ما يستدعي ضرورة تعديل النظام السياسي باتجاه توحيد السلطة التنفيذية ومراجعة علاقتها بالسلطة التشريعية واستكمال بقية المؤسسات الدستورية”.
ودعا النابتي في حديثه لـ”العرب”، إلى الحذر من الدعوات الصادرة هنا وهناك للحفاظ على الاستقرار السياسي، قائلا “يتعين ألا تُربككم مسألة ما يسمونه الاستقرار السياسي الذي هو في الأصل استقرارهم، للبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم للمزيد من النهب والتفقير”، وذلك في إشارة إلى منظومة الحكم الحالية التي تُهيمن عليها حركة النهضة الإسلامية.