ما هو مستقبل داعش بعد معركة تكريت

الخميس 2015/04/02

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، أثار شكوكي عدم حدوث مذابح لمحافظة صلاح الدين ومدينة تكريت. نعرف بأن الصفوية الحاكمة كانت تتوعد بسحل الرجال واغتصاب النساء في مسقط رأس صدام حسين. ويعتقد عدد كبير من الشيعة بأن أبناء تكريت وصلاح الدين كانوا يُعاملون معاملة خاصة زمن الرئيس السابق. لهذا كانت المعارضة حينها تنتظر ساعة الانتقام. وبغض النظر عن حادثة سبايكر والغموض الذي يكتنفها، فإن أهالي محافظة صلاح الدين مستهدفون منذ عقود، وهذا الثأر ربما يقوم به اليوم فتيان جهلة لا يعرفون سببه، إلا أنه مخطط له من شيوخ النجف وقم.

لا ينسون إعدام بنت الهدى الصدر شقيقة محمد باقر الصدر، ولا ينسون قصف طهران بصواريخ الأرض أرض في الحرب العراقية الإيرانية، كما لا ينسون دخول كربلاء والنجف وتطهيرها من الصفويين عام 1991.

تأخر الثأر منذ الاحتلال كان يعود لوجود القوات الأميركية ولأسباب سياسية ولعدم توفر فرصة. الثأر والذبح والاغتصاب في مدينة تكريت كان يمكن له أن يكون الأسوأ بتاريخ العراق منذ سقوط بغداد على يد المغول، لولا وجود ضغوط دولية ورقابة سعودية تركية إماراتية، أدت في النهاية إلى دعوات تهدئة لكبح الرغبة بالانتقام.

روى لي الكاتب في المجلس الأعلى محمد علي كاظم في تسعينات القرن الماضي أنه في اجتماع للمعارضة العراقية في الرياض قال الأستاذ صلاح عمر العلي إن تمرد عام 1991 حدثت فيه أعمال وحشية، مثل إعدام ضباط عائدين من حرب الكويت لمجرد انتمائهم لمدينة تكريت وسحلهم بالشوارع، فرد عليه كاتب معارض معروف يومها قائلا “أنعم بهذا الزمن الذي يُسحَل به التكارتة في الشوارع”.

البارحة قال قائم مقام قضاء الدور إن “قوات الحشد الشيعي أقدمت على ارتكاب جرائم اغتصاب بحق العوائل المحتجزة والمختطفة في قضاء للدور”، مبينا أن “هذه الانتهاكات الإجرامية من الاغتصاب حصلت للنساء أمام أزواجهن”، ومن جانبه أكد الشيخ فاروق الضفيري أن “الحشد الشيعي الإرهابي يغتصب السيدات أمام أزواجهن في منطقة الجلام بسور اشناس في الدور انتقاما لتكبده خسائر فادحة في المعارك”.

ورغم أن هذه الجرائم غير موثقة من منظمات رسمية، ولم ترد في الوكالات العالمية المحترمة، إلا أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للعاصمة بغداد تكشف مخاوف المجتمع الدولي من اتساع نطاق الإجرام الطائفي وعمليات الثأر من المدنيين. وقد قال بان كي مون “لا بد من التحقيق في الانتهاكات أو الإساءات المزعومة لحقوق الإنسان (التي ارتكبتها قوات الحشد الشعبي ذات الخلفية الشيعية) ومحاسبة مرتكبيها”.

ربما نشهد الساعات الأخيرة من سقوط تكريت بيد قوات الحشد الشعبي، فهي تندفع بأعداد كبيرة إلى مركز المدينة فيما انسحب الجهاديون إلى الأحياء الداخلية لتكريت.

وهنا يحق لنا أن نتساءل ما هو مستقبل “الدولة الإسلامية” بعد تكريت؟ لابد أن نعترف بأن التنظيم ما زال متماسكا ولا يعاني انشقاقات. أكبر مشكلة تواجههم اليوم هو أن هناك تحالفا دوليا بقيادة المملكة العربية السعودية قد تشكل لقتال الخصم نفسه الذي يدعي الدواعش قتاله. فلماذا تخوض الدولة الإسلامية حربا ضد أميركا والعالم، بأسره، مجازفة بمستقبل المدن السنية وحياة ملايين المسلمين؟ إذا كانت هناك فرصة لخوض الحرب ذاتها دون اصطدام مع أميركا، ودون أفكار إرهابية تقلق العالم المتحضر؟

بعد انطلاق “عاصفة الحزم” بكل ثقلها الإقليمي هل هناك مصلحة سنية من أي نوع ببقاء الدولة الإسلامية؟ فهو معسكر أسوأ ما فيه أنه يجعل الشيعة حلفاء لأميركا، ويجعل من السنة إرهابيين، بينما الحرب في التحالف الذي تقوده السعودية مختلفة تماما، فهي تجعل من السنة طرفا شرعيا ومقبولا دوليا.

الحقيقة هي أن الصفويين العاطلين عن العمل منذ تأسيس الدولة العراقية، قد وجدوا لأنفسهم مهنة مربحة، ما كانوا ليحلموا بها، فيما يسمى الحرب على الإرهاب والتحالف مع الولايات المتحدة. هذا الأمر في طريقه إلى التبدل بعد الموقف السعودي الأخير. السنة أيضا يريدون صعود الطائرات ومحاربة الإرهاب الصفوي، وهذا يعني بأن الدواعش لم يعودوا السبيل الوحيد لمواجهة التوسع الصفوي بالسلاح، وهذا ربما يكون الشكل الوحيد لزوالهم من الشرق الأوسط برمته.

الدولة الإسلامية تمثل في النهاية نوعا من الغضب والإحباط السني في المنطقة، ولا سبيل لاختفاء هذه الظاهرة إلا بإتاحة الفرصة للسنة بتحقيق نصر في معركة عادلة بعد كل هذه الهزائم المتلاحقة التي حلت بهم. جون كيري يقول إن هزيمة “داعش” في العراق تحتاج إلى وقت، وهو وقت يعتمد كثيرا على مستوى سخط أو رضى الموصليين. خاصة بعد رؤية ما سيتعرض له أهالي تكريت أول مدينة كبيرة يفقدها تنظيم الدولة الإسلامية.

المملكة العربية السعودية في “عاصفة الحزم” قدمت نهاية عملية للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، وهي نهاية للصفويين أيضا. وأصبح آيات الله يشعرون بإحباط كبير، فبعد أن كانوا ينتظرون نهاية الحرب على داعش لإعلان السيطرة على المنطقة، أصبحت تلك النهاية بداية لحرب جديدة مع تحالف دول كبيرة ضد العدوان الصفوي.

القضاء على الإرهاب يجب أن يأتي من السنة، إلا أنه مشروع يأتي من الدول السنية الغنية كدول مجلس التعاون الخليجي، فالدول الفقيرة تعتاش من مكافحة الإرهاب، ولا مصلحة لها بوجود مشروع من هذا النوع.

كاتب عراقي

9