لوبيات التوريد وراء عبث الحرائق بقوت التونسيين

الإشاعات وصمت الحكومة يزيدان من لهيب أزمة حرائق المحاصيل الزراعية والأضرار اللاحقة بها.
السبت 2019/06/15
نيران مجهولة تلتهم قمح التونسيين

سارعت الحكومة التونسية إلى اتخاذ خطوات ضرورية وعاجلة لتأمين محاصيلها الزراعية لهذا العام، والتي تقول المصادر الرسمية إنها الأوفر منذ عقود. لكن البعض يرى في الإجراءات الحكومية، لمجابهة السلوكيات الفردية والعوامل المناخية المهددة لإنتاجها الزراعي ولأمنها الغذائي، خطوة “متأخرة” في ظل ما تعانيه البلاد منذ سنوات من تبعات فترات الجفاف وانتشار الفساد، وهي عوامل وممارسات سببت أضرارا كبيرة للمحاصيل الزراعية.

تونس – تسعى تونس لسد حاجيات استهلاكها المحلي للحبوب من خلال التصدي لواحد من أكبر التهديدات لإنتاجها من هذه المادة والمتمثلة في الحرائق، التي تسبب حاليا أضرارا كبيرة للمحاصيل الزراعية.

وأعلن وزير الفلاحة التونسي سمير الطيب أن وزارته ستسخر الطائرات دون طيار (درون) لحراسة المحاصيل الزراعية التي التهمت ألسنة النيران جزءا منها، فيما يتوقع خبراء أن يتجاوز محصول الحبوب ( القمح والشعير) للموسم الحالي 20 مليون قنطار مقابل 14.5 مليون قنطار الموسم المنقضي، وهو ما يلبي نصف حاجيات التونسيين تقريبا.

وقال الطيب، الاثنين، إن الوزارة تتجه لاستخدام طائرات دون طيار لتشديد مراقبة المساحات الزراعية الكبيرة في خمس ولايات في البلاد.

وذكر الطيب، لوسائل إعلام محلية، “نقوم بجلسات مستمرة في الولايات مع الأمن والجيش” موضحا أن وزارة الزراعة تناقش مسألة استخدام طائرات دون طيار لمراقبة الحرائق ومجابهتها بالتنسيق مع وزارة الداخلية.

وكلفت وزارة الزراعة 40 مختصا لتسيير هذا النوع من الطائرات، كانوا قد خضعوا لتدريب مع وكالة التعاون الكوري الجنوبي في إطار تنفيذ مشروع استخدام القطاع الزراعي للطائرات المسيرة، والذي بدأته تونس منذ فترة بهدف زيادة الإنتاج والتأقلم مع العوامل المناخية.

وفي أغسطس العام الماضي، بدأت وزارة الزراعة التونسية باستخدام الدرون في المجال الزراعي بموجب اتفاقية وقعتها مع البنك الأفريقي للتنمية والمركز التكنولوجي لبوسان الكورية الجنوبية.

وقال الطيب، عقب توقيع الاتفاقية، “سيمكن استخدام الطائرات المسيرة تونس من دخول الثورة الصناعية الرابعة من بوابة الزراعة إثر استعمال مثل هذه الآليات المتطورة”.

قريش بلغيث: الحرائق أغلبها بفعل فاعل ولا وجود لمسبّبات طبيعية لاندلاعها
قريش بلغيث: الحرائق أغلبها بفعل فاعل ولا وجود لمسبّبات طبيعية لاندلاعها

وأوضح أن النتائج المتوقعة من المشروع ستؤثر بدورها على الاقتصاد التونسي بشكل عام، كما أنها ستدفع المولعين بالتكنولوجيا ممن يمارسون مهنة الزراعة إلى خوض هذه التجربة “الفريدة”.

وتم اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة لتحسين مردودية الإنتاج الزراعي وكذلك لربح الوقت في معرفة مكامن الخلل في الحقول من خلال مراقبة المشاريع والمناطق الزراعية وترشيد استعمال الموارد المائية ورصد آثار التغيرات المناخية وحالة الأراضي ومراقبة التنوع البيولوجي ومستويات المياه في السدود.

وأكد الطيب، الاثنين، قائلا “ليست لدينا معلومات كاملة حول أسباب” اندلاع الحرائق، لكنه لم يستبعد فرضية وجود عمليات حرق متعمدة، مشيرا في الوقت نفسه إلى الارتفاع الكبير والمفاجئ لدرجات الحرارة في يونيو الجاري والتي تجاوزت المعدل لمثل هذه الفترة بعشر درجات، لتصل إلى 44 درجة.

ويأتي إعلان السلطات التونسية عن تطويع التكنولوجيا في حراسة المحاصيل الزراعية، في خضم جدل لا يستبعد أن تكون الحرائق التي التهمت مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية وفي مناطق مختلفة من البلاد مدبرة سلفا. ويستمد هذا الرأي حجته مما سبق وأعلنت عنه السلطات التونسية في العام 2014 بأن الحرائق التي طالت المحصول آنذاك مدبرة ولم تكن طبيعية وتمكنت من إيقاف البعض من المتورطين.

وقال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين)،  قريش بلغيث، إن الحرائق المسجّلة أغلبها بفعل فاعل وأنه لا وجود لمسبّبات طبيعية لاندلاع هذه الحرائق كالارتفاع الكبير في درجات الحرارة أو غيره.

وأشار بلغيث، لـ”العرب”، إلى أنه تم إيقاف مجموعة يشتبه في أنها أضرمت النار في 250 هكتارا من صابة القمح بولاية (محافظة) سليانة (وسط) كما تم فتح تحقيق في اشتعال صابة القمح بالأراضي الدولية بولاية الكاف (شمال)، مبيّنا أن أسباب الإقدام على مثل هذه الجرائم مجهولة وأن المؤكد هو أن الحرائق لم تكن بمحض الصدفة.

وبيّن أن الحرائق الناجمة عن خطأ بشري كإلقاء سيجارة أو غيرها تكون في أماكن محدودة وتتعاضد الجهود لإخماد الحريق لكن الحرائق المفتعلة مدروسة حيث تضرم في اتجاه الريح وعلى امتداد 100 أو 200 متر.

وأكدت السلطات الأمنية التونسية العثور على أكياس الهيدروجين تم رميها على أطراف المزارع، كما أن ظاهرة حرق المحاصيل انتشرت في تونس منذ العام 2012 وامتدت في العام 2014 إلى حرق الثروة الغابيّة.

استهلاك نظرية المؤامرة

نفى النائب عن حزب اتحاد الفلاحين فيصل التبيني أن تكون المحاصيل الزراعية مستهدفة من قبل لوبيات وأطراف تتمعش من دوائر وزارة التجارة، مشيرا إلى أن السلطات تبحث عن شماعة تعلق عليها فشل استراتيجيتها الزراعية.

وقال التبيني، في تصريح لـ”العرب”، إنه يستبعد وجود لوبيات وراء الكم الهائل من الحرائق التي أصابت المحاصيل الزراعية، معتبرا أن “الحرائق في مثل هذا التوقيت ليست بجديدة”.

وتساءل المزارع والنائب في البرلمان التونسي عن خطط الحكومة الاستباقية للحيلولة دون هذا الكم الهائل من الحرائق بدل استدعاء نظرية المؤامرة لتبرير ما اعتبره “فشلا”.

ويقدر المعدل العام للحرائق في تونس بين العامين 1956 و2016 بزهاء 107 حرائق التهمت 1300 هكتار في حين بلغ عدد هذه الحرائق عام 2014 قرابة 450 حريقا، ألحقت أضرارا بنحو 4700 هكتار أغلبها بولايات بنزرت وباجة وسليانة وزغوان وأضرت الحرائق الـ300، التي سجلت في 2015 نحو 800 هكتار أساسا بجندوبة والكاف وسليانة.

وخلال الأيام الأخيرة، اندلع بمناطق مختلفة من البلاد 76 حريقا لعلّ أكبرها تسببا بالأضرار الحريق الذي أتى على 200 هكتار من القمح اللين بالضيعة الدولية العالية بولاية الكاف وآخر أتى على 250 هكتارا من صابة القمح بذات الولاية.

لوبيات التوريد متهمة

الإنتاج المحلي المسجل  يعتبر غير كاف لسد مجمل الحاجيات الوطنية من الحبوب المقدرة بنحو 30 مليون قنطار في السنة، وتبقى تونس مضطرة سنويا إلى استيراد جزء كبير من حاجياتها الضرورية خصوصا من بلدان الاتحاد الأوروبي
استهلاك نظرية المؤامرة

تستورد تونس من فرنسا 1 مليون طن من القمح اللين و500 ألف طن من القمح الصلب ومثلها 500 ألف طن من الشعير علاوة على 800 ألف طن من الذرة للموسم 2014 و2015 وفق تقديرات يان لوبو رئيس بعثة الجمعية الفرنسية لمصدري الحبوب للمنطقة المغاربية وأفريقيا. ويعني ذلك أن تونس تستورد من فرنسا ما بين 15 و30 بالمئة من حاجياتها من القمح اللين.

وكميا، تصدر فرنسا 6 ملايين طن من القمح الصلب نحو البلدان المغاربية وما يناهز 2.2 مليون طن من نفس الصنف باتجاه أفريقيا.

وكشف مدير التزويد بديوان الحبوب التونسي عبدالستار الفهري، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن تونس طرحت مناقصة دولية لشراء 100 ألف طن من القمح اللين و50 ألف طن من الشعير، رغم إنتاج البلاد لـ16.02 مليون قنطار (حوالي 1.6 مليون طن) من الحبوب خلال موسم 2016-2017 مقابل 12.876 مليون قنطار خلال الموسم السابق.

وأوضح الفهري أن تونس لجأت إلى التوريد من السوق العالمية لتغطية الطلب المحلي على الحبوب، مشيرا إلى أنها تبقى موردا هيكليا للحبوب وخاصة القمح اللين. وتستورد تونس بشكل منتظم الحبوب من فرنسا، منذ عدة سنوات، بما جعل هذه الأخيرة تستحوذ على 15 بالمئة من واردات تونس من الحبوب في المعدل.

وتعمل فرنسا التي تعد من بين أكبر منتجي القمح في العالم على ضمان تموقعها ضمن ترتيب أكبر مزودي السوق التونسية بالحبوب، وفق بيانات نشرها المكتب الفرنسي لصادرات الحبوب.

وبين ممثل النقابة الوطنية للتجارة الخارجية للحبوب، بيار فرنسوا ماهيو، خلال اللقاءات التونسية الفرنسية للحبوب، أن واردات تونس من القمح اللين في موسم 2016-2017 تأتت أساسا من أوكرانيا (ما يزيد عن 600 ألف طن) وروسيا (أكثر من 200 ألف طن) ورومانيا (أكثر من 100 ألف طن) وفرنسا (64 ألف طن مقابل 268 ألف طن خلال موسم 2012-2013) وبلجيكا (حوالي 20 ألف طن).

الإنتاج المحلي غير كاف

فيصل التبيني: وقوف أطراف وراء الحرائق شماعة تعلق عليها السلطات فشلها
فيصل التبيني: وقوف أطراف وراء الحرائق شماعة تعلق عليها السلطات فشلها

قال المسؤول الفرنسي إن إنتاج الحبوب خلال موسم 2017 في فرنسا كان أفضل من نتائج حققها القطاع خلال الموسم الذي سبقه، والذي شهد تراجعا في الإنتاج والعرض على حد السواء، ما مكنها من العودة إلى أسواقها التقليدية.

تخصص تونس 600 مليون دينار سنويا (200 مليون دولار) لتوريد الحبوب من قمح لين وصلب وشعير علفي، حسب ما أكده مدير التزويد بديوان الحبوب عبدالستار الفهري.

وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب قد يمكّن البلاد من تغطية 80 بالمئة من كلفة استيراد القمح اللين، حيث تقدر الكميات الموردة من هذه المادة سنويا بمليون و700 ألف طن توزع بين مليون طن من القمح اللين و400 ألف طن من الشعير العلفي، و300 ألف طن من القمح الصلب.

ويقدر معدل الاستهلاك الشهري لمشتقات الحبوب بـ180 ألف طن، حيث يتم استيراد 30 بالمئة من جملة كميات القمح الصلب المستهلك و90 بالمئة من جملة كميات القمح اللين المستهلك أيضا شهريا.

وتعد تونس ثالث مستهلك عالمي للعجين (مشتقات الحبوب)، إذ تستورد البلاد هذه المادة من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وروسيا وأكرانيا ورومانيا، حيث يستهلك الفرد التونسي 250 كلغ من العجين سنويا.

وتراجع معدل استعمال البذور المحلية الأصلية في تونس من 65 بالمئة عام 1975 إلى 25 بالمئة عام 2004، وإلى ما يقارب 5 بالمئة فقط حاليا، بحسب تصريح لكاتب وزير الدولة السابق المكلف بالإنتاج الفلاحي عمر الباهي.

ووفق الحصيلة النهائية التي أوردتها وزارة الفلاحة التونسية والموارد المائية والصيد البحري، فإن الإنتاج الإجمالي التونسي من الحبوب خلال الموسم الزراعي 2014 – 2015 بلغ 16.02 مليون قنطار، مقابل 12.876 مليون قنطار فقط خلال الموسم 2015 – 2016، وهي كميات لا تغطي الحاجيات المحلية من الحبوب.

ويعتبر الإنتاج المحلي المسجل غير كاف لسد مجمل الحاجيات الوطنية من الحبوب المقدرة بنحو 30 مليون قنطار في السنة، وتبقى تونس مضطرة سنويا إلى استيراد جزء كبير من حاجياتها الضرورية خصوصا من بلدان الاتحاد الأوروبي.

وتوجد في تونس مساحات لا تقل عن 1.5 مليون هكتار قابلة للاستغلال في الزراعات الكبرى من الحبوب، إلا أنها تتأثر سنويا بنسبة الأمطار المسجلة من جهة إلى أخرى، وغالبا ما تؤثر كمية الأمطار على الحصيلة الزراعية النهائية كل موسم.

7