متى يصبح المسلم إنسانا
لست أنا واضع السؤال، بل أستعيره من صديق بادرني به ذات ليلة شاعرية من ليالي جاكارتا الجميلة، غير أن السؤال هذا لا ينطق عن هوى شخصي أو مزاج خاص، بل هو لسان حال الكثيرين. أصغيتُ إلى سؤاله وأنا أنظر إلى عينيه المبتسمتين، ثم نظرت من نافذة مجلسنا إلى الشارع لأرمق تلك الابتسامات الجميلة التي لا تفارق وجوه الإندونيسيين أثناء أحاديثهم مع بعضهم البعض، آه، أحسبها الحاجز الطبيعي الأكثر مناعة ضدّ الفكر العبوس.
|
وقتها تذكرتُ اعترافات صديق باكستاني في فترة سابقة حين قال لي وعيناه تدمعان: هل تعلم يا سعيد، أنني عندما كنت مسلما مجاهدا في سبيل الله، كنت أجمع من المسلمين أموال الزكاة لأوزعها على الفقراء، لكني كنتُ أمنح عُشُر المبلغ نصيباً شرعيا لي باعتباري من العاملين عليها، لكني بعد أن فقدتُ الإيمان الديني وبقيت أتوصل بأموال الزكاة كما كنت، أصبحت أوزع المال على الفقراء دون أن آخذ منه فلسا واحدا؛ لم أعد أرى لنفسي أي حق في ذلك، فالأمانة يجب أن تصل كاملة لأصحابها. بالجملة، صديقي ذاك اكتشف نفسه لأول مرة أنه إنسان. عود على بدء، متى يصبح المسلم إنسانا؟
عندما تزول الغمّة عن الأمّة، وتشرق شمس العشق، وتسقط الأحزمة النّاسفة والسّكاكين الغادرة، وتنقشع غيوم العُنف التّكفيري التي سوّدت سماءنا وبعثرت آمالنا، وحين تعود الحياة إلينا أو نستردها من بين أنياب ثقافة الموت، فنرى صور الجمال الإلهي في أنفسنا وما حولنا، ونسمع صوت الله في رنين الأوتار العذبة وخرير المياه الدّافقة وهمسات الشفاه الرّطبة وعبق الياسمين، وقتها فقط، وفقط وقتها، يصبح المسلم إنسانا. عندما نمسح عن وجه الله آثار الدماء الآدميّة التي سُفكت باسمه، وحين نفكّ وثاق ديننا لنخرجه من معابد الذّبح السري، وحين نكسر السكاكين التي طوّقت أعناقنا وشوّهت أحوالنا وأفسدت سمعة ديننا وضيّعت ملامح الله التي كانت ترتسم في بسمة طفل بريء، وقتها يصبح المسلم إنسانا.
كاتب مغربي