لماذا أعدمت طالبان زعيم داعش في جنوب آسيا

العين على أمراء الحرب وبروز تنظيم القاعدة من جديد.
الاثنين 2021/08/23
إرهاب داخل أفغانستان أم عابر للحدود

ما هي الرسالة التي أرادت حركة طالبان المتشددة إبلاغها للمجتمع الدولي وجيران أفغانستان من عملية إعدام زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب آسيا أبوعمر الخراساني، في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من عودة البلد الغارق في الفوضى إلى أرض خصبة للجماعات الإرهابية.

كابول - تفرض سيطرة حركة طالبان على أفغانستان مجموعة واسعة من التحديات أمام الحركة الإسلامية للإمساك بالسلطة بقوة ومنع بروز تهديدات من خصومها السياسيين المهزومين، والتقليل من أخطار جماعات متطرفة أخرى على عداء دائم معها.

ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية -ولاية خراسان- أبرز التحديات الأمنية أمام حركة طالبان التي تسعى لتقديم نفسها بشكل مغاير لسجلّها الدموي والمتشدد السابق الذي اتسمت به طوال العشرين سنة الماضية وما قبل غزو الولايات المتحدة لأفغانستان.

ويرى محللون أن تمكن طالبان من السيطرة الواسعة على أفغانستان بسهولة وبسرعة قياسية قد يعكره “العداء الكبير” لتنظيمات أخرى على غرار تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل على إعادة تكوين نفسه من جديد واستئناف تنفيذ هجمات عابرة للحدود، وهو ما تخشاه دوائر أمنية أميركية.

ويبدو أن حركة طالبان تحاول إبلاغ رسائل داخلية وخارجية من عملية تنفيذ الإعدام بحق أمير تنظيم الدولة الإسلامية أبوعمر الخراساني بعد سيطرتها على سجن بولي شارخي بكابول في الخامس عشر من أغسطس الجاري.

ويعد الخراساني، الذي ألقت السلطات الأفغانية القبض عليه قبل نحو عام، الشخص الأول والوحيد الذي أعدم منذ سيطرة طالبان الكاملة على البلاد، وكان يتولى زعامة التنظيم في جنوب آسيا قبل وقوعه في قبضة الحكومة الأفغانية السابقة في مايو من العام الماضي.

رسالة إلى الخارج

سيطرة حركة طالبان على أفغانستان تفرض مجموعة واسعة من التحديات أمام الحركة الإسلامية للإمساك بالسلطة بقوة ومنع بروز تهديدات من خصومها السياسيين المهزومين
سيطرة حركة طالبان على أفغانستان تفرض مجموعة واسعة من التحديات أمام الحركة الإسلامية للإمساك بالسلطة بقوة ومنع بروز تهديدات من خصومها السياسيين المهزومين

يقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي إن “الملابسات الدقيقة لإعدام الخراساني تبقى غير معروفة، لكنه مصمم لإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي وخاصة إلى جيران أفغانستان بما في ذلك الصين وإيران، فضلا عن روسيا سيدة الأمن في آسيا الوسطى”.

ويوضح دورسي أن “الرسالة تقول إن طالبان كانت تشن حملة على الجهاديين والمسلحين الأجانب في أفغانستان، حيث كان الخراساني رمزا سهلا” للوصول إليه.

ولطالما كانت طالبان وتنظيم داعش -اللذان يشملان الباكستانيين والأجانب من وسط آسيا والإيغور والروس والأتراك والإيرانيين والإندونيسيين والهنود والفرنسيين- متنافسيْن.

واتهم تنظيم الدولة الإسلامية مؤخرا طالبان بأنها قومية أكثر من كونها متدينة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وأثارت تلك النقطة الكثير من الخلافات والانقسامات بينهما، بالإضافة إلى حملة تشويه كبيرة قادها تنظيم الدولة ضد طالبان لكسب ولاءات وتعزيز نفوذه.

ويقول دورسي إن “ما ينطبق على الدولة الإسلامية لا ينطبق على القاعدة وغيرها مثل الحزب الإسلامي التركستاني والحركة الإسلامية في أوزبكستان”.

جيمس دورسي: ملابسات إعدام الخراساني غير معروفة، لكنه رسالة للخارج

ويرى أن “انشغال الولايات المتحدة قد يكون مركزا على تصور أن طالبان سوف تسمح للمسلحين بالخروج من البلاد، ولن تسلمهم للسلطات إذا لم تُجبر على ذلك”. ويقول إن من شأن هذا الأمر “أن يصعّب السيطرة على تحركاتهم أو ضمان دخولهم في برامج مقاومة التطرف أو تقديمهم إلى العدالة”.ويضيف أن “طالبان تعتقد أن بإمكانها الإفلات من التفاضل لأنها ترى الولايات المتحدة في مفاوضات الانسحاب أكثر تركيزا على ضمان عدم السماح للدولة الإسلامية والقاعدة والمسلحين الآخرين باستخدام أفغانستان قاعدة للعمليات الدولية بدلا من طردهم من البلاد”.

ويعلق مسؤول متقاعد في مكافحة الإرهاب على هذه العلاقات بين طالبان والتنظيمات الأخرى وخاصة القاعدة بأنها “تشبه رواية كاتش22. إن ضمان طالبان للقاعدة هو مخاطرة بتعيين ثعلب ليكون مسؤولا عن حظيرة الدجاج”.

وكان المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذين تفاوضوا على الاتفاقية مع طالبان يشيرون إلى أن استمرار وجود تنظيم القاعدة والمتشددين الآخرين في أفغانستان من شأنه أن ينتهك الاتفاق مع طالبان.

وجادل نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس ومنسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية في عهد ترامب ناثان سيلز بأن الصفقة “تتطلب من طالبان رفض منح الملاذ الآمن للإرهابيين”.

وإلى جانب القوى الغربية تتخوف روسيا والصين أيضا من بروز تهديدات إرهابية في أعقاب سيطرة طالبان على السلطة، وقد أجرت موسكو مناورات عسكرية في وقت سابق من هذا الشهر مع القوات الطاجيكية والأوزبكية في طاجيكستان على بعد 20 كليلومترا من الحدود الأفغانية.

تعزيز قوة القاعدة

Thumbnail

من المرجح أن يعزز تنظيم القاعدة، الذي أسسه أسامة بن لادن، وجوده بفعل عمليات الهروب المتعددة من السجون التي فتحتها حركة طالبان بعد سيطرتها على مناطق واسعة من أفغانستان. ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستساعد هذه التطورات الجماعة على تعزيز وجودها في البلد الغارق في الفوضى.

وحذر الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مؤخرا من أن القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يعيدا بناء شبكاتهما بسرعة في أفغانستان.

وتقول الأمم المتحدة إن القاعدة موجودة في خمس عشرة مقاطعة أفغانية على الأقل، وأن فرعها في شبه القارة الهندية “يعمل تحت حماية طالبان من مقاطعات قندهار وهلمند ونمروز”.

من المرجح أن يعزز تنظيم القاعدة، الذي أسسه أسامة بن لادن، وجوده بفعل عمليات الهروب المتعددة من السجون التي فتحتها حركة طالبان بعد سيطرتها على مناطق واسعة من أفغانستان

واعتبر الباحث في العنف السياسي آرون واي زيلين أنه من دون معلومات بشأن الذين هربوا بالضبط من السجون “يصعب تحديد ما إذا كانت الشخصيات الأهم لا تزال داخل شبكة القاعدة في أفغانستان وباكستان، أو ما إذا كانت تتكون أساسا من شخصيات أحدث هذه الأيام سواء كانوا مقاتلين محليين أو إقليميين”.

ويرى جيمس دورسي أنه “من غير الواضح ما إذا كان سيتم السماح لعناصر القاعدة في إيران بالانتقال إلى أفغانستان”، بالإضافة إلى عدم معرفة ما إذا كانت “عمليات التهريب من السجون ستعزز المخاوف من أن يتم الاعتماد على طالبان في مراقبة الجهاديين وغيرهم من المسلحين الذين يتطلعون إلى ما وراء الحدود”.

ويؤكد دورسي أن “ما يثير القلق بشكل خاص هو أن ميزان القوى لم يتحدد بعد بين قادة طالبان الذين كانوا في الأيام الأخيرة مصممين على أن يبدوا أكثر اعتدالا، حيث قدموا ضمانات أمنية لخصومهم والأقليات والنساء”.

دور أمراء الحرب

طالبان والقاعدة وجه واحد لنفس العملة
طالبان والقاعدة وجه واحد لنفس العملة

يتفاقم القلق بشأن قدرة الحركة الإسلامية الحاكمة الآن واستعدادها للسيطرة على النشاط العسكري على الأراضي الأفغانية، بسبب استمرار وجود أمراء الحرب الذين يتمتعون بسلطة تنظيم العنف وتوفير الوظائف والخدمات العامة وإنشاء علاقات مع المسلحين أو تعزيزها.

ويرى دورسي أن أمراء الحرب سيلعبون دورا نشطا في مستقبل أفغانستان، حيث سيبقون رجال أعمال وقادة سياسيين مرتبطين بالعمليات والشبكات الاقتصادية العالمية، كما سيطورون القوة العسكرية التي يحتاجون إليها للسيطرة على الأرض وشن الحرب.

ويقول “في النهاية سيستمر أمراء الحرب في الكفاح من أجل المزيد من الحكم الذاتي، وقد يتمكنون في بعض الحالات من تشكيل أنظمة سياساتهم الإقليمية القديمة مرة أخرى”.

ويتوقع أن يؤدي رفض طالبان طرد المسلحين إلى تعقيد جهود الجماعة لكسب الشرعية في المجتمع الدولي وبين جيرانها، حتى مع إضعاف القاعدة بشكل كبير منذ الحادي عشر من سبتمبر، والتي أضحت تركّز على مهاجمة العالم الإسلامي أكثر من التركيز على مهاجمة الولايات المتحدة.

كما أنه يقوي موقف أولئك الذين يخشون أن تتحول أفغانستان مرة أخرى إلى منصة لانطلاق العنف السياسي الدولي. وحذر مايكل ماكول -وهو العضو الجمهوري البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي- من العودة مرة أخرى إلى “دولة ما قبل 11 سبتمبر، لتكون أرضا خصبة للإرهاب”.

ويقول الصحافي والمؤلف غرايم وود إن “توفر ملاذ آمن للإرهابيين في أفغانستان يرتبط، على الأقل، بوضعها كأرض يتقاسم أمراء الحرب السيطرة عليها”.

ومن جهته يرى دوغلاس لندن -وهو رئيس سابق لعمليات مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية في أفغانستان وباكستان- أن طالبان “لن تقيد الجماعات الإرهابية، بل ستطلب منها العمل على مستوى منخفض”.

وقد أثبتت حركة طالبان بالفعل قبل 20 عاما أنها تقدر الولاء عندما رفضت الضغط الأميركي والسعودي لتسليم أسامة بن لادن مهما كان الثمن. ومنذ ذلك الحين أصبحت طالبان تقدر مهارات القاعدة القتالية وإسهاماتها في قضية المسلحين الأفغان.

وأظهر مقاتلو طالبان بعد سيطرتهم على كابول -في انتهاك لتعهداتهم- تقاربهم الأيديولوجي المعادي للشيعة مع القاعدة من خلال تدمير تمثال عبدالعلي مزاري زعيم الشيعة الهزارة الذي قتلته الجماعة عندما استولت على السلطة في 1996.

7