مجلس الإمارات للإفتاء يؤسس لهيكلة الفتاوى الدينية

سد المنافذ على الجماعات السلفية يقلل من التشدد في الدول الإسلامية.
الثلاثاء 2024/06/25
المجلس يقطع مع التكلّس الفقهي

مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي يقطع مع التكلّس الفقهي في مسائل الفتوى ويعلي الاجتهاد كقيمة مركزية لمعالجة القضايا المستجدة بما يتماشى مع متطلبات العصر ضمن هيكلية واضحة وليست اعتباطية.

القاهرة - يعزز تشكيل مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي من قبل رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، النهوض الحضاري بكافة أبعاده، بالنظر لدوره المتوقع في تدعيم القوة الاجتهادية للعقلية المسلمة والانفتاح على التجارب الإنسانية والقيم الحضارية المشتركة، والإسهام في تطوير مؤسسات الإفتاء في العالم الإسلامي.

وتكافح دولة الإمارات التشدد بكل أنواعه، ومواقفها ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى العنف طريقا لم تعد خافية على أحد، ولها مقارباتها الناجحة في هذا المجال، والتي جعلتها في مقدمة الدول التي تكافح الإرهاب وتسعى لاقتلاعه من جذوره.

ويضطلع مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بمهام عديدة وحيوية، حيث يُعد المرجع الرسمي للإفتاء في الدولة، ويعمل على توحيد الجهود والرؤى والأهداف لتطوير التوجهات والسياسات والتشريعات ذات الصلة بالفتوى وتنظيم شؤونها وإصدار فتاوى عامة وطارئة ومستجدة في قضايا مختلفة.

وأدى غياب الدور التنويري والحضاري لبعض مراكز الإفتاء في العالم الإسلامي إلى ترك مساحة فارغة، سعت قوى سلفية متعددة إلى سدها من خلال تقديم فتاوى متشددة.

وما لم يتم التصدي لها وتطويقها من خلال سد المنافذ التي تتسرب منها سوف يتضاعف خطرها، لأن الجماعات التي تتبنى العنف وتسلك طريق الإرهاب تجد في هذه النوعية من الفتاوى ملاذات تتكئ عليها لتبرير تطرفها.

عمرو عبدالمنعم: مجلس الإمارات للإفتاء سيلعب دورا في توحيد الفتاوى وتنظيمها
عمرو عبدالمنعم: مجلس الإمارات للإفتاء سيلعب دورا في توحيد الفتاوى وتنظيمها

وكما حققت الإمارات نهضة تنموية واقتصادية وعلمية رائدة أثبتت للعالم أن العقل العربي لا يقل إبداعا عن الآخرين، وأن الإنسان العربي قادر على تخطي التحديات، فهي تحيط مشروعها الحضاري بسياج من الحماية الفكرية والثقافية والقيمية، يدمج المبادئ والمشتركات التي تتجاوب مع خدمة مصالح الدول والمجتمعات والإنسانية.

وظهر التكامل والاتساق بين جيل قيادي وسياسي وإداري مبدع ومحترف وصل بالدولة إلى القمة على مستويات متباينة، وفي طريق الإنجاز والفعالية، وجيل من المجتهدين الكبار يكمل منظومة الإنجاز بطرح فقهي وأداء إفتائي متوازن يجمع بين النقل والعقل، وبين الشرع والواقع، وبين حاجات الجسد وحاجات الروح، من منطلق النهج المقاصدي واعتماد المصالح المرسلة والاستحسان في الاجتهاد الفقهي.

ويؤكد تشكيل المجلس من نخبة من المجتهدين والمجددين والعلماء من ذوي النظرة الاجتهادية والتمكن من أدوات الفتوى ذات الأبعاد المقاصدية وعلى رأسهم العلامة الشيخ عبدالله بن بيه، الحرص على مواصلة منح العقلية الإماراتية الأفق الأوسع للاجتهاد الذي من شأنه حماية منجز الدولة الحضاري والحداثي والعمراني، والحفاظ على تماسك المجتمع وفتح المجال لاستيعاب المستجدات المجتمعية التي تتسق مع أصول الإسلام.

ويُعد الشيخ عبدالله بن بيه رئيس المجلس أحد أبرز المجتهدين والشخصيات الدينية والفكرية في العالم الإسلامي، وتم اختياره من قبل جامعة جورج تاون كواحد من أكثر خمسين شخصية إسلامية تأثيرًا في العالم للأعوام 2009 – 2016، وهو من أبرز دعاة التسامح والحوار بين الأديان، وصاحب مشروع تجديدي له تلامذته ومريدوه في كافة أنحاء العالم.

ويقدم المنجز العلمي لأعضاء المجلس صورة معتدلة للإسلام، ويتوخى بناء شخصية سوية تستوعب المتغيرات ومنفتحة على العصر والآخر، وتشجيع المسلمين على التفاعل الإيجابي مع العالم، وإدماج كل القيم الإنسانية التي تحرص على ما ينفع الناس وتشيع الخطاب والسلوك المعتدلين.

وعكس تنوع أعضاء المجلس ووجود شخصية نسائية في المجلس وهي فاطمة سيف الدهماني، تبني القواعد العلمية والفقهية ودراسة عوالم سوسيولوجيا الإفتاء العربي.

وقال الباحث والصحافي المصري المتخصص في سوسيولوجيا الإفتاء عمرو عبدالمنعم لـ”العرب” إن تأسيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي سيلعب دورا في توحيد وتنظيم الفتاوى، ما يعني توجها نحو المركزية في الشؤون الدينية، ومواكبة المستجدات العلمية والشرعية، متفاعلا مع التطورات العلمية والتكنولوجية ما يعكس توجها نحو الانفتاح والتجديد مع السعي إلى تحقيق التوازن بين الالتزام بالشريعة الإسلامية والتفاعل مع متطلبات العصر الحديث.

مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي يضطلع بمهام عديدة وحيوية، حيث يُعد المرجع الرسمي للإفتاء في الدولة

وأوضح عبدالمنعم أن المجلس يركز على إعداد كفاءات شرعية متميزة ما يعبر عن رؤية مستقبلية تسعى لضمان وجود علماء مؤهلين قادرين على التعامل مع النصوص الشرعية بمرونة واحتراف، مشددا على أهمية استخدام الوسائل الحديثة في تدريب الدعاة والمفتين لتحديث العملية الإفتائية وجعلها أكثر فعالية وتأثيرا، وأهمية تعزيز التعاون مع مؤسسات إفتائية عريقة، مثل دار الإفتاء المصرية.

ويضع مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في أولوياته معالجة القضايا الجديدة التي لم تكن معروفة من قبل من خلال بصيرة اجتهادية تعرف المسلمين على إمكانات دينهم الحديثة وتقبل الجديد إيمانا بضرورة التطور، كما ينظر في العديد من العادات فيقبلها ما دامت لا تتعارض مع الكليات الخمس التي تصونها الشريعة.

ويدعم الدور الذي يقوم به المجلس حضور نموذج تكاملي يحفظ لعلماء الدين مكانتهم وإسهامهم في الجوانب المعرفية والتثقيفية والاجتماعية والروحانية، بجانب دور الدولة وقادتها في الجوانب الإدارية والقيادية والإنمائية، ما يكرس تجربة تمنع تسييس الدين وتوظيفه لخدمة مصالح سياسية ضيقة، ويحفظ له حضوره ومهامه في المجتمع.

ويرى المجتهدون بمجلس الإمارات للإفتاء أن العصر الحالي هو عصر الطفرات والمستجدات غير العادية، حيث ظهرت قضايا لم تكن معروفة وجرى تجاهل معالجتها، وإذا لم تتم مواكبتها بالاجتهاد الملائم الرشيد ستترك فراغا تملؤه المدارس السلفية المتشددة ما يؤخر الدول عن تبني مكانتها اللائقة في هذا العصر.

ولذلك يحرص المجلس على ابتكار أدوات اجتهادية معاصرة تقوم على صياغة خطاب ديني يستمد من الموروث العريق، ويراعي الواقع المعاصر وتعقيداته ويستشرف المستقبل.

تطوير الأداء الإفتائي العربي يشير إلى تماسك المجتمع، ويضمن وحدة العقيدة ما يمنع تأثيرات الفتاوى الشاذة

ولعل غياب حركة الاجتهاد التي تفرق بين القديم والجديد وتقف على ما يقتضيه كل زمان وتستوعب التجارب السابقة وتبلور صيغة ملائمة للعصر، هو ما يترك مساحات لتحرك ورواج رؤى تصور الإسلام في إطار حركات سياسية وثورية عنيفة تدفع بالشباب إلى نفق التشدد والإرهاب.

ويستكمل مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي التجربة الرائدة للإمارات في مجال مكافحة التطرف وتصويب الأفكار الضالة ودحض خطاب الكراهية، حيث إن من ضمن مهامه الرئيسية مواجهة الإساءة إلى المقدسات والتكفير والتعصب المذهبي من خلال بيان الرأي الشرعي في هذه المسائل.

ويدخل في صميم مهام المجلس ضبط الفتوى داخل المجتمع الإماراتي وتكوين مرجعية دينية على أسس علمية وطنية، وبناء فقه السلام والمحبة والتسامح، ونزع المفاهيم العميقة للعنف عبر ترسيخ الوسطية والاعتدال النابع من تعاليم الإسلام الحنيف.

وفي ظل معاناة بعض المؤسسات الدينية الرسمية من ضعف خطابها الديني والعجز عن التفاعل مع العديد من قضايا الواقع والاشتباك مع القضايا الهامة والشائكة التي تتقاطع مع أفكار التنظيمات المتطرفة، دعا العلامة عبدالله بن بيه إلى منظومة للإفتاء على مستوى الدول الإسلامية لمكافحة أي فتاوى تشرع القتل أو استباحة الدماء وإلى الإجماع على أدوات وممارسات من شأنها تعطيل وتحييد فتاوى الإرهاب.

ووصف بن بيه جهود تصويب مسار الإفتاء في العالم العربي بالعلاج المثالي للتعامل مع التطرف كتدخل علاجي ووقائي استباقي، مشددا على أن إعلاء قيمة الإفتاء وإنهاء تطفل المأزومين والمتشددين عليه عبر المنابر المختلفة هو بداية لنهاية ثقافة تبرير العنف والكراهية والإرهاب.

ويشير تطوير الأداء الإفتائي العربي إلى تماسك المجتمع، ويضمن وحدة العقيدة ما يمنع تأثيرات الفتاوى الشاذة التي قد تؤدي إلى الانقسامات والفتن، ما يمكن النظر إليه على كونه محاولة لخلق استقرار ديني واجتماعي من خلال تقليل الخلافات الشاذة في الآراء الفقهية.

ويعكس الإعلان عن تشكيل مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي توجها نحو الالتزام بمفاهيم الشرعية المواكبة للعصر في الشؤون الدينية مع التركيز على التدريب والتطوير المستمرين، ما يسهم في تعزيز الاستقرار الديني والاجتماعي في الدولة، وتقديم نموذج يُحتذى به في العالم الإسلامي.

7