ما وراء "حادث المنصة" في إيران

إيران اعتقدت في السنوات الماضية، وخصوصا منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي، أنها بدعمها للإرهاب في المنطقة العربية سوف تحيط نفسها بسياج آمن، وأن الحل للتخلص من الإرهاب هو التعاقد مع الإرهابيين.
الاثنين 2018/09/24
الإرهاب لديه مزاجه الخاص

كشف الهجوم الإرهابي الذي ضرب إيران السبت، وخلف عشرات القتلى من قوات الحرس الثوري -القلب النابض للمشروع السياسي الإيراني- صورة معاكسة عن الوضع الداخلي في البلاد. ففي حين كانت تبدو إيران بلدا قادرا على التعاطي مع المشروعات الإرهابية في المنطقة وفي المحيط المجاور دون أن تحترق بمخططاتها الدموية، ومؤهلة لتحريك خيوط اللعبة الجيواستراتيجية في الإقليم والتحكم بها وإدارتها لصالح أطماعها في قلب العالم العربي، أظهر “حادث المنصة” أن الإرهاب أكبر من أن يتم اللعب معه.

وبالرغم من الضربة الموجعة التي وجهت رسائل متعددة إلى النظام الإيراني، إلا أن الأسلوب التقليدي للمسؤولين الإيرانيين لم يتغير، ما يكشف أن طهران تنظر إلى نفسها بوصفها استثناء في منطقة تهتز تحت معاول الإرهاب، لا بوصفها طرفا معنيا بالأمن الإقليمي العام الذي يمس سائر الأطراف. فقد أصر الرئيس الإيراني حسن روحاني، مباشرة في أعقاب الهجوم، على توجيه الاتهام إلى جهات خارجية، في إشارة إلى أطراف عربية، على أنها وراء العملية، في محاولة واضحة لتهريب الأسباب الداخلية إلى الخارج والتلاعب بالرأي العام الإيراني، ولسان حاله يكرر مقالة المثل الفرنسي الشهير الذي يقول إن “هذا لا يحدث إلا للآخرين”، وأنه بالتالي إذا حصل لدينا فلن يكون ذلك إلا بفعل “الآخرين”.

ولعل من دلالات الحادث أنه حصل في مدينة الأحواز، مركز إقليم خوزستان، حيث تتركز الأقلية العربية السنية بشكل كبير، والتي تشكل نسبة 9 في المئة من السكان الإيرانيين، وتعيش أوضاعا سيئة منذ قيام الثورة الإيرانية في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. وتوجد في هذه المنطقة عدة تنظيمات تنشط بشكل غير علني خوفا من طائلة الملاحقة من النظام الإيراني، تطالب بالحقوق العربية وبعضها يطالب باستقلال الإقليم العربي عن الدولة الإيرانية ذات النزعة الفارسية. وليست هذه التنظيمات بالتنظيمات الجديدة، فقد نشأ بعضها في ظل الأنظمة الشاهنشاهية المتعاقبة على إيران، التي كانت الأطماع الفارسية لديها واضحة في التوسع بالمحيط العربي على نحو ما حصل مع الجزر الإماراتية، لكن بعضها ظهر في ظل حكم رجال الدين بعد الثورة الخمينية، عندما زادت القبضة الحديدية ومزج النظام الإيراني بين النزعة القومية القديمة التي تسحق الأقلية العربية، والنزعة الدينية الجديدة التي تسحق الأقلية السنية، على أساس المعادلة الإيرانية التي تقول إن كل ما هو سني فهو عربي.

رغم الضربة الموجعة التي وجهت رسائل متعددة إلى إيران، إلا أن الأسلوب التقليدي لمسؤوليها لم يتغير ما يكشف أن طهران تنظر إلى نفسها بوصفها استثناء

لهذا السبب ندرك إسراع القيادة الإيرانية إلى اتهام الجوار العربي بالوقوف وراء الهجوم، على الرغم من الاعتراف شبه الرسمي بوجود تنظيم أحوازي مسلح وراء الهجوم، بحسب بعض التصريحات الإيرانية. ذلك أن توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف خارجية يبرئ ساحة النظام الإيراني من الاضطهاد الذي تلقاه الأقلية العربية السنية، بل إنه يعد اعترافا مباشرا بمطالب هذه الأقلية وبوجود مشكلات داخلية حقيقية أمام المجتمع الدولي، وهذا ما لا تريد طهران السقوط فيه.

ومن المهم رؤية ذلك التزامن بين الاحتفالات بموسم عاشوراء لدى شيعة إيران وبين توقيت الهجوم. فتلك مناسبة سنوية تتذكر فيها الأقلية العربية السنية واقع الاضطهاد وحقيقة العزلة التي تعيشها داخل مجتمع ذي غالبية شيعية لا تقاسم السنة أيا من عناصر الاشتراك ما عدا عنصر التساكن في بلد واحد. وبقدر ما تهمش إيران الحقوق الدينية والسياسية للسنة فيها بقدر ما ترفع من حالة الاحتقان الداخلي، بل إن هذا الاحتقان يزداد أكثر مع ملاحظة تلك الأقلية السنية للسياسات التخريبية الإيرانية في الأقاليم العربية السنية، والتدخلات على الأرض ومحاولة خنق الأقلية السنية في الداخل بطوق خارجي.

إيران اعتقدت في السنوات الماضية، وخصوصا منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي، أنها بدعمها للإرهاب في المنطقة العربية سوف تحيط نفسها بسياج آمن، وأن الحل للتخلص من الإرهاب هو التعاقد مع الإرهابيين. ولا توجد استراتيجية سياسية أو عسكرية أكثر غباء من هذه. ومن المفيد الإشارة إلى أن توقيت الهجوم الذي حصل في الأحواز جاء مباشرة بعد الأنباء التي راجت حول انتقال زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي إلى باكستان

عبر التراب الإيراني، وعلى الرغم من أن العلاقة بين التنظيم الإرهابي وبين النظام الإيراني، أو وكلائه في العراق كما هو الأمر مع القاعدة ووكلاء النظام في اليمن، لم تعد سرا في ظل تقارير دولية معتبرة، فإن ما حصل في إيران يؤكد بأن الهدنة بين إيران والجماعات الإرهابية ليست هدنة، دائمة وبأن الإرهاب لديه مزاجه الخاص.

8