ماذا بعد الانتخابات المبكرة

أصبح من الواضح أن قبول الإطار التنسيقي الحاكم لإجراء انتخابات مبكرة في العراق قد يكون أقصاها بداية عام 2025 كما تتحدث عن موعدها دهاليز غرف السياسة في المنطقة الخضراء، لم تأتِ من حاجة منظومة سياسية إلى تصحيح مسارها نتيجة الفشل العارم الذي أوقعها في قاع صفصف من الانهيار والفوضى، بل لمتغيرات سياسية قد تعصف بالعملية السياسية وتحيلها أنقاضاً أو أطلالاً لا تجد من يبكي عليها. وفي حين ترى النُخب السياسية أن خطوة الإعلان عن الانتخابات المبكرة ستؤدي إلى تغيير في معادلة الواقع السياسي، بعكسه يرى الجمهور العراقي أن الانتخابات المبكرة ستزيد من التأزم الذي ينتقل إلى الشارع وتكون من أسلحته دماء وضحايا وتصفية حسابات بين المرشحين.
يتسرب حديث من داخل أروقة السياسة أن فكرة الانتخابات المبكرة أصبحت واقع حال بسبب الهزات السياسية التي تعصف بالبلاد وتجعلها تتجه نحو الإغلاق السياسي، كقرار الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني مقاطعة الانتخابات البرلمانية في الإقليم المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران 2024 احتجاجاً على قرارات المحكمة الاتحادية تجاه الإقليم وتراجعه عن القرار بعد لقاء السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي بطريقة المُجبر وليس المُخيّر.
عامل التهدئة الذي تسعى إليه أميركا خصوصاً في الوقت القادم والمتبقي قبل انتخاباتها المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري لا يسمح بالمزيد من الاضطراب والفوضى في العملية السياسية في العراق والذي قد يؤثر على نتائج تلك الانتخابات أو يجر إلى المزيد من التوتر في المنطقة.
◙ في حين ترى النُخب السياسية أن خطوة الإعلان عن الانتخابات المبكرة ستؤدي إلى تغيير في معادلة الواقع السياسي، بعكسه يرى الجمهور العراقي أن الانتخابات المبكرة ستزيد من التأزم الذي ينتقل إلى الشارع
انسحاب الكرد من العملية السياسية سبقه انسحاب الفائز الأول مقتدى الصدر من تشكيل حكومة الأغلبية، مما أوحى إلى ضرورة إيجاد منفذ للمأزق الذي تسير إليه العملية السياسية.
تعديل قانون الانتخابات الذي تؤيده أغلب قوى الإطار التنسيقي ومنهم نوري المالكي لغلق الأبواب أمام ترشيح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لولاية ثانية ومحاولة للتقرب من مقتدى الصدر لإغرائه في دخول السباق الانتخابي القادم تحت ذريعة تعزيز فرضية التوازن في المكوّن الواحد.
محاولة التبكير بالاقتراع الذي بدأ يعلو صداه لدى بعض الأحزاب والكتل التي كانت ترفضه في الأمس القريب، وجدت فيه الملاذ للتخلص من هيمنة أطراف جديدة بدأت تفرض شعبيتها على الشارع العراقي، وتصاعد الخلاف بين تلك الأطراف مما يؤكد أن السوداني قد دخل بالفعل في مواجهة حامية مع قادة الإطار التنسيقي بعد مؤشرات على منافسة مرتقبة في الانتخابات النيابية المقبلة قد تتطور إلى تضييق الخناق عليه في منصب المسؤول التنفيذي الأول، والذي استبق ذلك العمل ضمن نطاق الجمهور والشارع العراقي والرهان على المقبولية والرضا لدى الجانب الأميركي، خصوصاً بعد محاولات ثني الفصائل المسلحة عن استهداف القواعد والمصالح الأميركية، وذلك اللقاء المرتقب مع الرئيس الأميركي جو بايدن في الخامس عشر من نيسان/أبريل بالبيت الأبيض، مما يؤكد فرضية أن السوداني قد يغادر سِرب الإطار التنسيقي للتحليق منفرداً في قائمة انتخابية منفردة.
حديث نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون في حوار تلفزيوني بالقول “إن بناء جسر أو شارع لا يعني ولاية ثانية” في إيحاء إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يختزل الكثير من الصراع القادم بين قيادات الإطار التنسيقي التي تجد في الانتخابات المبكرة حلاً لمشاكلها، لكن متى كانت الانتخابات حلولاً لمشاكل العراق المستعصية أكثر والتي لا تعدو في كونها تأجيلا للأزمات إلى إشعار آخر؟ والأهم هو ماذا سيتغير من الواقع لو أُجريت على أرضه الانتخابات المبكرة؟ سؤال ستجدون إجابته المؤكدة في عيون أبسط مواطن يعيش أحلك أيامه، ولسان أيّ فقير أو معدوم ليقول إنها مجرد هُراء وسفسطة وصداع رأس.