ليفا مدهش.. ليفا ليس أسطورة بعد

الأحد 2017/01/22

كثيرا ما يجود الزمان في عالم الرياضة وكرة القدم خاصة، بلاعبين موهوبين واستثنائيين بل عباقرة، لكن هذا الزمان يحكم عليهم بأن يرتبطوا بمنتخبات تكون أحيانا ضعيفة وليست لديها القدرات الكفيلة بالوصول إلى القمة، أمثال هؤلاء اللاعبين كثر، ومنهم النجم السويدي البارع زلاتان إبراهيموفيتش الذي يعتبر منذ سنوات أحد أقوى وأشهر وأبرز المهاجمين في العالم.

“إبرا” حقق عدة ألقاب مع الأندية التي لعب لها، لكنه لم يتذوق طعم التتويج مع منتخب بلاده، وثمة أيضا من أكسب منتخب بلاده لون النجاح والتألق مثل الروماني جورج هاجي أو “مارادونا” أوروبا الذي حوّل المنتخب الروماني في حقبة التسعينات من القرن العشرين من مجرد منتخب يكمل عدد المتنافسين فحسب، إلى منتخب قويّ حقق نتائج خلدها التاريخ وخاصة في مونديال 1994، وثمة أيضا البلغاري هريستو ستويشكوف نجم برشلونة السابق الذي قاد منتخب بلاده في تلك الحقبة أيضا إلى أعلى المرات العالمية، لكن بمجرد اعتزال هاجي وستويشكوف، غاب منتخبا رومانيا وبلغاريا في الزحام، وأضحيا بلا قوة ولا أيّ محرك يقودهما نحو الأمام.

اليوم، بل ومنذ سنوات قليلة، أمكن لمدرسة أوروبا الشرقية أن تنجب نجما رائعا وقويا لا يشق له غبار، نجم عبقري وهداف بالفطرة استطاع أن يشغل الناس ويملأ الدنيا أهدافا ويسعد كافة متابعيه وأنصار فريقه، لعب في أحيان عديدة دور المنقذ ودور الهداف الخارق والرسام البارع في عالم تدوير الكرة وهز الشباك، إنه البولندي روبرت ليفاندوفسكي مهاجم بايرن ميونيخ الألماني وهدافه الأول.

في بداية مسيرته الرياضية لم يكن لاعبا معروفا، حيث نشط مع فرق بولندية ليس لديها أيّ صيت في أوروبا، لكن سنة 2010 اكتشفه نادي بوروسيا دورتموند، حيث انتبه كشّافو هذا الفريق إلى براعة اللاعب وحاسته التهديفية الاستثنائية، وبسرعة انتقل اللاعب الموهوب والمغمور إلى دوريّ أكثر قوة وطموحا.

نضج ليفا سريعا، وبدأ يشق بسرعة البرق طريق النجاح، ليساهم في حصول فريقه على بعض الألقاب وأهمها لقب الدوري الألماني في موسمين متتالين، وساعده أيضا على الوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، لكن الفريق خسر أمام “الغريم” بايرن ميونيخ.

بعد أربعة مواسم مليئة بالنجاحات والأهداف والتألق اللافت، نجح “غريم” الأمس في إغوائه، حيث لم يجدّد ليفاندوفسكي عقده مع بوروسيا تمهيدا لانتقاله إلى البايرن وهو ما حصل سنة 2014، ليزيد طموح اللاعب وتكبر أحلامه ويكرّس مكانته ضمن أقوى وأفضل المهاجمين ليس في ألمانيا فسحب، بل وفي أوروبا.

تأقلم ليفا مع الفريق البافاري لم يكن صعبا، فبحكم لعبه طيلة أربع سنوات مع بوروسيا دورتموند وبحكم الجوار بين بلده بولندا وألمانيا، فإنه اندمج بسرعة مع الفريق وقدم أوراق اعتماده، ليواصل ممارسة هوايته في تسجيل الأهداف إلى درجة أنه سجل ذات مباراة خلال الموسم الماضي خمسة أهداف كاملة في مباراة واحدة، بل في ظرف لا يتجاوز تسع دقائق.

لقد توّج على العرش في الفريق البافاري وبات رقما صعبا فيه، بما أنه كان بمثابة القاطرة التي تقود زملاءه نحو الأمام، بفضل أهدافه الحاسمة وقدرته الفائقة على مغالطة المنافسين.

في نهاية الموسم الماضي وفي آخر محطة للمدرب الإسباني غوارديولا مع البايرن ساهم ليفاندوفسكي في مواصلة فريقه بسط نفوذه محليا، لكن رغم ذلك ظل حلم الحصول على لقب دوري الأبطال عصيا على ليفا والبايرن.

في الموسم الحالي حافظ المهاجم البولندي على سالف تألقه وإشعاعه، حيث سجل 16 هدفا بالتمام والكمال في 17 مباراة، متربعا على عرش صدارة الهدافين بمعية نجم فريقه السابق بوروسيا أوباميانغ، لكن ثمة حقيقة بدت تتضح من مباراة إلى أخرى وتتمثل في أن هذا اللاعب ليس مجرد هداف فقط، بل هو “سوبرمان” الفريق ومنقذه في الأوقات الصعبة، وما حصل مساء الجمعة الماضي في ملعب فرايبورغ يؤكد ذلك، بما أن “الليفا” قلب الطاولة على المنافس وسجل هدفين حاسمين منحا بهما نقاط الفوز للبايرن.

يملك هذا اللاعب حاسة تهديف غير عادية، فمن أنصاف الفرص يقدر على مباغتة أعتى الدفاعات وأقوى الحراس، الأمر الذي جعله “مطمعا” وحلما لكل الفرق القوية الأخرى، وأبرزهم على الإطلاق ريال مدريد الذي يبدو أن إدارته مستعدة لتقديم الغالي والنفيس من أجل الظفر بخدمات المهاجم البالغ من العمر 28 ربيعا، بيد أن إدارة البايرن لم تلق أيّ بال لكل الإغراءات، فهي لن تقبل بالتفريط في “ديكها الذي يبيض أهدافا ذهبية”.

في المقابل، هل يمكن القول إن هذا اللاعب قادر على تخليد اسمه ضمن أساطير اللعبة على مرّ التاريخ؟ الإجابة عن سؤال كهذا قد لا تحتاج إلى الكثير من التأمل والبحث، لأن الانتماء إلى نادي الأساطير يتطلب تحقيق إنجازات خرافية أشبه بالمعجزات، في هذا السياق يحق لمارادونا وبيليه وزيدان وبوفون وهاجي وستويشكوف وغيرهم كثر الولوج إلى هذا النادي على الرحب والسعة، لكن الوقت لم يحن بعد أمام روبرت ليفاندوفسكي كي تتم تسميته ضمن هذه القائمة، لأن من الشروط الأساسية لهذا النظام هو تحقيق إنجازات خرافية، وخاصة على الصعيد الدولي مع المنتخبات.

ربما يبدو ليفاندوفسكي مؤهلا أكثر من غيره لتحقيق هذا الإنجاز بما أنه النجم الأول والأبرز والمحور الذي يدور حوله منتخب بولندا، وبالتالي يتعين عليه أن يعوض خيبة يورو 2016، وينجح في تأهيل منتخب بلاده إلى مونديال 2018 ثم تحقيق نتائج باهرة، حينها يمكن أن يكتمل قمر الليفا، ويحق له أن يكون ضمن معشر العباقرة والأساطير.

كاتب صحافي تونسي

23