ماذا وراء زيارة بلينكن إلى بغداد

في زيارة وصِفت بالخاطفة لم تتجاوز ساعات محدودة ابتداء من هبوط طائرته في مطار بغداد وصعوده مرة أخرى بطائرة هليكوبتر أقلته إلى المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة العراقية بدل مواكب السيارات، كان الرجل يرتدي واقيا للرصاص وهو يقابل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والمسؤولين العراقيين.
زيارة اتسمت في مساراتها بالسرية ابتداء من موعد تحديد وصول الطائرة، وأخرى تتعلق بالاجتماع مع قيادات حكومية وسياسية قُدّر عددها بين ثلاثة وأربعة لقاءات كان بعضها غير مُعلن عنه.
زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد أتت على عكس الزيارات السابقة من قبل المسؤولين الأميركان التي كانت تتم وفق بروتوكولات خاصة. كان الاختلاف أن الزيارة رافقتها ثلاثة تدابير وقائية مع وجود تخوف من الجانب الأميركي في ظل تعالي الأصوات العدائية لموقف واشنطن من أحداث غزّة، وما يُراد هو إيصال رسالة شديدة اللهجة من قبل أميركا مضمونها ما يدور في غزّة من وجهة نظر أميركية، وما يحصل في العراق ولاسيما موقف الميليشيات المسلحة بالوقت الحالي وفي قادم الأيام، حسب تشخيص الرسالة من قبل ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي.
◙ قد تكون زيارة السوداني إلى طهران رغبة عراقية في أن تستخدم إيران نفوذها للضغط على الميليشيات لإبعاد العراق عن مسار الصواريخ
زيارة بلينكن التي فشلت في أهدافها كما يراها الإطار التنسيقي، كانت تحمل محاولات لخلق مرونة في الموقف العراقي، ودعم خطوات واشنطن في الأزمة والسعي إلى تجنيب قواعدها العسكرية أي عمليات قصف قد تستهدفها.
لا تخفي بعض القيادات السياسية وصفها الزيارة بالاستفزازية، في محاولة لتأزيم العلاقة بين الحكومة والفصائل المسلحة من خلال خلق حالة من الانقسام بين الحكومة وتلك الفصائل، عبر الرسائل وقنوات مختلفة وصلت إلى الطرفين، إلا أنها لم تحقق غاياتها حسب بعض المصادر السياسية، وقد يؤشر ذلك على تباين أو ارتباك في المواقف بين الأطراف في التعامل مع الحدث.
الزيارة التي تسببت بدعوة فورية من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لأتباعه بالخروج في تظاهرات إلى ساحة التحرير للتنديد بها، وحرق صور من أسماهم زعماء الإرهاب الدولي، في إشارات إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، تزامنت مع تهديد المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقي أبوعلي العسكري بغلق السفارة الأميركية بطرق خاصة غير سلمية.
من السيناريوهات المؤكدة وليست المحتملة، أن العراق قد دخل أو سيدخل في قريب الأيام كطرف في حرب غزّة، خصوصا مع وجود نيّة كما تؤكد بعض المصادر لدى واشنطن لاستخدام قاعدة عين الأسد التي تتمركز فيها قواتها لتكون إحدى نقاط الانطلاق العسكري والإسناد الجوي لإسرائيل والرفض العراقي لذلك السيناريو.
◙ بعض القيادات السياسية لا تخفي وصفها الزيارة بالاستفزازية، في محاولة لتأزيم العلاقة بين الحكومة والفصائل المسلحة من خلال خلق حالة من الانقسام بين الحكومة وتلك الفصائل
الزيارة التي حملت بين ثناياها العصا والجَزَرَة للعراقيين يبدو أن ما خفي منها أكثر مما أعلن، خصوصا مع رسالة بلينكن من بغداد والموجهة إلى من يهدد المصالح الأميركية بقوله “لا تفعلوا ذلك”.
استقراء الأحداث يؤكد أن وعيد بلينكن لن يكون له أثر في تخطيط ونيّة الميليشيات العراقية في استهداف المصالح الأميركية، بل ربما سيزيد ذلك التهديد في قادم الأيام بحجمه وكثافة تلك الهجمات، في ظل اتساع مساحات الحرب وتصاعد الفجوة بين حديث الحكومة الذي يتسم بالدبلوماسية، مع استمرار إطلاق صواريخ الميليشيات على المواقع الأميركية في العراق وسوريا، مدعومة بتصريحات مؤيدة حتى من أطراف مقربة من الحكومة.
قد تكون زيارة السوداني إلى طهران رغبة عراقية في أن تستخدم إيران نفوذها للضغط على الميليشيات لإبعاد العراق عن مسار الصواريخ.
العراق الضائع بين إرادة حكومية لتجنب البلد آثار عواقب ما تهدد به حكومة بلينكن العراقيين، وبين من يرى في التصعيد العسكري في ضرب المصالح الأميركية بالصواريخ استجابة لوحدة الساحات التي يُنادى بها، وهو ما سيضع حكومة السوداني في حرج كبير، وهذا ما سيرسمه المشهد المفتوح في نهايته.