لماذا يشوّه الإسلاميون العرب جولة الأمير محمد بن سلمان

قراءات ازدواجية للأحداث ومواقف انتقائية تخدم مصلحة جماعة الإخوان التي صمتت حيال تجاوزات وجرائم النظام التركي ضد الصحافيين ومعارضيه السياسيين.
الأربعاء 2018/11/28
الجزيرة مرت من هنا

الإخوان المسلمون في كل من تونس ومصر والجزائر والجماعات التابعة لهم شنّوا حملات ممنهجة ضد الجولة العربية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في هذه الفترة. وحاولت هذه الجماعات بكل إمكانياتها التعبئة لتشويه هذه الزيارات مستغلة في ذلك قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، لإعادة تسويق مشروع الإسلام السياسي في المنطقة في محاولة يائسة لتشويه مشروع التحديث السعودي.

القاهرة - لم يكن من المستغرب شنّ حملة تبدو ممنهجة تتصدرها جماعة الإخوان وإسلاميو مصر وتونس والجزائر، في مسعى لإفساد جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العربية، والتي قادته إلى كل من الإمارات والبحرين ومصر ثم تونس.

وتبيّن منذ مصرع الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، أن هناك محاولات حثيثة لإعادة تدوير مشروع الإسلام السياسي في المنطقة لعرقلة مشروع التحديث السعودي الذي يمثل الأمير محمد بن سلمان إحدى ركائزه.

ثمة عامل مشترك قائم بين إسلاميي الدول العربية الثلاث (مصر وتونس والجزائر) غير مرتبط بوقائع تم توظيفها في سياق خطة الإخوان للخروج من أزمتها، يتمثل في تبني موقف سياسي مبدئي، وهو أن الأمير السعودي الشاب يمثل أحد أعمدة محور معاد ومناهض للإسلام السياسي منذ قرار المملكة اعتبار الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا.

ما أقدمت عليه الرياض حيال تيار الإسلام السياسي الذي ترعاه قطر وتركيا لا يقل خطورة عن الزلزال الذي تعرضت له جماعة الإخوان في مصر عقب ثورة يونيو 2013 وما تبعها من تطورات، فالحدث تجاوز حظر نشاط الجماعة.

المشكلة تكمن في طرح مشروع شامل مناهض لمشروعات سعت من خلالها قوى إقليمية منافسة لاحتلال مكانة الدول العربية ذات الثقل في الشرق الأوسط، مثل ولاية الفقيه أو الإسلام السياسي الإيراني، ومشروع التكفيريين والسلفية الجهادية (داعش والقاعدة) وأخيرا تيار الإسلام السياسي الذي تتصدره جماعة الإخوان المدعومة من الدوحة وأنقرة.

الرياض تجاوزت قضية خاشقجي قبل جولة ولي العهد بوضعها في سياقها القانوني والإنساني وإفشال الابتزاز السياسي

لو اقتصر الأمر على مجرد سقوط نسخ وفروع جماعة الإخوان في البلدان العربية والعمل على تحجيمها لبعض الوقت لهان الأمر قليلا على الجماعة ومموليها وداعميها، وظلت هناك بارقة أمل لعودة الجماعة إلى مشهد الأحداث السياسية في الفترة المقبلة، لكن ما حدث بالفعل يؤشر إلى استبعاد الإسلام السياسي على مدى عقود قادمة، فهناك عزم وتصميم على رفض هذا التيار من أعلى المستويات السياسية في الدول ذات الصلة، كما أنه أصبح هناك مشروع عربي بديل يرسخ حضوره بقوة على الأرض.

تحين الفرص

تحيّن تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان الفرصة المواتية لتشويه صورة ركن آخر من أركان هذا المشروع المناهض لأفكارهما بعد جولات ممنهجة ركزت على تشويه النظام المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وعندما أتت الفرصة في أواخر أكتوبر الماضي للنيل من القيادة السعودية، بموجب حادث خاشقجي، انتهزتها جماعة الإخوان وحلفاؤها وسخّروا كل ما يملكون من قدرات سياسية وإعلامية لاستثمارها.

تعتمد الخطط البديلة لجماعة الإخوان على شن حملات إعلامية ممنهجة ضد رموز المشروع العربي المناهض للإرهاب والتطرف والغزوات المذهبية، ودق الأسافين بين هذه الرموز والقوى الغربية، على خلفية أن السعودية تقدم صورة حقيقية عن الدين الإسلامي بمعزل عن التوظيف السياسي والأيديولوجي لتحقيق مطامع توسعية، وصارت الحليف الشرق أوسطي الموثوق به لوقف فوضى الإرهاب وإقامة علاقات طبيعية بين العالمين الإسلامي والغربي.

كما شنت جماعة الإخوان المسلمين مدعومة بآلة إعلامية قطرية محترفة في الدعاية السلبية هجوما ممنهجا لسنوات ضد القيادة المصرية، تقوم بالشيء نفسه مع القيادة السعودية الشابة، والتي تسهم بقوة في تقويض مشروع الجماعة، عبر التمكين لمشروع عربي مناهض.

تجاوزت الرياض، قبل جولة ولي العهد السعودي الحالية قضية خاشقجي، وضعف الموقف التركي تماما وفقد الكثير من أوراقه التي كان يساوم بها، وصارت القضية خلف ظهر المملكة بعد أن وضعتها في سياقها القانوني والإنساني وأفشلت مساعي الابتزاز السياسي.

أما طبيعة الزيارة فتتعلق بالمشروع العربي الذي يتبناه الأمير محمد بن سلمان، والذي من شأنه تحصين الداخل العربي والإسلامي من الاختراق المذهبي والأيديولوجي. تدل فعاليات الجولة والوفود الاستثمارية والإعلامية والسياسية المصاحبة على أن السعودية لم تتأثر بمحاولة إعاقتها وتحجيم حضورها ونفوذها، وتصميمها على المضي لفرض نفسها كقوة إقليمية حامية لحدودها ولمستقبل المنطقة العربية في مواجهة الإسلام السياسي ورعاته.

محاولات تشويه فاشلة

نشط إسلاميو مصر وتونس والجزائر لإفساد جولة ولي العهد السعودي بغرض استحضار أساليب الإخوان في تشويه الرموز والتغطية على كوارث ومآس تسببت فيها الجماعة وداعموها، لأن هذا التيار في المنطقة العربية يواجه خطرا وجوديا محدقا، إذا اكتمل انتظام فضاء عربي موحد، سياسيا وفكريا وثقافيا، ضد المتطرفين وضد مشروع الإسلاميين عموما، الذي يحاولون بعثه من جديد انطلاقا من المغرب العربي، بجهود حركة النهضة التونسية.

وهذا ما يفسّر ازدواجية المواقف المفضوحة لتيار الإسلام السياسي الذي صمت حيال تجاوزات وجرائم النظام التركي ضد الصحافيين ومعارضيه السياسيين، وكذلك صمته حيال تجاوزات النظام القطري ضد العمالة الخارجية، وجرائم النظام الإيراني الذي قتل عددا من الناشطين، على خلفية تدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية.

طبيعة الزيارة فتتعلق بالمشروع العربي الذي يتبناه الأمير محمد بن سلمان، والذي من شأنه تحصين الداخل العربي والإسلامي من الاختراق المذهبي والأيديولوجي

يحيلنا صمت الإسلاميين في المنطقة العربية إلى الممارسات القمعية وتجاوزات أنظمة تركيا وقطر وإيران، مقابل نهوضهم لتشويه الرموز العربية عن طريق الآلة الإعلامية التي ينفق عليها داعمو هذا التيار بسخاء، إلى استشعار جماعات الإسلام السياسي الخطر من مواصلة المشروع الحضاري الجديد مسيرته بعد تقويض وتجفيف منابع الفكر المتطرف ومصادر تمويله، ومن ثم الانطلاق برؤية فكرية وثقافية وسياسية من شأنها القطع مع مسار التبعية الإقليمية.

يتوق الإسلاميون في المنطقة العربية إلى ماضي ما قبل الانتفاضة العربية ضد الكيانات والجماعات المتطرفة والتكفيرية، عندما كانوا يستغلون مكانة مصر في العالم العربي وعلى المستوى الدولي، لإظهار الجماعة بأن مكانتها مستمدة من حجم مصر وأدوارها، وأيضا ماضي استنزاف الثروات الطائلة من دول الخليج العربي وإظهار جماعة الإخوان بأن تأثيرها المادي والروحي قد يتجاوز تأثير بعض الدول المحورية. ما يغذي هذه الازدواجية القائمة على تغير المبادئ حسب الولاءات أن هناك مشروعا عربيا يسعى بالفعل إلى استكمال أدواته وتدعيم رؤيته وجذب حلفاء وداعمين جددا، وبدأ يرسخ أقدامه في الشرق الأوسط ويلقى قبولا وتجاوبا من قوى دولية، على أنقاض معاناة مشروع صارت كل الطرق مقفلة أمامه، سواء ما يتعلق بالدعم الشعبي أو بالتجاوب الدولي والأميركي.

وفيما يفشل قادة الأنظمة الثلاث “تركيا وقطر وإيران” على مختلف المستويات، المحلية والتوسعية في مختلف البلاد المستهدفة أو في الترويج لمشاريعهم على المستوى الدولي، مع محاولات البقاء عبر خطابات الأوهام وقمع المعارضين وشن الحملات الإعلامية ضد الرموز العربية، ينجح الأمير السعودي الشاب بمساندة أشقائه من الدول العربية الحليفة في توجيه الرصيد الجمعي في مختلف الميادين كقوة مضادة للأفكار المتطرفة، وللإرهاب وداعميه في المنطقة.

لذلك لن تفلح محاولات كسر العظام السياسية التي يمارسها إسلاميو تونس وغيرهم في قطع الطريق على المشروع العربي الحداثي الجديد، لأنه بدأ يثبت أقدامه على الأرض، ما يضاعف من صعوبة اقتلاعه، لأن محاولات تشويهه المتعمدة جاءت متأخرة.

13