ما بعد القضاء على تنظيم "داعش"

السبت 2015/11/28

القضاء على تنظيم “داعش” ربما يستغرق وقتا إضافيا لأن الجهات التي تستفيد من بقائه لا تزال بحاجة إليه، ولكن المشكلة المؤسفة هي حالة التيه التي تسلب عقول بعض الشباب وتصديقهم بأنه جماعة ذات عمق ديني تساعدهم في اكتشاف معان وقيم سامية، في الوقت الذي تنهار فيه قيم الدين بفعل السلوك الشاذ والغريب للتنظيم والذي يتعارض على الإطلاق مع أي أسس إنسانية فضلا عن دين الإسلام، فهناك الكثير من المفارقات التي تجعل من هذا التنظيم شكلا من أشكال المافيا الدينية المصنوعة دون أن يكون لها هدف أو غاية واضحة تنطلق من خلالها من مرجعيات من صميم الدين.

في أيرلندا، على سبيل المثال، كانت واضحة خطوط الجيش الجمهوري الأيرلندي، كما غيره من الجماعات والحركات ذات النزعة التحررية أو الفكرية والاستقلالية، حيث غالبا ما ينتهي الفعل الإرهابي بتفاوض سياسي منطقي كما حدث في الحالة الأيرلندية، ولكن على النقيض من ذلك كان في إيطاليا تنظيم الألوية الحمراء، وهذه حالة تقفز بنا مباشرة إلى الإرهاب والجريمة المنظمة، فليس من هدف حقيقي، ويمكن لأي إجرام جماعي أو منظم أن يستغل أدوات ووسائل تبدو، في ظاهرها، مشروعة للحصول على استقطاب المخدوعين والتمدد بعد ذلك، وذلك ينجح لوقت محدد ثم تحصل الضربة القاضية، غير أن تأخر الضربة القاضية لتنظيم “داعش” إنما هو عمل متعمد من القوى الدولية إذا نظرنا إلى مشروع الفوضى الخلاقة، حيث توجد بالفعل فوضى في المنطقة لم تستكمل أهدافها بعد أن حدث اضطراب وارتباك في الأجندة ما سمح ببقاء التنظيم فترة إضافية، وخرج الأمر عن السيطرة في ظل توسعه واستقطابه العشوائي للشباب من شتى أنحاء العالم.

وبالتأكيد ينبغي أن يدرس الأمر، ليس من منظوره السياسي أو حتى الديني وإنما من المنظور النفسي، إذ ما حاجة هؤلاء الشباب الصغار لكل هذا العنف؟ مع اليقين بأنه تم تضليلهم بالكامل، خاصة عندما نجد حالات حاولت الخروج من البوابة المسدودة ولم تنجح، فانتهى بها مقتولة على أيدي حراس بوابة التنظيم أو من خلال عمليات قتالية، وقليل من المحظوظين نجحوا في التسرب من دوامة العنف وكشفوا بعض التفاصيل المأساوية في تلك الدولة الإسلامية المزعومة، ولكن رغم ذلك لن يطول الوقت قبل أن يصبح التنظيم من الماضي لتبقى القضية في ما يتركه خلفه من مجتمعات ارتفعت لديها مستويات الكراهية وعدم الاحترام المتبادل وهي أمراض نفسية واجتماعية تحتاج سنوات لعلاجها.

فحين نفقد القدرة المنطقية على التعايش السلمي ليس هينا أن نعود إلى التقارب دون إزاحة الأحقاد ومخلفات مثل هذه الجماعات التي تحدث شروخا عقدية واجتماعية عميقة، وتؤسس لتباعد من الصعوبة – دون جهود مؤسسية – تسويته ومعالجته.

الآن بعد أن تطور عداء التنظيم وأصبح فالتا عن عقال الأجهزة الاستخباراتية فإنه أصبح تلقائيا تحت ضغوط الرأي العام في أكثر من بلد لأن إرهابه يضرب فيها، وذلك تبدأ معه نهاية التنظيم، ما يجعلنا نتجه فكريا إلى دراسة مرحلة ما بعد التنظيم وآثاره المدمرة، ولا يمكن التفكير في ذلك بعد آخر رصاصة وإنما منذ الآن، لأن المجتمع الدولي بأسره أصبح يقاتل التنظيم ولم يعد له فضاء يتحرك فيه، ولم يعد مجديا توظيفه لأي أهداف وأغراض أمنية أو إستراتيجية.

ومن الضروري التفكير في تشريعات وبرامج ومشروعات تمتص كل النتائج الكارثية، وتلك التي يمكن توقعها من نشوئه حتى لا تنتقل معنا إلى أجيال تالية في المستقبل، فقد مارس التنظيم تضليلا كثيفا خلال السنوات الخمس الماضية يحتاج إلى جهد مواز لوضعه في موقعه الجنائي وغير الإنساني الذي يليق به.

كاتبة سعودية

9