لماذا لا يسائل من تبقى من نداء تونس نفسه

فحوى الاستجواب الموجّه من حزب نداء تونس إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد والدال على تعمّق أزمة الحزب وتونس في آن واحد، لا يشير إلا إلى تخبط داخل الحزب ووقوعه في مأزق محاورة الشاهد أو التصعيد ضده.
الأحد 2018/09/16
نداء تونس بات على مشارف النهاية

في خطوة قد تؤكّد أن الحزب الحاكم نداء تونس بات على مشارف النهاية عقب لعنة الانشقاقات والاستقالات التي لازمته منذ عام 2014، تجاهل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، ابن نداء تونس، الردّ على استجواب كتابي وجهّته له الهيئة السياسية للحزب التي يترأس إدارتها حافظ قائد السبسي، نجل مؤسس الحزب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. وأسفر موقف الشاهد عن تجميد عضويته في الحزب وإحالة ملفه إلى لجنة النظام الداخلي للحزب.

في كل الديمقراطيات العتيدة، يمكن للحزب الحاكم أن يستجوب أو أن يسائل متى يشاء رئيس حكومته أو رئيس وزرائه الذي منحه الثقة وزكّاه لقيادة الحكم وإدارة شؤون البلاد، إلاّ أن فحوى الاستجواب الموجّه من حزب نداء تونس إلى يوسف الشاهد والدال على تعمّق أزمة الحزب وتونس في آن واحد، لا يشير إلا إلى تخبّط داخل الحزب ووقوعه في مأزق بمتناقضَين أي بمعنى اللجوء إلى محاورة الشاهد أو التصعيد ضدّه في ظلّ ما تشير إليه كل التطورات الأخيرة بأن رئيس الحكومة قد استقوى وبات خصما عنيدا وثقيل الوزن سياسيا.

رغم تجمّع كل المبرّرات التي تؤكّد أن رئيس الحكومة أدار ظهره فعلا لحزبه، الذي فشل في إدارة شؤون البلاد، إلا أن الاستجواب المذكور والذي ظلّ لأكثر من يومين مصدرا لتندر وتهكّم التونسيين على وسائل التواصل الاجتماعي لم يتضمّن أي أسئلة قد تُحيل ولو للحظة واحدة إلى أن الحزب الحاكم  يفكّر بانشغال في أزمة البلاد المتعاظمة والمتفاقمة منذ أشهر. اقتصر الاستجواب الموجه إلى الشاهد على ثلاثة عناوين حزبية ضيقة مفادها؛ ما هي علاقتك بالحزب، وما هي علاقتك بالرئيس الباجي قائد السبسي، وهل تنوي مغادرة حزب نداء تونس أم لا؟

هذه الأسئلة المطروحة، تم التطرق إليها بإطناب في الساحة السياسية منذ أشهر، فما الداعي لتوجيهها اليوم من قبل الحزب الحاكم إلى رئيس حكومته لو لم يكن هناك تخبّط وارتجال في القرارات صلب نداء تونس التائه. خاصة وأن طرح مثل هذه الأسئلة كان قد تغذّى منذ مدة طويلة إبان سريان الحديث عن حرب معلنة بين قصري قرطاج (قصر الرئاسة) والقصبة (قصر الحكومة) وتحديدا عقب محاولة الرئيس التونسي بعث مبادرة جديدة تحت عنوان “وثيقة قرطاج 2” تضمنت بندا صريحا غير متفق عليه بين الأحزاب والمنظمات المشاركة في مفاوضات قرطاج ويدعو إلى إقالة الحكومة الحالية برمّتها بما في ذلك رئيسها الشاهد.

تدفع كل خطوات وخطط حافظ قائد السبسي الجديدة وجوبا إلى سؤال عريض يطرحه طيف واسع من التونسيين حول موقف “الندائيين” ممّا يجري ولماذا لا يستجوبون حافظ قائد السبسي أيضا، ويتغافلون عن قائد السبسي الابن كان منذ بداية اندلاع أزمة نداء تونس في عام 2014 أو منذ تفاقم أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمثل مظهرا من مظاهر المشكلة وليس الحل!

للتجرّد من أي مواقف قد تُحسب لطرف على حساب طرف عند طرح مثل هذه الأسئلة البسيطة والعميقة في آن واحد، لا بد من التأكيد على أن طرحها لا يعبّر البتة عن أي اصطفاف وراء يوسف الشاهد أو غيره لذلك كان من الأجدر حسم مسألة حافظ السبسي منذ البداية، كما الإقرار أن رئيس الحكومة الحالي بدوره يمثل جزءا من الأزمة بسبب فشله، وبإقرار كل الأحزاب والمنظمات الوطنية تقريبا، والمراقبين في إنقاذ تونس من أزمتها بسبب الانشغال في رسم مستقبله السياسي الذي قد يتوج في قادم الأشهر وعلى الأرجح عقب تمرير قانون الموازنة المالية لعام 2019 بالاستقالة من الحكومة وتأسيس حزب جديد بدت ملامحه ومرتكزاته واضحة للجميع لتقديم نفسه كمرشّح للرئاسية في عام 2019.

إذن، إن مرد تسليط الضوء على “لغز” حافظ قائد السبسي قائم بالضرورة وبالأساس على تراكمات واقعية شقّت وفكّكت نداء تونس، حيث كانت كل الإرهاصات والعراقيل المرافقة للحزب، الذي ظهر في وقت ما كبديل قوي لمنظومة الحكم الإسلامية التي قادتها حركة النهضة منذ عام 2011، متمحورة منذ استقالة الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي من الحزب، حول شخص نجله حافظ “المُتّهم” من قبل أهم قيادات الحركة بـ”الاستيلاء على الحزب” كما لو كان ورثه عن والده الرئيس.

رئيس الحكومة استقوى وبات خصما عنيدا وثقيل الوزن سياسيا
رئيس الحكومة استقوى وبات خصما عنيدا وثقيل الوزن سياسيا

ومن مفارقات المعركة العجيبة بين حافظ قائد السبسي ويوسف الشاهد، أن الأخير كان في يناير 2016 وتحديدا في مؤتمر سوسة من مهّد الطريق للسبسي الابن لتزعّم الحزب عقب ترؤسه (الشاهد) آنذاك للجنة تدعى لجنة 13 حكّمت وغلّبت مصلحة حافظ قائد السبسي على حساب بقية القيادات الأخرى التي أعلنت في ما بعد عن انسحابها واستقالتها من الحزب متهمة اللجنة وأيضا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي حضر المؤتمر الحزبي بصفته رئيسا مؤسسا له بـ”توريث” الحزب لحافظ قائد السبسي.

المؤتمر المذكور، والذي شارك في هندسة نتائجه يوسف الشاهد، أهدى حافظ قائد السبسي، وفق الندائيين الغاضبين، كل مفاتيح السيطرة على الحركة، ليستبدل الرجل القوي الجديد المحتمي بشرعية والده لاحقا ثلة من القيادات المؤسسة للحزب والتي ساهمت في نجاحاته الانتخابية مهما اختلفت التقييمات السياسية حولها، أمثال محسن مرزوق والطاهر بن حسين ولزهر العكرمي والطيب البكوش وعبدالستار المسعودي وبوجمعة الرميلي.. بقيادات أخرى جديدة ومسقطة على الحزب ولم تكن أبدا مشاركة في صنع ربيع نداء تونس الذي تمكّن رغم ارتكازه على نظرية “الروافد” لا الأيديولوجيا في ظرف سنتين فقط من الفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014.

علاوة على كل هذه التراكمات، فإن كل استطلاعات الرأي تُثبت بما لا يدع مجالا للشكّ أن حافظ قائد السبسي ورغم تفرّده بالحزب لم يستطع أن يجر وراءه أنصار نداء تونس الذين توزعوا في فترات لاحقة أفواجا أفوجا وعلى دفعات بين أحزاب أخرى منشقة عن نداء تونس مثل حركة مشروع تونس أو غيره.

نقطة أخرى يبدو أنه بات متفقا عليها في الساحة السياسية التونسية، مفادها أن حافظ قائد السبسي لا يتمتع بأي إجماع من مختلف الأحزاب السياسية مهما كانت مرجعياتها أو أيديولوجياتها، فلا المعارضة ترغب في التعامل معه ولا أحزاب الحكم أيضا ولا بعض المنظمات الكبرى التي تلتقي وتتقاطع معه أحيانا على ضوء حسابات سياسية لا أكثر ولا اقل.

فحتى حركة النهضة الذي بشّر حافظ قائد السبسي بإبرام تحالف استراتيجي معها خاصة عقب استقباله من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنقرة في شهر ديسمبر 2017 أو بتعلّة أنه يوجد ما يربط الطرفين من جدّ مشترك هو عبدالعزيز الثعالبي (مصلح تونسي من مؤسسي الحزب الحر الدستوري عام 1920) لم تعد ترغب في التعامل مع السبسي الابن مثلما كان الأمر إبان تنصيبه قائدا أولا لحزب نداء تونس، بل باتت الحركة الإسلامية الشريكة في الحكم توجه بدورها سهام نقدها بتحميل مسؤولية أزمة البلاد لحزب نداء تونس ومديره التنفيذي حافظ قائد السبسي.

أمّا في ما يخص أهم إخفاقات قائد السبسي الابن، وفق كل الملاحظين وخاصة من وجهة نظر من تبقى من أبناء نداء تونس، فإنها لا تتعلّق بشخصه -بما أنه لم يقدّم شيئا يذكر منذ تغلغله في ممارسة الفعل السياسي- بل ترتبط وثيق الارتباط بما جناه الابن على صورة ورمزية والده الرئيس الباجي قائد السبسي في أنظار الندائيين والتونسيين.

وجد الرئيس التونسي نفسه شاهدا على موت حزبه موتا سريريا واقتراب مشارف نهايته في أروقة قصر قرطاج بالذات بما أن مسألة “وثيقة قرطاج 2” يبدو أنها طويت وإلى الأبد بعد أن تمكن الشاهد من تحصين نفسه بحزام سياسي وبرلماني يمكنه من مواصلة الحكم في القصبة إلى أي وقت يشاء قبل حلول استحقاقات 2019.. كل هذه الدلالات والتراكمات توحي بتشكّل مشهد سياسي تونسي جديد في الأفق القريب لا وزن فيه لنداء تونس، أفلم تحن الساعة التي وجب أن يستجوب فيها من بقي من الندائيين نجل الرئيس؟

6