متلازمة القلب الكسير

اهتم بنفسك ولا تفعل ما يخالف شغف قلبك وروحك تحت أي ظرف، واحرص على محبيك وأصدقائك.
الأربعاء 2018/06/06
عش حياتك

تقول أسطورة سائدة بين بعض القبائل الأفريقية، وربما هي حقيقة واقعة على الأرض وليست محض أسطورة، إن رجال القبيلة إذا ما أرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمرة لغرض يبتغونه، ولم يستطيعوا فعل ذلك بوسائلهم المتاحة، فما عليهم سوى الوقوف أمامها ثم الصراخ على نحوٍ مركز ومتواصل لبضعة أيام، وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي على الأرض.

ليس مهما مدى مصداقية تلك الأسطورة؛ فالأسطورة – أي أسطورة – ليست موضوعا مكرسا لترسيخ حقائق نعيشها في الواقع بل هي وسيلة لتوجيه الفكر والنظر نحو تفاصيل دقيقة خافية قد نغفلها في خضم حياتنا اليومية الزاخرة بمشاغل والتزامات قد تحول بيننا وبين رؤية الكثير من التفاصيل الاستراتيجية المهمة لحياة الكائن البشري، وبقدر ما يتعلق الأمر بالأسطورة السابقة فالدرس البليغ الذي نخرج به منها هو سطوة الكلمة وقدرتها السحرية على اجتراح أعاجيب شافية، مثلما هي قادرة في الوقت ذاته على كسر الروح ولجمها والتسبب بموتها كما حصل مع الشجرة العملاقة.

شاعت في السنوات القليلة الماضية عبارة “متلازمة القلب الكسير” وصارت مصطلحا طبيا معتمدا بصورة أكاديمية ورسمية في الأدبيات الطبية العالمية، والغريب في هذا المصطلح الجديد هو حمولته الدراماتيكية التي تبدو غريبة بعض الشيء عن طبيعة المصطلحات الطبية المتداولة، ويبدو أن الخبرة “السريرية” الطبية العالمية صارت تميل أكثر فأكثر نحو تسمية الأمور بمسمياتها بعيدا عن اعتبارات الصرامة الأكاديمية المفترضة التي قد تكون أحيانا مصدا تجاه هبوب رياح التغيير ومعاينة الحقائق على أرض الواقع من غير تزويقات أكاديمية ثقيلة، ويعكس الأمر في نهاية المطاف نزاهة وشفافية لدى القائمين على المؤسسات الأكاديمية العالمية؛ فهم لن يترددوا عن أي فعل طالما كان مسنودا بإحصائيات معتمدة ووقائع تؤكد الحالة المقصودة.

أما من حيث الحيثيات فتؤكد الدراسات الطبية أن الانكسار والحزن الشديد الناجمين عن فقدان شغف ما، أو الانغماس في عمل لا يحبه المرء ويُفرض عليه فرضا بحكم الظرف أو الحاجة المادية، أو دراسة فرع لا يحبه المرء انصياعا لرغبة الأهل أو تماشيا مع الاعتبارات المجتمعية المتوارثة، أو خسارة حبيب تجذر حبه في القلب لسنوات طويلة، هذه كلها وغيرها أمثلة قد تتسبب بتلف عظيم في العضلة القلبية يشابه في بعض تفاصيله التلف الناجم عن الإحتشاءات القلبية. لم يكن الوصول لهذه الحقيقة بالطبع سهلا إلا بعد معاينة آلاف الحالات ودراستها والتثبت من دلالتها الإحصائية المؤثرة، ومما أكد هذه الحقيقة هو شيوعها لدى شباب كانوا أصحاء يفيضون طاقة وحيوية ثم انتكست حالتهم عقب معايشتهم لواحدة من الحالات التي ذكرتُ بعضها، وكم اندهش الأطباء المسؤولون عنهم لمعرفة مدى التلف الذي أصاب قلوبهم وهو عادة تلف لا يحصل إلا بعد سنوات طويلة من مرض مزمن يصيب العضلة القلبية.

ما يهمنا في نهاية الأمر وبعيدا عن التفاصيل الطبية هو الآتي: اهتم بنفسك ولا تفعل ما يخالف شغف قلبك وروحك تحت أي ظرف، واحرص على محبيك وأصدقائك ولا تخدش أرواحهم بكلمة أو بعبارة قد تتسبب لهم – من غير قصد ربما – بأذى لا تريده لهم بالتأكيد، والأهم من كل ذلك هو أن لا تبخل على من تحب بكلمة “أحبك” اليوم وقبل الغد. أنعش قلبك وقلب من تحب بالحب، وابتعد عن اللسان الجارح؛ فهو مدعاة لانكسار القلوب، فما عاد الأمر مزحة بعد اليوم.

14