مبتورو الأطراف في ليبيا بين مطرقة العلاج وسندان العمل

ضحايا الحرب في ليبيا يشددون على ضرورة إدماجهم في المجتمع.
الجمعة 2021/01/01
فرص معدومة بسبب الوضع الصحي

تخلّف الحرب لدى الناجين منها من الموت جراحا عميقة طيلة حياتهم. فالبعض يظل يعاني من ضغوط نفسية غير مرئية لعامة الناس، والبعض الآخر يقاسي عيوبا جسدية كفقدان أحد الأطراف، فهؤلاء يكابدون معاناة مزدوجة، حيث يصعب عليهم كسب أرزاقهم بسهولة، إضافة إلى ظروف العلاج وهو ما يبدو صعبا لهذه الفئة في ليبيا خلال الوقت الراهن.

مصراتة (ليبيا) – يفتح رضوان جبريل أبواب متجره الصغير لبيع الأسماك في مدينة مصراتة الواقعة شرق العاصمة الليبية كل يوم، متخطياً إعاقة في ساقه اليمنى تعرض لها قبل حوالي عشر سنوات بفعل المعارك التي شهدتها المدينة إبان الانتفاضة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي.

يعرض جبريل الأسماك على الزبائن ويتحرك بساقه الاصطناعية برشاقة تفوق أحيانا الأصحاء من أقرانه، في المتجر الذي افتتحه بمساعدة أخيه، لكن ذلك لا يعني أن هذا العمل الذي يتطلب حركة متواصلة ليس صعبا على إنسان فقد ساقه.

ويروي رضوان (38 عاما)، المقاتل السابق، كيف أصيب، قائلا “في بداية الثورة، أصيبت ساقي جراء شظايا صاروخ. وبعد رحلات علاج داخل البلاد وخارجها، أبلغني الأطباء بأن لا أمل في علاجها (…)، وجاء قرار بترها الذي تلقيته بشيء من الصدمة والصبر في آن واحد”.

ويضيف “ركّبت ساقا اصطناعية في إيطاليا، وتخطيت الأمر. بعد كل هذه السنين، صارت الساق متهالكة وأنا بحاجة إلى ساق جديدة. لكن يبدو أن العملية ليست سهلة، إذ هناك المئات وربما الآلاف الذين ينتظرون دورهم لتركيب أطراف اصطناعية”.

ويحتاج الأشخاص الذين بُترت أطرافهم إلى تأمين المستلزمات الطبية واستبدال الأطراف الاصطناعية كل ثلاث أو خمس سنوات في حالات الكبار، وكل ستة أشهر بالنسبة إلى الأطفال بسبب النمو الطبيعي لأجسامهم، كما يحتاج هؤلاء إلى الرعاية النفسية والإدماج في المجتمع.

ويتابع رضوان “لا بديل أمامي سوى العمل في هذا المتجر، لأن الفرص معدومة أمامي بسبب إعاقتي، بينما أحتاج إلى وظيفة تناسب وضعي الصحي”.

طابور المحتاجين طويل
طابور المحتاجين طويل

وخلّفت النزاعات المسلحة في ليبيا منذ عام 2011 آلاف الجرحى ومبتوري الأطراف. يقول عبدالخالق المرغني الذي فقد يديه في صيف 2011 “عندما بُترت يداي تأثرت كثيراً بما حدث، وسافرت إلى ألمانيا للعلاج، حيث جرى تركيب أطراف اصطناعية إلكترونية لي، وواصلت دراستي بعد ذلك رغم فقداني ليديّ الطبيعيتين”.

غير أن المرغني يحتاج اليوم إلى تركيب أطراف اصطناعية تجميلية، بعدما أصبحت أطرافه الأولى التي ركبها في ألمانيا أصغر من مقاس يديه، وهو ما يجعله محبطاً فالأيدي الإلكترونية التي يحتاجها المرغني غير متوفرة.

ويؤكد الأخصائيون أن اليد الاصطناعية الإلكترونية مفقودة في ليبيا، حيث توجد اليد التجميلية فقط التي تحاكي منظر اليد الطبيعية لكنها غير قابلة للتحريك.

وفقد محمد النوري من مدينة الزاوية غرب طرابلس يده اليسرى في المعركة التي شارك فيها لصد هجوم قوات المشير خليفة حفتر على العاصمة قبل أشهر، وهو يكابد العناء من أجل تركيب يد اصطناعية لاستعادة جزء من حياته التي تغيرت تماما.

ويقول محمد (28 عاما) “فقدت يدي جراء الإصابة في غارة جوية، وركبت يدا اصطناعية مؤقتة في انتظار استكمال العلاج في ألمانيا لتركيب يد دائمة”.

ويتابع “كل شيء تغير بعد أن خسرت يدي. كنت أعمل في مقهى خاص، لكن لم يعد العمل فيه ممكنا (…)، نفسيا أحتاج إلى وقت طويل لاستعادة الثقة”.

ويطالب محمد النوري السلطات بالاهتمام بالشباب الذين فقدوا أطرافهم، وليس فقط الاهتمام بعلاجهم. ويقول “نحتاج إلى تأهيلنا نفسيا أولا، وثانيا والأهم توفير عمل لاستكمال حياتنا بشكل طبيعي، والاندماج (في المجتمع) دون تمييز”.

ولمواجهة الأعباء الناتجة عن ارتفاع أعداد مبتوري الأطراف، استُحدِث قبل ثلاثة أعوام مركز حكومي لتوفير الأطراف الاصطناعية كي يعيد تأهيل المصابين ذوي الإعاقات الدائمة. ويُتوقع افتتاحه في نهاية مارس.

عناء لكسب الرزق
عناء لكسب الرزق

ويقول المدير العام للمركز الوطني للأطراف الاصطناعية الصادق الحداد، من داخل مقر المركز في مصراتة، إن عدد المصابين مبتوري الأطراف المسجلين للحصول على أطراف، ثلاثة آلاف، وربما يرتفع إلى أربعة آلاف عقب استكمال عمليات الإحصاء لمخلفات الحرب الأخيرة في غرب ليبيا، مؤكدا أن “20 في المئة منهم” يحتاجون “إلى تركيب أطراف اصطناعية”.

ويشير المسؤول إلى أن المركز سيغطي أيضا “تكاليف باهظة” للعلاج وتركيب أطراف اصطناعية في الخارج.

ويوضح، أنه تمّ “إبرام اتفاق تعاون مع شركة ألمانية رائدة في مجال تركيب الأطراف” و”اتفاق (آخر) مع المجر في مجال العلاج الطبيعي وتوفير مواد صناعة الأطراف التجميلية”.

ويتابع “بموجب هذا الاتفاق (الثاني) سيكون هناك كادر مجري لتشغيل قسم العلاج الطبيعي في المركز لمدة عام واحد من أجل تأهيل خبراتنا المحلية”.

ولمواجهة الضغط الناتج عن طلب المصابين المتزايد لتركيب أطراف، قام المركز بعقد توأمة مع جامعة مصراتة للاستفادة من مركزها الخاص للعلاج الطبيعي والتأهيل البدني المدعوم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويوضح الحداد أن هذه “الشراكة” تشمل أيضا “تقديم المركز بعض المواد الخام لتركيب الأطراف”.

وتمكن مركز الجامعة منذ عام 2016 من تركيب أكثر من ألف طرف اصطناعي لمبتوري الأطراف.

ومن بين فنيي تجهيز الأطراف الاصطناعية بدرالدين مفتاح، الذي يقول إن الثورة دفعته إلى تطوير مهارته لخدمة فاقدي الأطراف. ويروي “مع بداية الثورة واجهتني العشرات من حالات مبتوري الأطراف. في عام 2019 تحصلت على فرصة تدريب في ألمانيا لمدة عام، لأعود إلى المساهمة في هذا العمل، خصوصا في ظل ندرة الفنيين الليبيين”.

ويشدد مبتورو الأطراف على أهمية الدعم الحكومي الذي يساعد على إدماجهم في المجتمع.

ويشير مفتاح إلى “استحداث مراكز تأهيل نفسي وصالات رياضة” في المركز.

ويقول “نأمل خلال خمسة أعوام الانتهاء من تركيب أطراف لكل من يحتاجها في ليبيا، لأن هذه الخدمة تساعد مبتوري الأطراف على استعادة حياتهم، وتدعمهم على المستوى النفسي”.

عدد مبتوري الأطراف المسجلين للحصول على أطراف في مصراتة، ثلاثة آلاف، وربما يرتفع إلى أربعة آلاف في قادم الأيام
عدد مبتوري الأطراف المسجلين للحصول على أطراف في مصراتة، ثلاثة آلاف، وربما يرتفع إلى أربعة آلاف في قادم الأيام

 

20