لماذا تصمت أنقرة مغمضة عينها عمّا يحدث في إدلب

دمشق – يثير الصمت التركي عمّا يحدث في إدلب السورية من حرب يخوضها النظام السوري ضد آخر ما تبقى من المعارضة، الكثير من الأسئلة حول مرد هذه المواقف التي تبدو أنها متنازلة لفائدة حليفها الروسي صاحب الموقف الريادي في الأزمة السورية.
مع تفاقم الأزمة الإنسانية في إدلب، ارتفعت الانتقادات والأسئلة بل والشبهات حول صمت تركيا إزاء ما يحدث على أرض تلك المحافظة والتي تعد آخر معاقل المعارضة السورية.
واكتفت رسالة أنقرة الرئيسية بتهديد وتخويف دول أوروبا بموجات جديدة من النازحين السوريين، دون أي حديث حول مسؤولية روسيا عمّا يتعرض له أهالي إدلب من قتل وتشريد ونزوح في ظل شتاء شديد البرودة.
وبات التساؤل هل تنازلت أنقرة مسبقا عن إدلب بموجب تفاهمات مع روسيا لتأمين حدودها شرق الفرات من الخطر الكردي؟ أم أنها تتطلع لحصد تفاهم جديد معها لتأمين مصالحها؟
وعبر المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة الدستورية عن المعارضة السورية، يحيى العريضي، عن انزعاجه وعدم تفهمه لهذا الصمت التركي تجاه عملية التصعيد العسكري التي تشنها قوات النظام السوري وحليفته روسيا على إدلب الواقعة شمال غرب سوريا.
وأوضح قائلا “لا نتفهم الصمت التركي إزاء ذبح إدلب قتلا وبردا، فتركيا هي أحد الضامنين لمنطقة خفض التصعيد في المحافظة التي عقدت بالأساس لحماية المدنيين، وهناك اتفاقيات بين الأتراك والروس والإيرانيين بهذا الشأن ومن أجله أقاموا 12 نقطة مراقبة”.
وأضاف “نحن نستغرب ونسألهم أيضا بكل صراحة لماذا لم يحركوا فصائل المعارضة الموالية لهم لنجدة أهالي إدلب؟ تلك الفصائل التي تقدمت ورافقت العملية التركية (نبع السلام) في شرق الفرات ضد الوحدات الكردية في أكتوبر الماضي، هل أن تحريكهم لن يجدي أمام قوة الطيران الروسي وسياسة الأرض المحروقة المتبعة حاليا بالمحافظة؟ عليهم التوضيح”.
سيطرة النظام السوري والروس على مناطق خفض التصعيد وآخرها إدلب خلال العامين الأخيرين قد تم بمباركة تركية صامتة
وقال العريضي “لو ثبتت صحة تلك الأحاديث فلا يوجد وصف لها عندي سوى أنها فعل حقير من قبل الفصائل التي سمحت بذلك”. وفي رده على ما يتردد عن وجود تفاهم مسبق بين الروس والأتراك قبل عملية نبع السلام يقضي بإطلاق يد تركيا شرق الفرات، مقابل ترك إدلب لروسيا والنظام، أجاب العريضي “كل الاحتمالات تبقى ورادة، ولكني لا أميل لمثل هذه التحليلات السهلة، وبرأيي أن كثرة اللاعبين الدوليين تحديدا بالساحة السورية وتقاطع المصالح في ما بينهم هو ما يدفع إلى أن تقع منطقة سورية ما بقبضة هذا الطرف أو ذاك”.
أما في ما يتعلق بما يتردد حول أن أحد أسباب الصمت التركي هو الرغبة في التخلص من عبء محاربة الفصائل المتطرفة بالمحافظة، وترك هذه المشقة للنظام وروسيا، قال العريضي إن “وجود عناصر جبهة النصرة المدرجة على لوائح الإرهاب الدولية ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، الفصيل صاحب الهيمنة الأوسع على إدلب يدعم بطبيعة الحال ذرائع النظام وروسيا ليستمرّا في عملياتهما العسكرية تحت غطاء محاربة الإرهاب، وربما لم ترغب تركيا في التورط بالأمر، ولكننا نعتقد أنه كان بإمكانها التحرك مبكرا حيال هذه المعضلة والضغط على النصرة وعلى روسيا أيضا، خاصة أن الجميع يعلم أن البلاء الأكبر جراء هذا التصعيد الراهن ينصب على المدنيين الأبرياء نساء وأطفالا”.
وأبدى الأكاديمي السوري أسفه إزاء اقتصار الدور التركي على اكتفاء الرئيس رجب طيب أردوغان بصب جام غضبه على الأوروبيين فقط.
وأوضح أن “الدول تتحرك عبر مصالحها، ولا أعتقد أنه يوجد من هو مستعد، لأجل صالح السوريين، أن تتأثر علاقته بدول كبرى كروسيا… الجميع شاهد وفودا تركية ذهبت لروسيا وتم الحديث عن مناقشة وقف القصف، ولكننا إلى الآن لم نشهد أي ترجمة على الأرض لتلك المناقشات، لم نسمع أن منسوب الدم والدمار قد انخفض”.
ووصف النائب السابق بهيئة التفاوض السورية خالد المحاميد، المتطلعين لأي دور للجيش التركي لمواجهة التقدم الروسي وإنقاذ أهل إدلب بروّاد “عالم الأوهام”.
وأوضح المحاميد “إدلب تقتل وأردوغان يكرر مشهده السينمائي بتهديد الأوروبيين بالنازحين أو جحافل البرابرة كما يصورهم، الذين سيغزون شواطئهم… والحقيقة أنه تفاهم مع روسيا بشأن اجتياح الأخيرة لإدلب. بالأساس هذا التفاهم كان قد تأجل تنفيذه لفترة طويلة لحين الانتهاء من خطر داعش في عموم سوريا. والآن ومع بدء العملية، لم يعد أمام أردوغان سوى توجيه رسائل للاستهلاك الإعلامي في ما يتعلق بالتشاور مع الروس لإيقاف الضربات والقصف، أو تصريحات قياداته بالإبقاء على نقاط المراقبة التركية بالمحافظة، بالطبع طول هذا الإبقاء يتحدد وفقا للسعر الذي سيعرض عليه مقابل إخلائها”.
وفند المعارض البارز الأسباب التي دفعت تركيا للتخلي عن إدلب رغم أن ذلك يحرمها من نفوذ استراتيجي مهم داخل سوريا في المستقبل، موضحا “أعين السلطان العثماني باتت مركزة للقفز على الفرصة الراهنة في ليبيا وشواطئ البحر المتوسط الجنوبية عبر إنقاذ رئيس حكومة الوفاق فايز السراج”.

ووجه المحاميد انتقادات حادة لمؤسسات المعارضة السورية المتعاقبة، محملا إياها جزءا من مسؤولية المأساة التي تعيشها المحافظة اليوم.
و أوضح “لقد تجاهلوا نداءاتنا وتحذيراتنا كمعارضة وطنية من خطورة الفصائل المسلحة والجهادية التي تبادلت السيطرة والتلاعب بمقدرات إدلب خلال سنوات الثورة الأولى، والتي كان أغلبها ممولا قطريا ومدربا بتركيا، كما تجاهلت القيادة الراهنة لتلك المؤسسات في السنوات الأخيرة تحذيراتنا من خطورة تحول إدلب لإمارة وملجأ لكل المتطرفين من كل أنحاء سوريا، لقد حولوها لقندهار جديدة وتم وصمها وأهلها بالإرهاب… ونحن الآن نسأل من ملأوا آذاننا بالحديث عن الخيرات والمساعدات الإنسانية القطرية والتركية، أين الجميع مما يعيشه أهل إدلب من كارثة إنسانية والنزوح والمبيت في العراء والتواجد بأشباه المخيمات في ظل موجات الصقيع، فضلا عن الحدود التركية المغلقة بوجوههم؟”.
ولم يبتعد المعارض المستقل سمير النشار عن الرأي السابق في التأكيد على أن ابتلاع النظام السوري والروس لمناطق خفض التصعيد وآخرها إدلب خلال العامين الأخيرين قد تم بمباركة تركية صامتة.
وأوضح النشار “صانع القرار التركي حصل عبر عملياته العسكرية الثلاث بسوريا على التوالي أي درع الفرات، وغضن الزيتون، ونبع السلام على المواقع التي تشكل أولوية له، بدلا من مناطق خفض التصعيد التي سمح بابتلاعها… أقصى ما تخشاه تركيا الآن هو أن يتم تجميع الألاف من السوريين من إدلب بالقرب من حدودها المغلقة بوجوههم، أي أن يشكلوا كارثة إنسانية ربما يهتز لها العالم ويتم إلقاء اللوم عليها… ولذا تهدد بشدة بورقة النازحين، ولكن الأوروبيين بالمقابل يدركون جيدا أن تركيا لن تفتح أبوابها بالأساس لهؤلاء اللاجئين ليتدفقوا من شواطئها لبلادهم، وأنها فقط تحاول ابتزازهم للحصول على مساعدات مالية أو دعمهم لها في نزاعها مع كل من قبرص واليونان حول مصادر الطاقة بالبحر المتوسط”.