لماذا يَندب اللاجئون السوريون حظّهم العاثر؟

ها نحن اليوم قد تحررنا من عيش عقيم وفاقة مذلّة، فلماذا لا نعترف بخدمات دول الاتحاد الأوربي وغيرها من دول العالم التي لم تقصّر في احتضان السوريين اللاجئين وإيوائهم.
الخميس 2023/02/16
هذا هو حال السوريين اليوم

البعض ممن شرّدتهم الحرب في سوريا، ووقعوا أسرى الاغتراب واللجوء إلى دول الإتحاد الأوروبي، لطالما ندبوا حظّهم العاثر ولعنوا الساعة التي غادروا فيها البلاد تاركين وراءهم الخير الوفير الذي كانوا يعيشون فيه، والجنان التي كانت تأويهم، والمؤسسات الحكومية التي كانت تُسهم في معيشتهم وتساعدهم على مواجهة ضنك الحياة بدعمهم ماديا، وأنَّ ما شهدته المدن السورية من دمار وتهجير للأهالي هو نقمة حلت بهم، في الوقت الذي يُعد نعمة حقيقية عاشها المهاجرون الذين تركوا البلاد، وها هم اليوم يُكملون دورة الحياة في العيش الكريم في الدول التي وصلوا إليها بكل حرية، وأمضوا فيها سنوات من الاستقرار والأمان.

ما حدث في سوريا، وما نتج عن الحرب المدمرة، كانت له إيجابياته بالنسبة إلى الكثيرين ممن تركوا البلاد.. يكفي أنهم ينعمون اليوم بنور الكهرباء وتوافر الاتصالات، والخير الذي تسابقت دول “النعيم” مجتمعة على تأمينه للاجئين، فضلا عمّا قدمته وما زالت تقدمه من خدمات جليلة وبالمجّان، وفي مقدمتها الرعاية الصحية والتعليم الذي يبدأ من رياض الأطفال وحتى الجامعي.

وعلى الرغم من كل ذلك ينبري أحدهم متغنيا بالوطن، مبديا الرغبة في العودة إليه للوقوف على الأطلال، متناسيا ما كان يعيشه من قسوة وفاقة وعوز.

◙ لماذا تصرخون من جور دول احتضنت عوزكم وفقركم وخوفكم والرعب الذي عايشتموه وأوصلتكم إلى ما أنتم عليه اليوم من أمان واستقرار وراحة بال ووفرت لكم العيش الرغيد؟

ويكفي أن نذكّر بمشكلة تأمين رغيف الخبز، الذي كان معظم السوريين يمضون جلَّ يومهم للحصول عليه، وغيرها من المآسي التي ظلّت وإلى اليوم تشكل معاناة حقيقية، يتذكرها معنا الكثيرون من أهلنا في سوريا.

وظل لسان حال المهجرين يُفضّل السكوت بدلا من البوح والصراخ، نتيجة الخوف من المجهول، ومن السلطات السورية التي لا تزالُ، حسب اعتقادهم، تراقب تصرفاتهم وتدونها في سجل محفوظ، ليحاسبوا عليها لاحقا. هذا ما يظنوه، نتيجة الرعب الذي عاشوه خلال السنوات التي سبقت الحرب، وما زالت آثار هذا الرعب ماثلة إلى اليوم!

لنكن صريحين، علينا أن نفهم واقعنا أكثر وأن ندرك مشكلتنا بعيداً عن النظام وميليشياته الحاقدة التي لا بد أنها زائلة، وعلينا أن نكون أكثر التصاقا بالواقع الذي نعيشه ويعيشه معنا مئات الآلاف من المهجّرين السوريين، وأن نترك كل ما هو بعيد عن مداركنا ويدعونا إلى العودة للوطن.

لنترك النواح جانبا، ونؤسس لحياة يعيشها معنا كل من هاجر خارج سوريا، وهي فرصة الكثير من السوريين، الشباب خاصة، يتمناها ويرغب في الوصول إلى المكان الذي يتباكى فيه كثيرون يفضّلون لو أنهم بقوا في ركن من أركان سوريا المدمّرة التي يعيش أهلها معيشة ضنك وغلاء مستشر وحياة كئيبة مؤلمة!

لماذا تصرخون من جور دول احتضنت عوزكم وفقركم وخوفكم وأوصلتكم إلى ما أنتم عليه اليوم من أمان واستقرار وراحة بال ووفرت لكم العيش الرغيد.

لماذا “كلّما دَق الكوز في الجرّة” تصرخون وتندبون حظّكم الذي أودعكم في أحضان دول النعيم التي لم تبخل في عطائها، وفي مدّ يد العون لكم، وبلا استثناء، بينما يحلم الكثير من أهلنا في سوريا وغيرها من الدول في الوصول إلى ما أنتم عليه من الأمان وفرته لكم.

ما يلفت الانتباه، هو تمجيد المراثي التي تدمي القلب في الصميم، وتنتزع منه عناوين مجبولة بالحب وفيض من الطيبة والحنان!

مجرد مراثي محزنة نستدركها مع كل وقفة مفاجئة مع الذات، علّ وعسىَ أن تخفّف عنّا القليل من الهواجس والأحلام، وتبعد عنا شبح اللاءات التي يختزنها العقل الباطن، وبالكاد، تبعث فينا صورا جديدة، تترافق مع حياة مبتذلة جافة تعيشُ فيها الآلاف من الوجوه الكئيبة بل الملايين ممن يتباكون على تراب الوطن، وهم في الواقع مجرد أعداء يحاولون طمس هويته التي يشرّفنا التمسّك بها.

هذه الصورة يعيشها، وبكل مفرداتها، كثيرون من أمثال هؤلاء الذين يطلقون صيحاتهم الرنّانة وبكل وقاحة، مجسّدين حب الوطن والذود عنه. وهو حب مجبول بالبغض. فضلا عن أنهم ينادون بتحريره، وإلقاء اللائمة على الكثيرين ممن يعتنقون بالمراثي سفيرا للعديد من أبناء الوطن!

◙ ما حدث في سوريا، وما نتج عن الحرب المدمرة، كانت له إيجابياته بالنسبة إلى الكثيرين ممن تركوا البلاد.. يكفي أنهم ينعمون اليوم بنور الكهرباء وتوافر الاتصالات

هذا هو حال سوريا اليوم، وهذا حال مدنها المدمّرة وأهلها المشرّدين الذين خسروا كل شيء ماعدا اسم مدينتهم وموطنهم الأصلي الذي يفاخرون به، على الرغم مما عانوه من تشتت وقسوة وقهر وحرمان، وفوق ذلك اكتملت المأساة بوقوع الزلزال المروع الذي حصد الآلاف من الأرواح وخلّف عشرات الآلاف من الإصابات بين أبناء سوريا وجارتها تركيا.

نتائج الحرب في سوريا كانت لها إيجابياتها في الوصول إلى بلاد النعيم التي ظلت حلما للراغبين بالعيش في بلاد غريبة، ونتجت عن ذلك تجليات كثيرة. فلنرجم مأساة سبق أن عشناها وعاشها معنا أخوتنا المهجّرين بكل مآسيها.

فها نحن اليوم قد تحررنا من عيش عقيم وفاقة مذلّة، فلماذا لا نعترف بخدمات دول الاتحاد الأوربي وغيرها من دول العالم التي لم تقصّر في احتضان السوريين اللاجئين وإيوائهم ودعمهم ماديا للتغلب على معاناتهم؟

لماذا يندب اللاجئون السوريون حظّهم العاثر (كما يدعون) في أماكن اللجوء التي وطأتها أقدامهم؟ وما هو مبرر هذا النكران لكل ما قدمته تلك الدول مجتمعة لأبناء سوريا وغيرهم من أبناء دول ارتموا في أحضانها فلم تصدّهم، بل قدمت لهم يد العون والمساعدة، بغض النظر عن أصولهم وعن الديانات التي يعتنقونها؟

9