محبو الطبيعة في لبنان يحوّلون البوم إلى رمز للتفاؤل

يعمل محبو الطبيعة في لبنان على إنقاذ طيور البوم من القتل الجائر أو الصيد العشوائي أو الاحتجاز ويشددون على أهميتها في تحقيق التوازن البيئي، كما يسعون إلى تغيير الأفكار المسبقة والمغلوطة التي تربط البومة بالنحس والتشاؤم، حتى تكون في ظل الأزمات اللبنانية رمزا للأمل والتفاؤل.
بيروت – لم تمنع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان محبي البيئة من استمرار سعيهم للحفاظ على الكائنات البرية، لاسيما طيور البوم، في ظل تناقص أعدادها على مرّ السنين، نتيجة الصيد العشوائي والمتاجرة بها بشكل غير قانوني.
وتحوّلت البومة بسبب الأساطير الشعبية المتوارثة من جيل إلى آخر، إلى نذير شؤم تجلب النحس وسوء الطالع في نظر الكثيرين، وذلك لأنها تسكن في الخرابات والغابات ولا تشاهد إلا ليلا وغالبا ما تصدر صياحا عاليا حزينا ومخيفا. الأمر الذي جعلها تتعرض للقتل الجائر من جهة، ويُتاجر بها بطريقة غير قانونية من جهة أخرى، من خلال بيعها محتجزة داخل الأقفاص.
ويحظر قانون الصيد البري في لبنان اصطياد طيور البوم وحجزها والاتجار فيها، على غرار الطيور الجارحة الأخرى. ولا تدخل طيور البوم ضمن الطرائد المسموح بصيدها، لكن القانون لا يُطبق في الكثير من الأحيان بسبب غياب الرقابة.
ونتيجة لذلك، تناقصت أعداد البوم بشكل كبير في البرية اللبنانية، لكن “الجنوبيون الخضر”، وهي جمعية بيئية غير حكومية، قررت وضع حدّ لتلك “الانتهاكات”، من خلال حملات التوعية من جهة، وإنقاذ الطيور المصابة أو المحتجزة من جهة أخرى.
كما تسعى الجمعية اللبنانية بسبب ارتباط ظهور البوم بالتشاؤم وسوء الطالع إلى رفع الحرج عن هذا الطائر، الذي لا تخلو بعض أنواعه من الجمال.
وقالت المهندسة الزراعية كاميليا جفّال من جمعية “الجنوبيون الخضر”، إنه بفضل حملات التوعية، “تحول هذا الطائر من نذير شؤم كما كان يُنظر إليه شعبيا إلى طائر محبب، ومصدر تفاؤل وأمل بالنسبة إلى الكثيرين، خصوصا في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان”.
وهذا ما يعيد لطائر البوم بعض الاعتبار، بوصفه ارتبط عند قدماء الإغريق والفراعنة بأنه رمز للحكمة والفلسفة والقوة والسلطة والثروة.
وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى أعمال الإنقاذ والتأهيل، يعمل “الجنوبيون الخضر” على توعية المجتمع بأهمية هذه الطيور في الحفاظ على التوازن البيئي. وهكذا أصبحت هذه الطيور مرحبا بها في العديد من المناطق اللبنانية.
وتؤكد الجمعية على أهمية طائر البوم في توازن النظم البيئية وصحة الأرياف والأراضي الزراعية من تزايد القوارض والحشرات الضارة، وضرورة حماية هذه الطيور من الصيد الجائر والاتجار غير المشروع بها.
والبوم طائر جارح ينشط بصورة رئيسية ليلا، مستعينا بحاسة سمعه القويّة وعينيه الكبيرتين اللتين توفران رؤية ليلية جيدة، في اصطياد الفئران والأرانب وغيرها من الحيوانات الصغيرة.
ويعيش في لبنان أربعة أنواع منها، وهي بومة الحظائر البيضاء وبومة النسر الأوراسية والبومة السمراء والبومة الصغيرة، بالإضافة إلى نوعين مهاجرين هما البومة الطويلة الأذن وبومة الأشجار الأوروبية.
ووفقا لجفّال تم مؤخرا إنقاذ بومة جديدة تحمل اسم “زبقين”، فقد أعيدت إلى البرية بعد إنقاذها، وهي من نوع بومة الحظائر البيضاء.
ولفتت جفّال إلى أنه جرى اختيار اسم الجمعية “تيمنا باسم الوادي حيث أطلقنا ‘زبقين’، هو مشروع محمية طبيعية في جنوب لبنان”.
وأوضحت أن إنقاذ هذه البومة تم بفضل “أحد الأشخاص إذ تواصل مع الجمعية عبر فيسبوك ليبلغ أن لديه بومة وصلته كهدية داخل قفص، وبعدما احتفظ بها لنحو شهر، قرر ألا يبقيها محتجزة ويعيدها إلى البرية حيث تنتمي”.
وأضافت أنه “فور تسلّم البومة من صاحبها، قدّمنا لها الرعاية لمدة شهر تقريبا، وأعدنا تأهيلها وتدريبها على كيفية الصيد. وها هي اليوم أطلقت مجددا في الطبيعة، موطنها الأصلي”.
ومع هذه البومة، يصبح عدد طيور البوم التي أعيدت إلى البرية بعد إنقاذها نحو 30، بعضها كان مصابا بجروح بسبب الصيد الجائر، إلا أن نشطاء “الجنوبيون الخضر” استطاعوا معالجتها ورعايتها قبل إطلاقها مجددا، بحسب جفّال.
وتوصف بومة الحظائر التي تنشط في البرية اللبنانية، لاسيما الأرياف والغابات ذات الأشجار العالية والدروب الصعبة، بأنها صديقة المزارعين، لمساهمتها في التخلص من الفئران والقوارض التي تلحق الضرر بالمزروعات في الحقول.
ووفقا لوكالة الأنباء اللبنانية نوهت الجمعية بـ”الوعي البيئي المتزايد لدى المواطنين والاهتمام بحماية هذه الطيور والحيوانات البرية”، داعية إلى تضافر الجهود لوقف عمليات تدمير الأعشاش وسرقة فراخ الطيور للاتجار بها والتي تؤدي إلى موت معظمها، وإلى التشدد في معاقبة تجار الطيور البرية ومنتهكي أعشاش الطيور.
وتتمتع البومة بخاصية فريدة، وهي الطيران الهادئ، فلا تحدث أجنحتها صوتا أثناء الطيران، حتى لا تهرب الفئران والقوارض الحذرة بطبعها.
وأعرب علي رضا بزيع رئيس بلدية منطقة “زبقين” (جنوب) حيث أطلقت البومة التي أُنقذت مؤخرا، عن ترحيبه بجهود النشطاء في الحفاظ على الحياة البرية، لافتا إلى أن البوم هو فعلا طائر مميز وله دور مهم في الطبيعة.
