متى يعلن الإقليم الثاني في العراق

ارتفعت دعوات منادية بضرورة إيجاد إقليم يحمي المكون السني ويوفر للسنة الأرضية المناسبة لممارسة حقوقهم على هذا الإقليم، دون الرجوع إلى المركز (بغداد) والذي ينظر إلى هذا الإقليم كونه المتنفس للقيادات السنية لممارسة دورها القيادي في الإقليم المفترض، ومحاولة الخروج من بوتقة الحكم المركزي، حالها كحال إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ سبعينات القرن الماضي، لذلك دأب سياسيو المنطقة الغربية على الحديث عن الإقليم من خلال الترويج له والمطالبة بتحقيقه وتوفير البيئة الملائمة أو توفير الدعم الإقليمي والدولي له.
ما يثار فعلاً أن المجتمع السني مازال يفتقر إلى الهوية المذهبية التي تميزه، وتجعله ذا لون مذهبي معروف، فنراه يفضل القومية العربية ويتمترس خلفها، في ظن من السنة أن القومية العربية هي السلاح الذي يقف ضد المذهبية، ويجعلهم متلاحمين مع العمق العربي المحيط بالعراق، وهذا واضح جداً في المحافظات السنية الكبرى مثل الأنبار والموصل والتي تتميز بالأغلبية السنية، وطالما تميز السنة بكونهم موحدين في الأنظمة السابقة التي حكمت العراق، مقابل التعايش مع الأغلبية الشيعية التي حكمت بعد أحداث عام 2003.
بعد إسقاط النظام عام 2003 وجد السنة أنفسهم دون غطاء سياسي يحميهم، وأصبحوا دون قيادة حتى دينية، لذلك تفرقوا في اتجاهين:
ما يعانيه السنة في العراق هو أزمة الهوية والتي تتطلب منهم صياغة رؤية واضحة وقوية وتثبّت مبادئ لعملهم على أن يكون موحداً، حتى لو وُجد الخلاف في داخل البيت السني
الأول، الاتجاه الإسلامي الذي ذهب باتجاه البيت الإسلامي المتمثل في الحزب الإسلامي العراقي.
والثاني، الاتجاه العلماني الذي تمثل في الأحزاب العلمانية التي تأسست تحت الخيمة السنية، وأبرزها جبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلك والتي ضمت القوميين والبعثيين، لذلك وجدوا أنفسهم في تمثيلهم بعدة ائتلافات سواء في نفس البيت السني أو غيره.
ما يعانيه السنة في العراق هو أزمة الهوية والتي تتطلب منهم صياغة رؤية واضحة وقوية وتثبّت مبادئ لعملهم على أن يكون موحداً، حتى لو وُجد الخلاف في داخل البيت السني، ولكن يبقى توحيد الخطاب والرؤى لتكون معبرة عن وحدتهم، لأن ثقافتهم كانت تتسم بالدعم التقليدي للدولة المركزية، إلا أن وجهة النظر اختلفت تماماً بعد سقوط النظام، وهم الآن مهتمون بشكل متزايد خصوصاً الإسلاميين والقيادات المحلية في المناطق السنية بتشجيع إنشاء حكم ذاتي واستقلال في الإدارة، والذي يواجه هو الآخر عقبات سياسية وأمنية أكثر تعقيدا مما كان متوقعاً من قبل العديد من المهتمين من السنة أنفسهم، لأن الواقع الديمغرافي في هذه المحافظات ذات الأغلبية السنية يتطلب مقاربة وإجماعا سياسييْن وهو الأمر الذي يصعب الوصول إليه خصوصاً بعد اجتياح داعش لهذه المحافظات.
إن إنشاء حكم ذاتي (سني) في المناطق الغربية قد يُدعم من قبل القوى الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وعموم دول المنطقة، خصوصاً وأن هناك علاقات متميزة ما بين طهران وقيادات السنة، لذلك أي إعلان لهذه الأقاليم سيحظى بالدعم، ولكن في نفس الوقت يمثل تحدياً متعدد الأوجه في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك ربما ستكون هناك عقبات داخلية لتقييد مثل هذا المشروع، والتي قد تؤدي إلى انقسامات حادة وعميقة داخل المكون، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية، بالإضافة إلى الاختلافات التاريخية والثقافية والاجتماعية بين محافظات الإقليم نفسها، فمحافظة مثل الموصل التي تفتخر بحضارتها وتاريخها لا يمكن أن تتسق مع الأنبار التي تمثل القيم القبلية، إضافة إلى صلاح الدين التي تضم مزيجا من التاريخ البعثي والقبلي والمدني، لذلك فإن عملية الاندماج لن تكون بالأمر الهين.