لماذا تُريدون أن نجوع من أجل فسادكم

سلطة الإسلام السياسي مقتنعة بإبقاء الوضع على ما هو عليه لتجييش فيالق الفقراء والجياع. جنود جاهزون لأيّ حرب حقيقية أو وهمية لأعداء مفترضين تُجنّدهم نزوة حاكم أو نُخب سياسية مُوغلة في الفساد.
الجمعة 2025/01/17
نامي.. حرستك آلهة الطعام

عاثوا في الأرض فساداً، نهبوا الوطن وأفقروا شعبه، أجاعوا اليتامى والأرامل في بلد يحكمه الإسلام السياسي، سرقوا البلاد والعِباد ولم يبقوا لنا شيئاً، حتى أرصفة الشوارع أحاطوها بجدران إسمنتية سميكة وعالية وتحولت إلى أملاك خاصة للمتنفذين، هواؤنا الذي نتنفسه أصبح مسموماً بالكبريت.

في كل بقاع المعمورة دائماً ما يكون الحاضر أجمل من الماضي، إلا في العراق، عقارب الساعة تسير إلى الوراء.

شيء عجيب يحدث في هذا البلد، ثروات مهولة دخلت الوطن بفضل النفط لا بفضل العقول التي تحكمه، يقابلها فساد طاغٍ يتصدر العراق فيه قائمة الدول الأكثر فساداً، هكذا أصبحت المعادلة من الطبيعيات عند العراقيين.

◄ بلد لم يُمنح فرصاً ذهبية مثلما مُنح العراق بعد عام 2003، موازنات انفجارية، شعب غالبيته من فئة الشباب العاطل عن العمل، بلد اكتسب دعماً دولياً من الجميع حتى من أعداء الأمس

كلما ازدادت خيرات البلد ازدادت معها أعداد اللصوص والفاسدين، بعد هذا التوصيف يحتار المرء أيّ معيار يضع الدولة العراقية فيه.

لكل شيء نهاية، وخاتمة الفساد اللامحدود أن تُعلن الدولة إفلاسها، لكن المصيبة أن الثمن يدفعه الفقراء والمساكين والجياع بعد أن ينتصر عليهم الفاسدون واللصوص.

جنود جاهزون للدفاع عن وطن امتلأ بالسُرّاق والفاسدين، هم أرقام ولا يزيدون عن ذلك ضمن بطاقات انتخابية تُستدعى أيام الحفلات الانتخابية لتغميس الأصابع بالحبر البنفسجي والتلويح بإشارات الانتخاب لمن نهبوا الوطن.

من المؤكد أن سلطة الإسلام السياسي مقتنعة بإبقاء الوضع على ما هو عليه لتجييش هذه الفيالق من الفقراء والجياع. جنود جاهزون لأيّ حرب حقيقية أو وهمية لأعداء مفترضين تُجنّدهم نزوة حاكم أو نُخب سياسية مُوغلة في الفساد، يتم استخدامهم بيادق حرب رخيصة يُحركها أُمراء الحروب والقتل، في حين يأنف هؤلاء المتحكّمون عن إشباع أفواه الجياع ولو بكسرة خبز، والغرابة، ذلك التلذّذ والاستمتاع بالفقر والجوع كما لو أن فقراءنا يُقادون إلى الموت وهم يضحكون.

شعب يعشق الموت وكأنه خُلق ليصيح “نموت نموت ليعيش اللصوص،” يتدافع أبناؤه من أجل الحصول على تذكرة مباراة لكرة قدم، بل قد يصل الحال بهم إلى الشجار والعنف، لكنهم لا ينتفضون من أجل فقرهم، كم نحن شعب غريب في طبائعه، تلك الغرابة التي سهّلت للفاسدين واللصوص السيطرة على عقولنا وتفكيرنا.

تلك الخطوة باتت أمرا واقعا لدى العراقيين وهم يرون ويسمعون صاغرين كيف فرضت الحكومة استقطاعات من رواتب الموظفين بحجة تقديم المساعدات إلى غزّة ولبنان، في حين يُدرك العراقيون أنها دغدغة لمشاعرهم تجاه قضايا مصيرية، لكن حقيقة الأمر لا تعدو كونها إعلانا بدائيا عن إفلاس الدولة ووجوب تسديد فواتير الفساد من قوت رزقه اليومي.

◄كلما ازدادت خيرات البلد ازدادت معها أعداد اللصوص والفاسدين، بعد هذا التوصيف يحتار المرء أيّ معيار يضع الدولة العراقية فيه

الموازنة التي خصّصت حصصاً للصومال وجُزر القمر من أموال العراق ونفطه الذي كان يُنير ظلام بيروت ويُديم استبداد بشار الأسد في قمع شعبه، وأموال منهوبة تعبر الحدود إلى الجارة الشرقية بعد أن أصبح العراق الرئة الاقتصادية لها، تجد نفسها اليوم مفلسة أو هكذا تُعلن بعد أن كانت موازناتها السنوية تُعنون بالانفجارية التي تعادل موازنات دول الجوار مجتمعة.

هل رأيتم لعنة أسوأ من التي تمر على العراق وأهله، نضحك أو نبكي على سخرية القدر من حالنا.

لم يُمنح بلد فرصاً ذهبية مثلما مُنح العراق بعد عام 2003، موازنات انفجارية، شعب غالبيته من فئة الشباب العاطل عن العمل، بلد اكتسب دعماً دولياً من الجميع حتى من أعداء الأمس عندما أصبحوا أصدقاءه وداعمين لنظامه السياسي، أكثر من نصف ديونه التي أهدرها النظام السابق تم التغاضي عنها، البلد كان يُطلق على حاكمه “ملك الجهات الأربع” لموقعه الإستراتيجي، لكن الواقع الحالي يسرد لنا حكاية أسوأ من قصة البؤساء لفيكتور هيجو، فكل شيء تمت إضاعته في لحظات عبثية من هذا الزمن الرديء.

يُذكّرني واقع العراق بكلمات للشاعر محمد مهدي الجواهري وهو يقول “نامي جياع الشعب نامي… حرستك آلهة الطعام… فإن لم تشبعي من يقظة… فَمِن المنام.”

9