لم يمت عبدالحسين

الأربعاء 2017/08/16

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على إعلامي أو فنان، بيد أن في هذه المرة تم سب وشتم الفنان عبدالحسين عبدالرضا، رحمه الله، وهو في رحيله الحزين.

لم يتعرض عبدالحسين عبدالرضا إلى طائفة أو شتم جنسية أو ملة، بل كان “إنسانا” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أما من أراد تسلّق الشهرة، فقد أحالته وزارة الثقافة والإعلام إلى لجنة مخالفات النشر لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، وذلك على خلفية إساءته للفنان الراحل عبدالحسين عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي.

قد يتذكر بعضنا الحكم الصادر بالسجن 45 يوما على “الشيخ” الآخر الذي اعتدى على الفنان ناصر القصبي بالسب والتشهير. كان الشيخ في منتصف عام 2015 قد لعن وكفّر القصبي، ووصفه أمام المصلين في خطبة “عصماء” بأوصاف الكفر والزندقة، ثم تراجع عن التكفير عبر حسابه في تويتر.

تكرر “السيناريو” ذاته في قضية الشيخ الذي أساء للفنان عبدالحسين عبدالرضا، وحَسِبَ أن تقديمه الاعتذار لشعب الكويت عما أسماه “سوء الفهم” سيعفيه من جريمته.

تعوّد المجتمع السعودي على بذاءات بعض المتشددين (مع اعتذاري على الوصف). كلنا يتذكر تجمعاتهم في أروقة الوزارات ومعارض الكتاب ومهرجانات الجنادرية والثقافة يكيلون للمسؤولين الشتائم بكل أنواعها وألوانها الوقحة.

في بداية 2017 أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن أشخاص “يتحركون في المساجد وحلقات تحفيظ القرآن لاصطياد الشباب وتجنيدهم”. كان لا بد من استئصال تلك الأورام التي تفشت مع تصاعد وتيرة التأليب في خطب الجمعة لحث الشباب على “الجهاد” المشبوه. عانى المجتمع السعودي بسبب هؤلاء من التقسيم المذهبي والتحريض على القتل والتفجير. الهدف واضح هو ترهيب خلق الله وتخدير عقول أبناء الوطن بكمّ هائل من الإرهاب الفكري المقيت.

نعم هم أنفسهم الذين تخصصوا بتكفير الكُتاب والفنانين والإعلاميين، واعترضوا على تطوير المناهج، وحرموا تحية ومعايدة أهل الكتاب، بل وأصروا على عدم الوقوف تحية للسلام الوطني وتحية العلم.

لعلي أذكّركم بمقولة مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل الذي أكد أن “المناهج الخفية” هي التي تصنع التطرف. في منتصف عام 2014 صرّح الفيصل (وكان حينها وزيرا للتربية والتعليم) أن من أهم أسباب انتشار الفكر المتشدد إعطاء أصحابه فرصة في التعليم. لعلي أذكّركم أيضا بإيقاف تسعة من أساتذة الجامعات السعودية عام 2014 والذين تمت إحالتهم إلى التحقيق بسبب انتمائهم الإخواني الإرهابي.

الخبر المفرح تطوّع عدد من السعوديين للترافع ضد التغريدات المسيئة بحق الراحل عبدالحسين وبحق الطائفة الشيعية التي هي جزء أصيل من المكوّن الوطني السعودي. إحالة الشيخ الذي تطاول على عبدالحسين خلال 24 ساعة من وقت تغريدته المسيئة إلى لجنة مخالفات النشر لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، دليل آخر على حزم العاهل السعودي الملك سلمان وعزمه على اجتثاث موجة الحقد والكراهية.

أحسنت وزارة الثقافة والإعلام بحجب موقع “الشيخ” على الإنترنت بعد إحالته إلى التحقيق بسبب تغريدته عن الفنان الراحل عبدالحسين. ننتظر نتائج التحقيق. لماذا تم تجميد مشروع “الوحدة الوطنية” الذي تقدم به عبدالعزيز العطيشان في مجلس الشورى في 2013، وأين مشروع قانون تجريم الفتنة الطائفية الذي تقدم به عضو الشورى محمد رضا نصرالله وخمسة أعضاء في 2014؟

تقول المبدعة سمر البيات “‏لم يمتْ (عبدالحسين).. صدّقوني لم يمت.. كان فقط يريد أن يثبت لنا أنه ممثلٌ تراجيديٌّ أيضا فأبكانا في مشهد واحد بمقدار ما أضحكنا في خمسين عاما”.

خمسون عاما وأنت ترسم البسمة على وجوهنا، رحمك الله يا أبوعدنان.

عضو جمعية الاقتصاد السعودية

9