محاولات لفهم ما سيجري..

لقد أصبح من الواضح تماما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى جاهداً للهروب من أيّ صفقة لوقف إطلاق النار تحت أيّ مسمّى، بالرغم من الضغوط القوية من مختلف الأطراف، فمستقبله السياسي مرتبط ارتباطا كاملا بالحرب الدائرة، والتي يراهن من خلالها بكل رصيده لتحقيق الشق الثاني من المخطط القديم الذي رسمته الصهيونية، وهو تهجير ما أمكن من الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة عبر تدمير ما يمكن تدميره، ودفع الشعب الفلسطيني فيها نحو سيناء بشكل إجباري أو اختياري، أو في الضفة الغربية عبر بناء المزيد من المستوطنات لجعل حياة الناس مستحيلة فيها والتخلص من أيّ حلول مستقبلية في إطار حل الدولتين، أو جعل ذلك أكثر صعوبة.
من ناحية أخرى نرى حماس وحركات المقاومة المسلحة بهدفها المعلن وهو تحرير كل فلسطين والتي لا أعرف كيف يمكن تحقيق مثل هذا الهدف في ظل الظروف الحالية الداخلية والإقليمية والدولية المعقدة. وهذا الأمر يستدعي إعادة النظر في الكثير من الأمور منها بالدرجة الأولى جدوى استمرار القتال من قبل هذه الحركات في قطاع غزة وما سيتم تحقيقه نتيجة لما تقوم به.
لا شك أن حركات المقاومة قدمت نموذجا لقدراتها في مواجهة جيش من أقوى جيوش العالم وقد أثخنت فيه ودمرت له عدد لا يستهان به من المعدات وقتلت – ولا زالت- عددا كبيرا من جنوده وأوقعت عددا أكبر من الجرحى، ومن ناحية أخرى دمرت نظرية الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت مدى سادية هذا الجيش الذي لطالما ادعى أنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. ولكن هل هذا يكفي؟ وهل نتائج الحرب الجارية ستدخل في إطار تحقيق الهدف الأساسي لحركات المقاومة المسلحة؟ للإجابة على هذه الأسئلة يجب نقرأ الأمور بطريقة مختلفة وأن نضع العاطفة والشعارات جانبا ونحلل الموضوع من جوانبه المختلفة وأن نضع فرضيات مختلفة لمحاولة فهم ما سيجري في الأيام والأشهر والسنوات القادمة.
◙ هل ستقبل حركات المقاومة المسلحة أيّ تواجد لقوات عربية أو دولية ضمن أيّ إطار حل قادم وما خطورة ذلك على القرار الوطني الفلسطيني المستقل؟
الفرضية الأولى (انتصار المقاومة): وتعتمد هذه الفرضية على أن تحقق المقاومة المسلحة النصر على الجيش الإسرائيلي، بمعني أن تصل إلى وقف لإطلاق النار بشروطها، وأن ينسحب الجيش الإسرائيلي لخارج قطاع غزة وأن تطلق إسرائيل سراح كل الأسرى أو معظمهم. وهنا تبرز التساؤلات التالية:
1- كيف ستعالج حماس وحركات المقاومة المسلحة حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة؟
2- كيف سيتم التعامل مع الوضع الصحي والعدد الكبير من الجرحى والمعاقين؟
3- كيف سيتم التعامل مع موضوع توفير مأوى لمعظم سكان قطاع غزة؟
4- كيف سيتم توفير الحاجات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي بعد تدمير معظم البنية التحتية؟
5- ماذا بشأن التعليم والاقتصاد والنشاط التجاري؟
6- كيف سيتم التعاطي مع موضوع الأيتام من الذين فقدوا ذويهم بالكامل؟
7- كيف ستتم معالجة التعويضات وإعادة الأعمار؟ ومخصصات البطالة إلى حين إعادة النشاط الاقتصادي؟
8- كيف سيتم تسيير الحياة اليومية للناس في ظل كل هذه الأوضاع، وضمان الأمن والخدمات الحكومية وما إلى ذلك؟
ولا أريد الخوض في قضايا أخرى مختلفة لا تقل أهمية عما أسلفته سابقا، وهنا يبرز عدد جديد من الأسئلة:
1- كيف سيتم توفير الأموال اللازمة لكل ذلك وبأيّ شروط؟
◙ الواقع بعد انتهاء الحرب سيكون أكثر تعقيدا من نظريات وتحليلات سياسية
2- هل ستسمح إسرائيل المهزومة بإعادة النشاط التجاري عبر المعابر المختلفة معها وبأيّ شروط؟
3- هل ستحوّل مصر معبر رفح إلى معبر تجاري كما تحلم حماس من أكثر من 17 عاما وهل لديها القدرة على ذلك؟
4- ما تركيبة الحكومة التي ستشرف على إعادة الأعمار ومدى القبول الدولي بها؟
5- هل سيكون هناك دور للسلطة الوطنية الفلسطينية في كل هذا؟
6- هل ستقبل حركات المقاومة المسلحة أيّ تواجد لقوات عربية أو دولية ضمن أيّ إطار حل قادم وما خطورة ذلك على القرار الوطني الفلسطيني المستقل؟
كل هذه أسئلة برسم الإجابة لتطوير هذه الفرضية والنظر في حقيقة ما حدث من كونه انتصارا أم هو شيء آخر!
الفرضية الثانية (انتصار إسرائيل): وتعتمد هذه الفرضية على أن تتمكن إسرائيل من القضاء على جزء مهم من قوة المقاومة، وإخضاع ما تبقى ودفع العدد الآخر للاختباء أو الهروب، وهو ما يعني احتلال قطاع غزة بالكامل وهنا تطرح التساؤلات الشبيهة بما تم طرحه في موضوع انتصار حماس:
1- كيف ستعالج إسرائيل مسؤوليتها عن السكان في قطاع غزة من كل النواحي (كهرباء، مياه، تعليم، صحة.. الخ) بصفتها سلطة الاحتلال؟
2- كيف ستعالج موضوع إعادة الأعمار ومن سيمول وكيف ستتم إدارة الأمر؟
3- كيف ستتعامل مع الموضوع الدولي من مختلف جوانبه؟
◙ كيف ستعالج حماس وحركات المقاومة المسلحة حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة؟ وكيف سيتم التعامل مع الوضع الصحي والعدد الكبير من الجرحى والمعاقين؟
بالإضافة إلى كل ذلك، كيف ستتعامل إسرائيل مع وضعها الداخلي وماذا سيحدث للرهائن وكيف ستعالج موضوع جرحى الحرب ومن طرفها، ناهيك عن موضوع الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي منيت بها، وكيفية تعويض الخسائر العسكرية من عتاد وذخيرة. أضف إلى ذلك كيف ستتعامل مع التهديدات الآتية من الشمال، وأقصد هنا حزب الله، فهل ستكون هناك حرب جديدة ليكمل فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي هروبه من مواجهة مصيره المحتوم؟ كل هذه الأسئلة برسم الإجابة لتطوير هذه الفرضية والنظر في حقيقة ما إذا كان انتصارا أم هو شيء آخر.
الفرضية الثالثة (انتصار النظام الجديد): وتعتمد هذه الفرضية على مدى قدرة الولايات المتحدة في هذه المرحلة الحساسة (مرحلة الانتخابات) من السيطرة على مختلف الأمور، بما يعني القضاء على طرفي الصراع من خلال استنزافهما كما أسلفت في مقالي السابق والمنشور في هذه الصحيفة، بحيث تقوم بزيادة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته الفاشية، وهو ما لاحظناه من خلال توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن على الأمر التنفيذي لفرض عقوبات على المستوطنين، والتوجه الأوروبي المشابه لذلك قيد المناقشة والتنفيذ، كذلك تعليق التمويل المؤقت للأونروا، والذي أعتقد جازماً أنه سيعود بعد إثبات كذب إسرائيل واستعماله كأداة ضغط إضافية، للقبول بهدنة أو وقف لإطلاق النار وهو ما سيساهم في التسريع بسقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وبالتالي استبدالها بمن هو قادر على تحقيق المطلوب!
ومن ناحية أخرى تقوم بزيادة الضغط على حركة حماس لدفعها للقبول بمقترحها الذي تمت صياغته في باريس والذي يعني أنه إن قبلت به حركة حماس فإن الضغط الشعبي سيزداد عليها من حيث نتائج هذه الحرب المدمرة، وكذلك ستتم محاصرتها في موضوع من سيدير قطاع غزة في المرحلة المقبلة، وما هو الدور الذي ستلعبه حماس فيها وبأيّ ثمن.
يبقى أن أقول إن كل ما سبق هو مجرد فرضيات أحاول من خلالها طرح أفكار بشكل مبسط لمحاولة فهم ما سيجري في الأيام القادمة، فالواقع بعد انتهاء الحرب سيكون أكثر تعقيدا من نظريات وتحليلات سياسية.