ما بعد النقد السينمائي هنالك متسع للجمهور والمخرجين

المواجهة الموضوعية بين تحليل الفيلم والتعمق في بنائه الدرامي وعناصره الجمالية صارت ضرورة لا بد منها.
الأحد 2022/04/17
لم يسلم من سهام النقد

تنتهي مهمة السينمائي وصانع العمل الإبداعي السمعي – البصري بعد أن يقدم عمله إلى الجمهور العريض، هنا سوف تبدأ علاقة تفاعلية تبادلية بين الجمهور والعمل المعروض أمامه، ولن تشفع له أي تبريرات أو تأويلات للتغطية على السلبيات والمثالب والثغرات وتلك إشكالية مركبة.

هنالك من المخرجين من يرى نفسه وهو يحنو على عمله كما يحنو على ابنه الصغير، فلا يتقبل أن ينتقده أحد أو يهاجمه أحد، ولا يريد سوى المديح والثناء.

واقعيا إن هذا النوع الملتبس في العلاقة لا يمكن أن يوضع في خانة أنه سيكون في صالح العمل الفني إن لم يكن عبئا عليه.

الجمهور العريض مطالب بإبداء رأيه ومدى تفاعله وحماسته أو قبوله بشكل إيجابي أو الإحساس بشعور معاكس لن ينتج عنه بالضرورة كيل المديح والثناء للعمل المعروض على الشاشات كما يتخيل وينتظر بعض المخرجين.

وأما إذا عدنا إلى أصل العملية الاحترافية فإن الخلاصة منها ترينا أن الناقد السينمائي سوف يحقق علاقة حوارية معمقة بالعمل الإبداعي، لكن ليست هي علاقة الاطراء والمديح التي يبحث عنها بعض المخرجين لكي يمضي العمل في رحلته التجارية.

لكن في المقابل هنالك قدر من السلبية تجاه ردود فعل الجمهور الرافض أو المعترض أو غير الراضي على مستوى ما يشاهده، إذ يضيق صدر المخرج أو كاتب السيناريو مثلا عندما يتناهى إلى مسامعهم النقد أو تأشير السلبيات؟

في الفيلم الذي نعرض له في هذه الصفحة مثلا وهو “لعبة الوكيل” هنالك مؤشرات خلل وثغرات رغم أنه إنتاج سينمائي مهم وضم مجموعة من نجوم هوليوود، لكن هنالك ثغرات على صعيد الدراما الفيلمية والأحداث ولهذا لم يسلم هذا الفيلم من سهام النقد، بل إن أحدهم علق على أحداثه وعلى السيناريو والإخراج ومجمل العناصر الفنية بأن ذلك الفيلم لايستحق أكثر مما كتب عليه، وهو يشير بالنص إلى أن الفيلم قد تم “تمزيقه نقديا”.

هذا النوع من المواجهة الموضوعية بين تحليل الفيلم والتعمق في بنائه الدرامي وعناصره الجمالية صار ضرورة لا بد منها من أجل أن تكتمل الحلقة الإبداعية وتتكامل الرؤى النقدية، وبالتالي تتضح الصورة أمام الجمهور العريض في مسألة دور النقد والناقد السينمائي تحديدا، وهو مفصل ضروري وأساسي.

يشير لنا تاريخ السينما على سبيل المثال إلى أن تاريخا طويلا للنقد والنقاد قد واكبوا إنتاج الفيلم والخطاب السمعي البصري على مر عقود طوال، ولم نسمع عن ردود أفعال سلبية من مخرجين أو شركات إنتاجية لا تنظر بعين الرضا للآراء النقدية المتسائلة أو المنتقدة للعمل السينمائي.

لقد كرس ذلك التاريخ علاقة تفاعلية عميقة أثرت ذائقة المشاهد وعمقت وطورت من أساس جماليات الفيلم ولم تضعف دور المخرج ولا كاتب السيناريو بل قادتهم إلى ما هو أفضل وهي تجارب نضجت وتطورت حتى لا يمكن تخيل فيلم سينمائي بلا نقد ولا تحليل ولا قراءة جمالية معمقة وإلا بقي الفيلم تائها في دوامة غير واضحة المعالم.

كذلك الحال مع الجمهور العريض الباحث عن الفرجة الناضجة والمتميزة التي تستحق أن تمنحها وقتا أو أن تدفع من أجلها بالدخول إلى صالة العرض وإلا كيف يمكن تصور الفيلم بلا قواعد أساسية يرتكز عليها ويتم تسليط الضوء عليها من طرف النقاد الذين تصل مهمتهم في بعض الأحيان إلى أنهم يرون في الواقع ما لا يراه المخرج وكاتب السيناريو وهو الذي يفتح أذهان الجمهور على تلك المساحات غير المنظورة وبالغة الأهمية المرتبط بالفيلم.

14