لماذا تأخر حسم مشروع إصلاح مجلس الأمن الدولي

يتابع المراقبون امتعاض العديد من الدول من تأجيل فتح النقاشات حول مشروع إصلاح مجلس الأمن الذي لا يزال حبرا على ورق منذ أكثر من 12 عاما، وانعكاساتها على تحقيق المساواة في خضم ما يحدث من صراعات حول العالم، وخاصة بين القوى الرئيسية، حيث يبدو أن الجميع سينتظر سنوات أخرى حتى تصل وجهات نظر “الأعداء” إلى التوافق حول هذه القضية.
لندن – تترسخ قناعة على الساحة الدولية أن مسألة إصلاح مجلس الأمن المدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمن باتت ضرورية لإضفاء شرعية على هذا الكيان، الذي تتقاسمه خمس دول دائمة العضوية.
وتعرضت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، لانتقادات كثيرة خلال جلسة نقاش نظمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي حول مستقبل هذه الهيئة التي تشلها “مصالحها المتضاربة”.
وقد انقسمت الآراء حول ضرورة إصلاح مجلس الأمن، حتى أن هناك اتجاها يقول إن أصعب إصلاح هو ذلك الذي يجب أن يتم داخل هذه المنظمة، ويستند في ذلك إلى كون العملية برمتها صعبة تقابلها عراقيل لا حصر لها.
وبينما ثمة عراقيل داخلية تخص مدى تقدم الفريق رفيع المستوى المعني بدراسة طرق الإصلاح، يرى مراقبون أن المشكلة تكمن في تعديل ميثاق منظمة الأمم المتحدة، فضلا عن وجود عقبات أخرى خارجية تتعلق بمصالح الدول الكبرى أعضاء مجلس الأمن، وأيضا اللافعالية المحتملة لمجلس الأمن المراد تشكيله.
وتتألف عضوية مجلس الأمن من 15 دولة، بينها الدول الخمس دائمة العضوية، التي تمتلك حق النقض (الفيتو) لأي مشروع قرار، وهو ما قد عقّد عمل المجلس بحسب البعض، نظرا للمصالح التي تدافع عنها الدول دائمة العضوية، وهو ما دفع دولا عديدة إلى المطالبة بضرورة إصلاح مجلس الأمن، الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) في ظل أوضاع دولية تختلف جذريا عن توازنات القوى في عالم اليوم.
وتزايدت خلال الآونة الأخيرة المطالبات بإصلاح مجلس الأمن الدولي الذي يضم إلى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية، 10 دول غير دائمة تشارك فيه لولاية من سنتين ويجدد نصفها كل سنة، وتستند معظم هذه المطالب على ضرورة إصلاح المجلس الأكثر أهمية في السياسة العالمية والذي أخذ يتحول وبصورة واضحة إلى أداة تنفيذية للسياسة الخارجية الأميركية.
وتبرز ضرورات إصلاح مجلس الأمن من خلال مجموعة من سلوكيات دولية قائمة على ازدواجية التعامل مع القضايا المطروحة، وهو ما يطرح تساؤلا جوهريا حول ما إذا كان ضعف المجلس وراء الهيمنة الأميركية عليه، أم أنه منح قوة هائلة لأعضائه الدائمين.
وقال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فولكان بوزكير، الاثنين الماضي، إن “المجلس فشل في مناسبات عدة في تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين”، من دون إعطاء أمثلة ملموسة. وأضاف أن “المصالح المتضاربة لأعضائه والاستخدام المتكرر لحق النقض، حدّا من فعالية مجلس الأمن”.
وتضاف هذه الانتقادات الموجهة إلى هيئة لم تخضع للإصلاح منذ عقود، إلى انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رأى في مقابلة الاثنين مع مجلة “لو غران كونتينان” أن المجلس “لم يعد ينتج حلولا مفيدة”.
وحتى في بعض الأزمات الإنسانية الأكثر إلحاحا، فشل المجلس في توفير استجابة مناسبة وفي الوقت المناسب، بحسب بوزكير، وهذه انتكاسة خطرة للمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة والجهود المشتركة لبناء عالم يسوده السلام.
ويرى كثيرون أنه إذا كانت الأمم المتحدة في حاجة إلى إصلاحات أعمق، فمن الواضح أن إصلاح مجلس الأمن أمر حتمي وفي الوقت نفسه صعب وضروري. ومنذ بدء تفشي وباء كوفيد – 19، عقد مجلس الأمن عددا قليلا من الاجتماعات المكرسة لمكافحة الفايروس.
واستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر للتغلب على الخلافات بين الولايات المتحدة والصين لتمرير قرار في الأول من يوليو الماضي يدعو إلى المزيد من التعاون الدولي، ويدعم دعوة الأمين العام إلى وقف إطلاق النار في البلدان التي تشهد نزاعات لتسهيل مكافحة الفايروس.
وخلال المناقشات، تطرقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193، إلى مسألة استخدام حق الفيتو، فضلا عن توسيع مجلس الأمن وتمثيله الإقليمي. واستمرت الخلافات العميقة التي لا تبشر باستئناف إيجابي للمحادثات الجارية منذ 13 عاما حول إصلاح هذه الهيئة.
واعتبرت الجزائر أن كل عضو جديد في مجلس موسع ينبغي أن يحصل على حق الفيتو، إلا أن الولايات المتحدة وروسيا اللتين استخدمتا هذا الحق 15 مرة منذ العام 2011 في الملف السوري وحده، تعارضان ذلك.
وقال الدبلوماسي الأميركي نغوي نغوي “تبقى الولايات المتحدة منفتحة على توسيع معتدل لمجلس الأمن”. وأوضح ممثل أكبر دولة مساهمة في تمويل المنظمة الدولية “يجب أن يتم ذلك من دون تعديل حق الفيتو أو توسيعه”.
وقالت مساعدة السفير الروسي إلى الأمم المتحدة آنا إفستيحنيفا “الأفكار المؤدية إلى تآكل صلاحيات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ولاسيما حق الفيتو، غير مقبولة”. وأضافت أن اللجوء إلى الفيتو والتهديد باستخدامه “جنّبا الأمم المتحدة في مرات كثيرة الخوض في مغامرات مشبوهة”.
وأشارت بريطانيا إلى أنها لم تستخدم حق الفيتو “منذ العام 1989” في حين أعربت فرنسا عن تأييدها لمجلس يضم 25 بلدا من دون أن تبدي رأيا بمنح حق الفيتو لدول جديدة معتبرة أنه “موضوع حساس”.
وندد السفير الصيني جان جون من جهته “بالتمثيل المبالغ به للدول المتطورة” داعيا إلى وجود أكبر للدول الصغيرة والمتوسطة ولاسيما الأفريقية منها. وقال “أكثر من ستين دولة لم تكن يوما عضوا في مجلس الأمن وبعض الدول الصغيرة لا تتمكن من المشاركة فيه إلا كل خمسين سنة”.
ووصفت ألمانيا مجلس الأمن بسخرية قائلة إنه “الجميلة النائمة بانتظار قبلة” تنعشها. وألمانيا مرشحة لمقعد دائم في مجلس الأمن إلى جانب البرازيل واليابان والهند. وتسعى أفريقيا في المقابل للحصول على مقعدين من دون أن تحدد حتى الآن من من دولها ستشغلهما.