مآل قانون المصالحة الاقتصادية والمالية في تونس

الثلاثاء 2015/09/01

يعد موضوع المصالحة الوطنية موضوعا حساسا تجمع كل القوى السياسية والمدنية والحقوقية في تونس حول ضرورته لتجاوز الماضي وبناء تونس الجديدة. ولكن تختلف الرؤى والأطروحات حول منهج تحقيق هذه المصالحة. ومن أجل هذه الغاية وقع بعث هيئة الحقيقة والكرامة، بدعم وتوظيف من قبل حركة النهضة، بمقتضى قانون عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.

وكان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد تحدث لأول مرة عن مشروع المصالحة الوطنية في 20 مارس 2015 بمناسبة إحياء الذكرى 59 لاستقلال تونس. ثم جسد السبسي حديثه في قانون للمصالحة الاقتصادية والمالية اقترحه في 14 يوليو 2015 الماضي وصادق عليه مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسته في اليوم نفسه. وبرر السبسي مشروعية القانون بكونه سيساهم في تشجيع الاستثمار، بينما يرى فيه المجتمع المدني والمعارضة السياسية والبرلمانية والاتحاد العام التونسي للشغل مصالحة مع الفساد وإهدارا للعدالة وتغييبا للقضاء وسطوا على مهام هيئة الحقيقة والكرامة الدستورية التي من وظائفها تحقيق العدالة الانتقالية.

يطالب المشروع بتوقيف المحاكمات والعقوبات بحق الموظفين المتعلقة بفساد مالي وباعتداء على المال العام. والقانون، لو تمت المصادقة عليه سيستفيد منه حوالي 400 من كبار موظفي الدولة، و200 رجل أعمال تعلقت بهم قضايا فساد في عهد بن علي.

هذا القانون مررته الحكومة إلى لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب قبل أن يتم عرضه على الجلسة العامة لمناقشته في الأيام المقبلة. وقد كانت الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب قد خصصت شهري يوليو وأغسطس لمناقشة حزمة من القوانين المالية والاقتصادية. فبعد أن أنهت الجلسة العامة المصادقة على قانون المالية التكميلي وقانون رسملة البنوك العمومية الثلاثة، تناقش مشروع قانون المنافسة التجارية والاقتصادية الذي يمر دون ضجيج رغم خطورته لأنه يثير في أثنائه قضية مقاومة التهريب، وفيه تظهر الإملاءات الأجنبية المطالبة بإصلاحات جبائية وإدارية محددة تؤمن مصالح رأس المال الأجنبي.

ثم ستعرض الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب في الأيام القادمة قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي اقترحه رئيس الجمهورية وصار موضوعا لجدل كبير قائم اليوم في تونس. ويجد قانون المصالحة الاقتصادية والمالية المقترح دعما لا مشروطا من قبل حركتيْ نداء تونس والنهضة ومن قبل كتلتيهما البرلمانيتين. فالقانون يبدو أنه محل اتفاق بين الرئيس السبسي وبين حليفه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي كشف خلال الأسبوع الماضي موقفه وموقف حركته الداعم لهذا القانون. وقال إن حركة النهضة كانت قد حاولت تنفيذ هذا القانون أثناء حكم الترويكا ولكنها فشلت في ذلك.

ويعول النداء والنهضة على أغلبيتهما البرلمانية للمصادقة على القانون. وللتذكير فقد تمكن الائتلاف الحاكم بفضل أغلبيته المطمئنة من تمرير كل قوانينه إلى حد الآن، مهما كان الجدل المثار حولها مثل قانون رسملة البنوك العمومية، وقانون التعويض لأصحاب النزل السياحية، وقوانين القروض المشروطة من المؤسسات العالمية المانحة.

بينما شكلت المعارضة البرلمانية لجنة تتكون من نواب يمثلون كل أجنحة المعارضة للتصدي للقانون. وعقدت اللجنة ندوة صحفية يوم 7 أغسطس 2015 أعلنت فيها أنها ستتولى الطعن في دستورية القانون. إلى جانب هذا النضال الدستوري هناك أيضا النضال السياسي، فقد رفعت المعارضة السياسية من وتيرة نضالها ضدّ هذا القانون مهددة بالنزول إلى الشوارع معلنة رفضها تمرير هذا القانون بأي شكل.

ومن المواقف التي كانت منتظرة من قانون المصالحة موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أصدر بيانا يرفض قانون المصالحة الاقتصادية والمالية المقدم بصيغته الحالية إلى مجلس نواب الشعب ودعا إلى سحبه من لجنة التشريع قبل عرضه على الجلسة العامة لمناقشته. علل الاتحاد رفضه لهذا القانون بأنه يفتقر إلى الأرضية الملائمة، إذ لابد من الاتفاق على تحديد منوال التنمية المناسب لتونس قبل الحديث عن قانون اقتصادي حتى ولو كان قانونا للمصالحة.

المهم أنّ قانون المصالحة الاقتصادية والمالية بصيغته الحالية يحشد صفوف خصوم التحالف الحاكم ومعارضيه سياسيا ومدنيا، وقد يهدد استقرار تونس وأمنها الاجتماعي لو تم تمريره دون حد أدنى من الوفاق، ودون تعديل لفصوله الخلافية المتعلقة بمفهوم المصالحة وبأولوية تحقيق العدالة على الاستثمار، وبالجمهور المستفيد من هذا القانون. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هو لماذا يصرّ رئيس الجمهورية على الاكتفاء بالتنسيق مع حليفه في الحكم رئيس حركة النهضة؟ لماذا يكتفي السبسي بالأغلبية النيابية بديلا عن الوفاق الوطني الذي كان هو وحزبه من أكبر المستفيدين منه؟

كاتب وباحث سياسي من تونس

8