ليبيا في نادي الدكتاتوريات بعد 13 عاما من ثورة فبراير

المال والسلاح والحمية القبلية تمنع تشكيل مسار ديمقراطي.
السبت 2024/02/24
هشاشة الوضع الأمني تعرقل الانتقال الديمقراطي

يعزو مراقبون فشل المسار الديمقراطي في ليبيا بعد ثورة فبراير 2011 إلى عدة عوامل أهمها المال السياسي والسلاح والحمية القبلية والمناطقية. ومن دون التغلب على هذه الظواهر لن تغادر البلاد خانة الدول الدكتاتورية.

طرابلس - حافظت ليبيا على موقعها في نادي الدكتاتوريات رغم مرور 13 عاما على إطلاق الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي بعد رفعها شعار بناء الديمقراطية والقطع مع حكم الفرد وحقبة الاستبداد السياسي.

وبحسب مؤشر الديمقراطية لسنة 2023، الذي أصدرته مؤخرا وحدة الاستخبارات التابعة لمجموعة “إيكونوميست” الدولية، حلت ليبيا في المرتبة 157 عالميا إلى جانب الجزائر، وهو ما يشير إلى فشل النخب السياسية في تشكيل مخطط واقعي لتكريس مسار ديمقراطي في البلاد.

واعتبر رئيس حزب التغيير جمعة القماطي أن ثورة فبراير نجحت في مهمة إنهاء الدكتاتورية، ولم ينجح الليبيون في المشروع الأهم وهو بناء دولة ديمقراطية.

وتقول بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها تسخر جهودها دعما لمؤسسات حكومية موحدة ومنتخبة وشرعية وفاعلة، وسعيا لتحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة في ليبيا من خلال دعم الحوار الليبي – الليبي وتعزيز العمل مع الأطراف الإقليمية لمساعدة القادة الليبيين على تجاوز خلافاتهم والعمل من أجل إعادة توحيد المؤسسات الليبية.

أبوبكر خليفة أبوبكر: الاستقرار في ليبيا مرتبط بنجاح العملية الديمقراطية
أبوبكر خليفة أبوبكر: الاستقرار في ليبيا مرتبط بنجاح العملية الديمقراطية

لكن المجتمع الدولي مازال منذ 2011 يراوح مكانه في الحديث عن مسار ديمقراطي تعددي في ليبيا، وهو المسار الذي تحول إلى انقسام عسكري وسياسي وحكومي واجتماعي، إلى درجة أن الهدف الأممي أصبح العمل على تلافي المزيد من الانقسام بدل الاتجاه الى تحقيق المعادلة الديمقراطية في مجتمع لم يكن متهيئا لها.

ولا يمكن للمراقبين تجاوز المشهد الليبي دون الوقوف عند جملة من المعطيات المهمة، من بينها ظهور الدكتاتوريات الناشئة المعتمدة على المال والسلاح والحمية القبلية والمناطقية، والتي باتت تمتلك كل مقومات السيطرة على المجتمع بتحالفات من داخلها وحولها مع أصحاب المصالح المالية والاقتصادية والسياسية سواء على الصعيد الداخلي أو على النطاقين الإقليمي والدولي.

وهي تعتمد في جانب من تحركاتها على الميليشيات والمرتزقة والتدخلات الخارجية بما يزيد من تعقيد الأوضاع في البلاد.

ويبدو واضحا أن الدكتاتوريات تستند على قوى نافذة اجتماعيا كوجهاء وأعيان المدن والقبائل، وكذلك المؤسسات الدينية التي تحكم سيطرتها على المجتمع وتعمل على تشكيل صورته المنغلقة وقطع الطريق أمام محاولات انفتاحه وخنق الحريات العامة والفردية وخاصة ما تعلق منها بالجوانب الدينية والروحية والثقافية.

وبمناسبة الذكرى الـ13 للسابع من فبراير منعت دار الإفتاء بزعامة الصادق الغرياني تنظيم حفل فني كبير في ميدان الشهداء ودفعت برئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى الخروج بنفسه للإعلان عن تنظيم فعاليات “ليلة الحمد” التي تذكّر بمذبحة مروعة في منطقة أبوسليم الظهرة.

وترى دراسة أعدتها منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” أن الانتخابات بالرغم من إيحائها بالديمقراطية أدت، على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، في ليبيا إلى تأجيج العنف والانقسام والمزيد من الصراع بسبب عيوبها.

ومع ذلك، لا تزال الأمم المتحدة والقوى الغربية تعتبرها الحل للأزمة السياسية التي لا نهاية لها في ليبيا، فيما تلوح حالة من عدم اليقين بشأن جدوى إجراء انتخابات حرة ونزيهة حقًا في البلاد، نظرا للشكوك حول الالتزامات السياسية والديمقراطية للشخصيات الرئيسية؛ فمن ناحية، عبدالحميد الدبيبة، رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، وحلفاؤه في المجلس الأعلى للدولة، ومن جهة أخرى القوات العسكرية بقيادة خليفة حفتر وحلفائه في مجلس النواب في الشرق.

وتستنتج الدراسة أنه بدلا من أن تكون الانتخابات حلا ناجعا، فإنها قد تؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار وتعميق الانقسامات القائمة والوقوع فريسة للمفسدين، ما يعيق المسار المراوغ إلى المصالحة الوطنية.

ويقول مراقبون إنّ إجراء انتخابات بمشاركة قوى متصارعة (ومسلحة) تتنافس على المزايا قبل الانتخابات من شأنه أن يؤدي إلى احتداد الانقسامات بين الفصائل والاضطرابات في ليبيا.

وتقف الأحزاب المعرقلة على أهبة الاستعداد لعرقلة وتقويض أي عملية انتخابية، في حين تواجه ضغوطًا دولية محدودة. كما أن الانقسامات المستمرة دوليا بشأن ليبيا، بين القوى العالمية والإقليمية، تقلل من احتمال قيام المجتمع الدولي بفرض اتفاق على سلطة تنفيذية موحدة ومقبولة في البلاد للإشراف على أي انتخابات، وفق الدراسة.

وانطلاقا من هذه الرؤية لم تكن القوى الغربية، التي اندفعت في عام 2011 إلى الإطاحة بنظام القذافي في سياق مشروعها لتغيير المنطقة امتدادا لما حدث في العراق عام 2003، مطلعة على طبيعة المجتمع من داخله، وإنما كانت تتعامل مع السطح بالاعتماد على المعطيات التي روجت لها المعارضة بشقيها الديني والليبرالي، والتي انتهت فاعليتها عقب سقوط الأقنعة وبروز التحديات الحقيقية.

ويشير محللون إلى أن أغلب المبشرين بالديمقراطية الغربية اختفوا، وظهرت موجة من الراكبين على الأحداث والموهوبين في استغلال الفرص سواء في شرق البلاد أو في غربها، لتتصدر مراكز الحكم والقرار والمشهد السياسي طبقة غير مهتمة بالديمقراطية ولا تعد بتبنيها، وإنما تعد فقد بضمان مصالح القوى المؤثرة داخليا وخارجيا وتمكينها من نصيبها من الغنيمة في بلد ثري يقع في موقع مهم على خارطة العالم.

الأحزاب المعرقلة تقف على أهبة الاستعداد لتقويض أي عملية انتخابية، في حين تواجه ضغوطًا دولية محدودة
الأحزاب المعرقلة تقف على أهبة الاستعداد لتقويض أي عملية انتخابية، في حين تواجه ضغوطًا دولية محدودة

وقد أدى هذا الوضع إلى فشل كل محاولات تنظيم انتخابات سواء في 2017 و2018 على ضوء اتفاقية الصخيرات الموقعة في ديسمبر 2015 أو في 2021 و2022 و2023 انطلاقا من مخرجات الحوار السياسي الذي انطلق من تونس في نوفمبر 2020 وجاء لاحقا بالسلطات الحالية في ظروف شديدة الغموض، وخاصة في علاقة بالمال السياسي والفساد من داخل المنظومة التي شكلتها الأمم المتحدة والتي تبين أنها مخترقة من قبل المتصارعين على الحكم خارج نطاق إرادة الجماهير.

ويرى المحلل السياسي والباحث الأكاديمي الليبي أبوبكر خليفة أبوبكر أن معادلة تحقق الاستقرار في ليبيا ترتبط بنجاح العملية الديمقراطية حسب رؤية المجتمع الدولي، وذلك عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية، توحد المؤسسات وتسبغ الشرعية عليها وترسي أسس الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتوحد المؤسسة العسكرية والأمنية.

وأضاف أنه يمكن حصر معوقات الانتقال نحو الديمقراطية بليبيا في عدد من النقاط، من بينها عدم الوصول إلى توافق حقيقي: حيث يؤدي عدم وجود التوافق في الآراء بين الجهات المجتمعية والسياسية الفاعلة في ليبيا تجاه المستقبل السياسي والاقتصادي للبلد إلى إعاقة نجاح الانتقال إلى الديمقراطية، ما بين سلطتين تنفيذيتين وسلطتين تشريعيتين وميليشيات تتوزع على طول البلاد وعرضها، والتدخل الإقليمي والدولي الذي يساهم بشكل كبير في إعاقة نجاح الانتقال إلى الديمقراطية.

و يشير أبوبكر إلى الانقسامات القبلية والجهوية والعرقية، حيث أدت هذه الانقسامات في ليبيا إلى تعميق الشرخ وتباعد الشقة بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي إلى عدم التوافق في الآراء حول القيم والممارسات الديمقراطية، وضعف المجتمع المدني، ما يجعل من الصعب محاسبة المسؤولين الحكوميين وتعزيز القيم والممارسات الديمقراطية، وصولا إلى عدم تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي تتطلب مجهودات كبيرة في الحالة الليبية، كما تتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذا الهدف.

المجتمع الدولي مازال منذ 2011 يراوح مكانه في الحديث عن مسار ديمقراطي تعددي في ليبيا، وهو المسار الذي تحول إلى انقسام عسكري وسياسي وحكومي واجتماعي

وأثبتت الدكتاتوريات الناشئة في ليبيا حاليا، سواء بالزي العسكري أو بالزي المدني، قدرتها على المراوغة وعرقلة كل مشاريع الحل السياسي الذي قد يفسح المجال أمام اختيار الشعب لحكامه عبر صناديق الاقتراع، ليصبح الهاجس الأكبر هو المحافظة على وحدة البلاد.

ولم يجانب المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الصواب عندما قال إن “استمرار الوضع القائم يشكل تهديدا كبيراً لوحدة ليبيا”، حيث أكد بمناسبة الذكرى الـ13 لثورة 17 فبراير أنه “من الضروري أن يتحمل القادة الليبيون مسؤوليتهم وأن تخضع قراراتهم وأفعالهم للمساءلة، كونها تؤثر بشكل مباشر على حياة الشعب الليبي”، داعيا إلى الالتقاء “على كلمة جامعة من أجل تسوية جميع القضايا المختلف بشأنها سياسياً، والاتفاق على طريقة للمضي قدماً نحو بناء ليبيا قوية وموحدة”.

وقبل ذلك بأيام قال باتيلي خلال إحاطته أمام مجلس الأمن “يبدو أن الأطراف المؤسسية الرئيسية غير راغبة في حل المسائل الخلافية السياسية، لتمهيد الطريق أمام الانتخابات التي طال انتظارها في البلاد”.

ويشير مراقبون إلى أن باتيلي سيغادر منصبه كسابقيه دون التوصل إلى حل جذري، فأكثر ما يهدد مصالح الحكام الحاليين هو المشروع الديمقراطي بدءا من المسار الانتخابي الذي يمكن أن يعيد الكلمة إلى الشعب.

ويرى أصحاب السلطة وداعموهم في الخارج والمستفيدون منهم في الداخل أن مصالحهم ستتضرر بمغادرتهم مراكز النفوذ وهم لم يتهيأوا لمثل تلك الظروف.

7