مأزق البيت الشيعي

التكالب على تشكيل الحكومة بين أطراف العملية السياسية وخاصة بين أعلام وعتاة الطائفيين في البيت الشيعي هو تكالب على الامتيازات والنفوذ، وهو التكالب على ضمان مستقبل كل طرف.
الثلاثاء 2022/02/01
تكالب البيت الشيعي على الامتيازات والنفوذ

البيت الطائفي السياسي الشيعي يعيش أحلك أيامه. فكل الأهازيج وإطلاق أبواق الفرح بُعيد انتصاراته على داعش والتبجيل والتقديس لميليشياته التي تجمعت تحت مظلة الحشد الشعبي، والتغول سياسيا ودعائيا في انتخابات مايو 2018، كلها تحطمت على صخرة انتفاضة أكتوبر، وها هو يلملم أشلاءه ويعد خسائره ويحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد انتخابات أكتوبر عام 2021.

أربعون مليون إنسان أسرى حفنة من الطفيليين واللصوص والسراق، وقسم منهم قتلة ومجرمون محترفون وأياديهم ملطخة بدماء المئات الذين سقطوا في انتفاضة أكتوبر برصاص قناصيهم وكواتمهم وسكاكينهم. وفي كل أزمة سياسية تشتد مدياتها وتهز سلطتهم، يشعلون إما حربا أهلية أو حربا على كل من يعارضهم باسم الحرب على الإرهاب، أو يقومون بتحضير الأرواح في أروقة المخابرات الإيرانية والغربية والتركية كي تجدد إنتاج وجودهم غير الشرعي وتحت عنوان الحرب على داعش. وعندما تلفظهم الجماهير في انتفاضة عارمة تطيح بهم وتهتف “كلهم يعني كلهم”، يرفع قسم منهم لواء “المقاومة والممانعة” والآخر يرفع شعار الإصلاح تارة ومرة الدفاع عن الوطن وعندما تضيق الأمور به يرفع شعار الدفاع عن الإسلام وعن الطائفة. وهنا لا بد من القول في شعار الجناح الأول في البيت الشيعي (أي المالكي – العامري – الفياض – الخزعلي) وهو محور المقاومة والممانعة، بأنهم على حق، فهم من الناحية العملية والفعلية يقاومون (لاحظ تسخير مفردة المقاومة)، أي انتفاضة الجماهير برفضهم ورفض الانتخابات وكل العملية السياسية، ويمتنعون (الممانعة) عن الرحيل بعمليات القتل والاغتيالات والاختطاف. أي بعبارة أخرى، المقاومة هي مقاومة الجماهير، والممانعة هي الامتناع عن الرحيل عن السلطة.

التكالب على تشكيل الحكومة بين أطراف العملية السياسية وخاصة بين أعلام وعتاة الطائفيين في البيت الشيعي، هو تكالب على الامتيازات والنفوذ، وهو التكالب على ضمان مستقبل كل طرف. بيد أن ذلك التكالب يجري تحت عناوين وشعارات كاذبة وخادعة. فتحت عنوان “الأغلبية” يريد الصدر من تصفية معارضيه قضم الامتيازات والنفوذ السياسي لمنافسيه، والأهم من كل ذلك خلع أنيابه عن طريق احتواء أو حل أو كما قال مؤخرا الصدر إعادة تنظيم ميليشيات الحشد الشعبي، في حين يدرك الطرف الآخر، أي المالكي – العامري – الفياض – الخزعلي وجناحهم المسلح الحشد الشعبي من خطورة المؤامرة التي حيكت ضدهم، وحيث تم استدراجهم للانتخابات لقص أجنحتهم وترويضهم لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق والمنطقة. لقد بلعوا الطعم بدراية ووعي لأن انتفاضة أكتوبر قطعت الطريق أمامهم. ولذلك نؤكد من جديد أنه لا استراتيجية أمام هذا الجناح الذي يلعق جراحه غير خلق الفوضى الأمنية. وعليه لا يحتاج إلى الكثير من العناء كي نعرف ما سر تزايد معدل نشاط عصابات داعش وجرائمها في عدة مناطق من العراق بعد سحقها في الموصل والرقة. وبين هذا وذاك، لا بصيص أمل بتراجع الثالوث القومي – الإسلامي الجديد (الصدر – الحلبوسي – البرزاني) بالمضي قدما بقص أجنحة الأصحاب الأصلاء في البيت الشيعي. فتجديد الوجود والهوية يكون باستهداف مطارات أربيل أو بغداد أو الاستعراض العسكري هنا وهناك وتظاهرات باهتة خالية من الطعم والرائحة، وكل ذلك للحيلولة من أجل تعديل ميزان القوى قليلا لانتزاع بعض التنازلات والحفاظ على بقائه السياسي وامتيازاته.

اليوم ليس أمام البيت الشيعي المتهرئ إلا أن يهدم وأن يتحول مكانه إلى متحف يذكر الأجيال القادمة بالجرائم التي حيكت ضد الأغلبية المطلقة لجماهير العراق

أما “الإصلاح” الذي يتحدث عنه الصدر هو إصلاح المناصب الحكومية والاستحواذ على نصيب الأسد من الحكومة والمناصب الخاصة وتقليم أظافر المؤسسة الأمنية التي يسيطر عليها الجناح المنافس. بمعنى آخر أن إصلاح الصدر ليس له أية علاقة بإعادة قيمة العملة المحلية وزيادة المعاشات والرواتب وتوظيف العاطلين عن العمل وإعادة الطبابة المجانية والضمان الصحي والوهج إلى التعليم في المدارس الحكومية، وإيقاف توزيع الرشاوى والهبات من الموازنات السنوية على المؤسسة الدينية مثل الوقف الشيعي والسني… إلخ. في حين يعني شعاره “عدم التبعية”، تحريك المشاعر المعادية لجماهير العراق لسلطة الإسلام السياسي الشيعي المدعوم من الجمهورية الإسلامية في ايران، وقد عبرت عنها خلال انتفاضة أكتوبر بحرق صور كل رموز الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحرق مقرات الأحزاب الإسلامية في مدن جنوب العراق، وبالتالي محاولة للتلويح والتهديد بالشارع إذا ما لم يرضخ تحالف فتح – المالكي – الفياض لشروط مقتدى الصدر.

إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني ومحمد الكوثراني مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني فشلا فشلاً ذريعا في العراق أثناء زيارتهما الأخيرة كمحاولة لرأب الصدع في البيت الشيعي. ولأول مرة يشعر ملالي إيران أنهم يخسرون نفوذهم في العراق، وأن المشاعر الطائفية الكاذبة التي ضخوا لها كل أشكال السموم والأموال والمأجورين عشية غزو واحتلال العراق وبدعم السياسات الأميركية التي قسمت العراق سياسيا إلى البيوت النتنة الممتلئة بخيوط العنكبوت من الشيعي والسني والكردي تتبدد أمام فسادهم ونهبهم وإجرامهم وبالتالي صراعهم على السلطة.

واليوم ليس أمام البيت الشيعي المتهرئ إلا أن يهدم وأن يتحول مكانه إلى متحف يذكر الأجيال القادمة بالجرائم التي حيكت ضد الأغلبية المطلقة لجماهير العراق؛ بدءا بإضفاء الشرعية على غزو واحتلال العراق ومرورا بالحرب الأهلية الطائفية عام 2006 ثم التمهيد لسيناريو داعش واستغلاله للتغول السياسي وترسيخ سلطة الميليشيات وانتهاء بأعمال القتل التي ارتكبت ضد نشطاء انتفاضة أكتوبر، أو محوه بالكامل وتكليف عدد من أقلامهم المأجورة بإعادة كتابة تاريخ ذلك البيت مثلما أسلافهم بتزوير كل التاريخ الإسلامي، ومحو سنوات إجرامهم والبدء من تاريخ رفع شعار المقاومة والممانعة خلال أيام انتفاضة أكتوبر وقصفهم للمنطقة الخضراء.

حكومة الأغلبية والإصلاح وعدم التبعية هي عناوين تنافس شعارات الجناح الآخر في البيت الشيعي وهو المقاومة والممانعة، وعناوين أو شعارات كلا الطرفين يراد من ورائها استهداف جيوب العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل، وعندما يغضب الأخير من الأول، فإشعال الفوضى الأمنية هي استراتيجيتهم. وليس هذا فحسب بل إن كلا الجناحين ليس لديهما أية أجندة اقتصادية واجتماعية في العراق سوى أنهما امتداد لداعميها من الدول الإقليمية والإمبريالية العالمية.

وبالتالي ليس في جعبتهم شيئا يقدمونه إلى المجتمع غير تلك الشعارات، وإذا لم تسنح الفرصة لانتفاضة أكتوبر بكنسهم، فهناك انتفاضة أخرى تنتظرهم، فأكثر من 82 في المئة من العراقيين قالوا كلمتهم في انتخابات 2021.

8