متسولون متعددو الجنسيات في شوارع بغداد

في كل صباح تعترض طريقي مجموعات من النسوة، فيما يغوص عقلي البسيط بهموم السياسة وبلاويها. تفاجئني تلك المجموعات بكلام معسول وأسطوانة متكررة تطلقها عذوبة اللسان، أدمن العراقيون سماعها من متسولين عرب وأجانب يجوبون شوارع بغداد وأزقتها، ووصلت إلى المطاعم وعيادات الأطباء، ولم يبقْ مكان في العراق إلا اقتحموه، باستثناء قصور ومكاتب المنطقة الخضراء المحصّنة في وجوههم.
وللحق فإن أغلب العراقيين أدمنوا أناشيد ومحفوظات جيوش المتسولين من الجنسين، وبدأ البعض يتحاشى النظر في محياهم خوفاً وهلعاً مما قد يتناهى إلى مسامعه من قصص عن عمليات سرقة يقوم بها متسولون عن طريق التنويم المغناطيسي.
ظاهرة التسول في العراق يبدو أنها اتخذت نطاقاً أوسع وحجماً أكبر، خصوصاً بعد دخول العمالة الأجنبية إلى عالم التسول، وتنافسها مع المتسول العراقي، حتى بات من الصعب التفريق بين المشاهد الدرامية للمتسولين العراقيين ونظرائهم الأجانب.
◙ تقارير حكومية تحتفظ بها وزارات في أدراج مكاتبها، تؤكد أن هؤلاء المتسولين يتم استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر وعمليات السرقة
وبالرغم من أن القانون العراقي حدد عقوبة الحبس شهراً واحداً للمتسول في الطرقات العامة، وشدّدها في حالة تصنّع المتسول الإصابة أو الإعاقة، إلا أن هذه العقوبة لم تحدّ من انتشار المتسولين في شوارع بغداد وتقاطعاتها.
ويبدو أن القانون العراقي الذي وقف عاجزاً أمام ظاهرة التسول عراقياً، يرفع الراية البيضاء أمام جيوش المتسولين من العرب والأجانب، وهم يجوبون شوارع بغداد لأغراض تثير الشك والريبة من الأعداد التي تغزو شوارع بغداد، وما تعنيه هذه الظاهرة من عناوين لدى الأجهزة الأمنية، يكون أولها لأغراض تجسّسية أو تخريبية معادية لأمن البلد.
ولا يخلو الأمر من أيادٍ خبيثة خفية، قد تكون سياسية أو عصابات الجريمة المنظمة، تساهم في الترويج وتسهيل اكتساح هؤلاء المتسولين لشوارع بغداد، خصوصاً ما يُشاع عن محاولات ابتزاز يتعرض لها هؤلاء من قبل جهات أو واجهات لأحزاب سياسية، وإدخالهم إلى العراق بطرق غير شرعية، وتتعلق ببقائهم بشكل غير قانوني في البلد مقابل العمل في مهنة الاستجداء.
في العراق مَثل يقول “جمّل الغرگان غطّة” حيث يحتاج هذا البلد إلى من يمد له يداً لينقذه من الغرق، لا أن ينزل به إلى الأسفل ليضيف له انغماسة إضافية قد تغرقه.
جيوش المتسولين في العراق لم تعد شوارع بغداد تستوعب أعدادهم وأحجامهم، لتضاف إليهم جيوش أخرى من متسولين عرب وأجانب ضاع فيهم العدو من الصديق والصادق من المخادع.
◙ ظاهرة التسول في العراق يبدو أنها اتخذت نطاقاً أوسع وحجماً أكبر، خصوصاً بعد دخول العمالة الأجنبية إلى عالم التسول، وتنافسها مع المتسول العراقي
وأنت تسير في أحد أزقة بغداد لا تستغرب أن تقف أمامك أنثى، عربية أو أجنبية، تطلب منك المساعدة أو الاستجداء بكلام منمق ومعسول يضعك في حيرة من أمرك إن كانت تستوجب المساعدة أم لا، فأنت في العراق بلد التناقضات والغرائب، بلد العجيبة الثامنة التي أُضيفت إلى العجائب السّبع.
البلد الذي يعلن دائماً عن ميزانيات انفجارية، وأن موارده تكفي لبناء عراق جديد يوضع على الخارطة إلى جانب العراق القديم، وأن تبلط شوارعه بمعادن الذهب الخالص من كثرة الخيرات والنعم التي ابتلاه الله بها، المفارقة أن أعداد المتسولين تزداد في شوارع العاصمة، ومستويات الفقر ترتفع، ليأتي بعد ذلك من وراء الحدود متسولون أجانب يزيدون من معاناة شعبه.
تقارير حكومية تحتفظ بها وزارات في أدراج مكاتبها، تؤكد أن هؤلاء المتسولين يتم استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر وعمليات السرقة، إضافة إلى الترويج للانحلال الأخلاقي للبعض مما يهدد النسيج الاجتماعي للأسر العراقية.
هل هي من أعراض السياسة الفاشلة للبلد أم من أزمات هذا البلد المنكوب، أو هو تواطؤ سياسي مع عصابات للتدمير الأخلاقي المقصود للمجتمع العراقي؟
كل ذلك ممكن، وربما كل هذه العوامل مجتمعة عسى أن تكون الصحوة سريعة.