لن يضيع في الترجمة: خبراء المناخ مصرون على كسر حاجز اللغات

تفشل الترجمات الحرفية للمصطلحات من الإنجليزية إلى اللغات المحلية في إبراز تهديدات تغير المناخ أو إقناع الناس بالاهتمام والمشاركة، لذلك يحرص نشطاء بيئيون على خلق معجم يفهمه المتأثرون بتلك التغيّرات.
مومباي/ داكا - استعان الباحث الهندي صابر أحمد بأحد اللغويين لترجمة مصطلح "الانتقال العادل" إلى البنغالية لدراسته الجديدة حول تأثير إغلاق مناجم الفحم على السكان المحليين، حيث تعمل البلدان على التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة. واستقر أحمد على مصطلح "كالو تيكي آلو" الذي يبدو شاعريا إلى حد ما، ويعني حرفيا "من الظلام إلى الأمل". وتوصل إليه بعد استشارة خبير في اللغة عن عبارة يفهمها جمهوره المستهدف من مجتمعات الفحم في ولاية البنغال الغربية بالهند.
وقال أحمد البالغ من العمر 45 عاما، والذي أوضح أنه لا يوجد ما يعادل "الانتقال العادل" أو حتى "تغير المناخ" في اللغة البنغالية "إنه مصطلح يجذب الانتباه وليس نتاج ترجمة حرفية، ولكن الناس يربطون كلمة كالو بالفحم، مما يخلق سياقا فوريا". وأضاف أحمد الذي يقيم في كولكاتا بشرق الهند ويعمل مع مجموعة باراتيشي إنديا تراست للبحث والمناصرة "أردت أن أبرز الأمل، وأن هناك مخرجا من الفحم".
ويبقى مفهوم الانتقال العادل معقدا، حتى في اللغة الإنجليزية. وتُعرِّفه منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بأنه “تعزيز الاقتصاد الأخضر بطريقة عادلة وشاملة قدر الإمكان لجميع المعنيين، أي العمال والمنشآت والمجتمعات المحلية، من خلال خلق فرص العمل اللائق وعدم ترك أي شخص متخلّفا عن الركب".
ويندرج بحث أحمد ضمن عدد قليل من الجهود المبذولة لجعل حوار تغير المناخ وتحول الطاقة متاحا للأشخاص الذين سيكونون الأكثر تأثرا، فهو يقتصر حتى الآن على مراكز الأبحاث والخبراء الناطقين باللغة الإنجليزية في الهند. وأضاف أحمد "ما هو الغرض من إجراء البحث إذا لم نتمكن من إيصال النتائج أو التحليل إلى المجتمعات أو أصحاب المصلحة؟ أنا أبحث عن التدابير على أرض الواقع".
وقال تقرير صدر سنة 2021 عن المؤسسة الوطنية من أجل الهند، وهي منظمة خيرية تركز على العدالة الاجتماعية، إن البلاد تشكّل ثاني أكبر منتج للفحم في العالم، ويعتمد ما لا يقل عن 13 مليون شخص فيها على هذه الصناعة لكسب قوتهم.
ويحذر خبراء التحوّل من أن كثيرين يواجهون خطر فقدان الوظائف والمداخيل مع بناء الهند لقدراتها في مجال الطاقة المتجددة. لكن محللين ونشطاء حذروا من أن الحوارات حول مستقبل البلاد بعيدا عن الوقود الأحفوري وما قد يترتب عن التحوّل لم تصل بعد إلى الأشخاص الذين ستتأثر حياتهم بشكل أكبر من غيرهم.
انتبه للفجوة
وقال مايانك أغاروال وهو من المدراء في شركة كلايمت تريندز الاستشارية الهندية “يقتصر الحوار حول الانتقال على غرف الصدى". وأطلق أغاروال خلال السنة الحالية برنامج بودكاست حول الانتقال باللغة الهندية. واعتمد منصة التواصل الاجتماعي إكس (المعروفة سابقا باسم تويتر) لاستضافة مناقشات حول الموضوع باللغة المفهومة في مناطق التعدين في الهند، على حد قوله.
وتابع "نريد الوصول إلى الأشخاص المهمين حقا، والذين لا يعرفون ما هو الانتقال. نريد أن نراهم مدركين للمشكلة وأن يكونوا من أصحاب المصلحة المهمين في المناقشة". ولا تقتصر المشكلة على جنوب آسيا. وحاولت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تسهيل فهم نتائجها العالمية في السنوات الأخيرة بعد انتقادات من العلماء حول المصطلحات الصعبة التي تشكل حاجزا.
جنّدت المؤسسات البحثية خلال الأشهر الأخيرة الرسّامين والشعراء والموسيقيين لإيصال تحذيرات بشأن تغير المناخ بشكل أفضل للجمهور. ويكمن الهدف الأكبر في تسهيل فهم هذه القضية على نطاق واسع لأن الكثيرين لا يزالون غير مدركين لها.
◙ الهيئة الدولية لتغير المناخ حاولت تسهيل فهم جهودها العالمية بعد انتقادات من العلماء حول المصطلحات الصعبة
وقال نشطاء إنه بغض النظر عن نشر المعرفة على نطاق أوسع بتغذية تغير المناخ للأحداث المناخية المتطرفة مثل موجات الحر والجفاف والأعاصير، سيشجع استخدام اللغات المحلية الناس أيضا على المطالبة بالتحرك السياسي.
وكانت الخطابات التي توجهها المنظمات غير الحكومية والباحثون في مجال المناخ والطاقة إلى المجتمع العام في الهند وبنغلاديش المجاورة (حيث يتحدث معظم الناس البنغالية) باللغات المحلية. لكن تُبذل اليوم الجهود لترجمة المصطلحات الفنية بعبارات يسهل فهمها.
وانطلقت مجموعة يوثنت الشبابية الناشطة من أجل العدالة المناخية في بنغلاديش، التي تعتبر واحدة من أكثر دول العالم عرضة للتأثر بالمناخ، في نشر معلومات بالبنغالية على وسائل التواصل الاجتماعي حول تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
ويريد النشطاء الذين نظموا في الماضي حملة لإغلاق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في المناطق الساحلية، الآن من المحطات الإذاعية المجتمعية مناقشة قضايا المناخ والطاقة باللهجات المحلية البنغالية. وقال منسق يوثنت التنفيذي سوهانور رحمن "نادرا ما تتسرب المعلومات المتعلقة بالمناخ إلى المجتمع، ونحن نعمل على تقريبها من الناس".
وقدّم مركز أبحاث الانتقال العادل في المعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور أربع زمالات العام الماضي في محاولة للوصول إلى المزيد من الأشخاص في مناطق الفحم في الهند، حيث كانت واحدة باللغة الهندية وواحدة باللغة البنغالية واثنتان باللغة الإنجليزية. ونال الباحث أحمد إحدى الزمالات، وتهدف إلى تقييم تأثير إغلاق المناجم على مجتمعات الفحم.
الترجمات الحرفية
وقال المنظمون إن المرحلة التالية من البرنامج ستركز على الطاقة المتجددة. ومع ظهور مشاريع جديدة في ولايتي الهند الغربية والجنوبية، ستُقدّم المنح الدراسية باللغات الرائجة في تلك المناطق (الغوجاراتية والتاميلية) "لتعزيز مدى الوصول" إلى الدراسات البحثية وتأثيرها. وقال الأكاديمي براديب سوارناكار الذي يرأس مركز أبحاث الانتقال العادل في المعهد الهندي للتكنولوجيا، إن “الانتقال العادل هو عملية معقدة، ومن المهم أن تفهم مجتمعات الفحم قواتها المحركة".
وأبرزت الزيارات الأخيرة إلى مراكز الفحم في الهند أن الوظائف تتقلص بالنسبة إلى المجتمعات المحلية مع انتداب العمال القادمين من مناطق أخرى في المناجم. ويلجأ الكثيرون، من الذين يفتقرون إلى مهارات أخرى، إلى جمع الفحم بشكل غير قانوني لكسب المال. وقال بيناكي روي الذي يعلّم الأطفال في مركز الفحم في جهاريا بشرق الهند "يناقش المسؤولون أهداف صافي الصفر في الهند، لكن لا يوجد وعي بهذا الأمر بين الناس. لا يطالبون لذلك حتى بتعلم مهارات لمستقبل يتجاوز الفحم".
◙ الترجمات الحرفية للمصطلحات من الإنجليزية إلى اللغات المحلية تفشل في إبراز التهديد أو إقناع الناس بالاهتمام والمشاركة
قال النشطاء الذين يعملون مع مثل هؤلاء الأشخاص على أرض الواقع إن تغير المناخ والانتقال العادل يمكن أن يبدوا في كثير من الأحيان من المشاكل البعيدة وغير المرتبطة بالمجتمعات في الهند وبنغلاديش لأنها تُقدم وتُناقش أساسا باللغة الإنجليزية.
ووفقا لخبراء وباحثين في المناخ، تفشل الترجمات الحرفية للمصطلحات من الإنجليزية إلى اللغات المحلية في إبراز التهديد أو إقناع الناس بالاهتمام والمشاركة.
وقالت عصمت جارين من منظمة أواج غير الحكومية التي تدعم عمال الملابس، ومقرها بنغلاديش، إن صناعة الأزياء في البلاد أصبحت أكثر اخضرارا واستدامة. لكنها شددت على أن العمال الذين يطالبون منذ فترة طويلة بتحسين الأجور والظروف ليسوا على دراية بكيفية تأثير هذا التحوّل عليهم.
وتابعت "من المهم أن يتمكنوا من رؤية الصلة بين المناخ وحقوقهم، ونحن نعمل على نقل الرسالة إليهم بلغة يفهمونها. ونحاول استخدام أمثلة يمكن للعمال أن يفهموها كتغير أنماط الطقس، والكوارث والمخاطر المناخية التي أصبحت أكثر تواترا، وكيفية تكيف صناعة الأزياء وتعامل العمال مع تأقلم العالم مع هذه التغيّرات".
ويشاركها الباحث الهندي أحمد هذا الهدف. وقال إن "العالم يتحرك بعيدا عن الفحم لكن لا توجد معلومات عنه على مستوى مجتمعي منخفض. لذلك أريد الوصول إلى المجتمعات المحلية من خلال الكتابة باللغة البنغالية، وتحفيز الآخرين على فعل الشيء نفسه”.