للخيانة وجوه عديدة
فعلها غونزالو هيغواين، فلقد خان “العيش والملح” وغادر نابولي بعد أن سدد له طعنة أصابت الجميع في مقتل. فعلها هيغواين وذهب إلى معسكر “العدو”، لقد وقّع لنادي يوفنتوس ليزيد بذلك في تقوية العتاد الهجومي للعدو مقابل إضعاف كتيبة نابولي، والأقسى من ذلك أن الطريقة التي حصلت بها هذه الخيانة كانت موجعة وموغلة في القسوة.. إنها طعنة في الظهر، قسمته، ليصل النصل إلى القلب فيدميه. هكذا فعل هيغواين مع نابولي أو هكذا خيّل لرئيس نادي الجنوب الإيطالي وكل أنصار نابولي.
ولطالما ارتبطت قصص الغدر والخيانة غالبا ومنذ قديم الزمان بتورّط أحد طرفي قصة الحب العنيفة في نكث العهود والوعود ليسيء إلى هذه العلاقة الحميمية.
وهناك قصص كثيرة للخيانة حفظها التاريخ لأشخاص و”أبطال” غدروا بمحبيهم أو ببلدانهم ومواطنهم وقلاعهم، فيوليوس قيصر مثلا تلقى طعنة قاتلة من ابن أخيه بروتس وأطاح به من علياء حكمه لروما، وما أقسى تلك اللحظات التي ترنّح خلالها “القيصر” قبل أن يقول مقولته الشهيرة “حتى أنت يا بروتس″.
أما دونا مارينا تلك الفاتنة الساحرة فقد خانت شعبا بأسره، حين تواطأت زمن استكشاف القارة الأميركية مع العدو الأسباني وأذلت شعب بلادها المكسيك، لتساهم في غزو كامل للعالم الجديد من قبل المستعمر الأسباني.
هو مشهد يتكرر كل زمن وفي كل حقبة، لكن بأوجه عديدة ومختلفة، وحتى كرة القدم لم تسلم من رائحة الغدر والخيانة، ألم يكن البرتغالي لويس فيغو “أشهر خائن” في تاريخ الكرة؟
لقد فضّل أموال وإغراءات ريال مدريد على البقاء في معقل البيت الكاتالوني لنادي برشلونة، فوصف في تلك الحقبة وتحديدا في بداية الألفية الثالثة بأنه أشهر خائن عرفته الساحرة المستديرة، لقد ترك فيغو إلى اليوم جرحا غائرا لم يندمل بعد، كيف لا وهو الذي كان في برشلونة النجم المدلل والمبجل والكابتن الأول. لقد آثر في نهاية المطاف الالتفات إلى طريق جديد واتجه صوب القلعة البيضاء أي بيت الفريق الملكي ريال مدريد.
توالت الأيام والأشهر ثم السنون، وجاء الدور على الأرجنتيني هيغواين الذي بدا وكأنه لم يعد راغبا في تقمص زي ابن بلده مارادونا من جديد.
هيغواين الذي غادر منذ ما يزيد عن ثلاثة مواسم ريال مدريد وجد في نابولي البيت الجديد، فتفجرت مواهبه من جديد ليرسّم نفسه كأحد نجوم الدوري الإيطالي خاصة في الموسم الماضي الذي اقترب خلاله كثيرا من السير على خطى مارادونا عندما نافس فريقه السابق نابولي على لقب “السكوديتو” إلى آخر الجولات، سجل عددا كبيرا من الأهداف ونصّب نفسه هدافا للدوري وملكا جديدا على نابولي.
لكن كل شيء سقط، وانتهى الحلم الجميل لعشاق الفريق الأزرق بعد طعنة غادرة وقاتلة من النجم الأرجنتيني بعد أن خيّر الانتقال إلى اليوفي بصفقة قياسية وخيالية، فكان الخبر بمثابة “الصاعقة” على محبي نابولي ورئيسه أوريليو دي لورينتيس الذي لم يجد ما يقوله سوى أن هيغواين خائن وناكر للجميل. قال أيضا إن غونزالو لم يحترم النادي ولا محبيه، لقد خدع الجميع وخيّر أموال الغريم على ترك بصمته في تاريخ نابولي.
قصة مثيرة تناولتها كل وسائل الإعلام الإيطالية بإطناب وإسهاب، فانقسم الجماعة بين مساند لهيغواين ومدافع عنه وعن حقه في اختيار الفريق الأنسب له من جهة ومعارض لهذا الخيار والقرار الذي أثبت أن كرة القدم بات يحكمها العتاد والمال.
وفي هذا الخضم من اللغط والحديث عن أشهر خيانة في تاريخ الدوري الإيطالي، لم يسكت هيغواين، ولم يترك نفسه عرضة للنقد اللاذع الذي طاله من قبل رئيس نابولي على وجه الخصوص.
فقال النجم السابق لريال مدريد إن من دفعه إلى اتخاذ هذا القرار هو الرئيس لورينتيس، قال إنه لم يكن واضحا معه، وخاصة في نهاية الموسم الماضي، قال إنه لم يشأ أن تكون له قيمة كبيرة و”عظيمة” في النادي، قال أيضا إن وضعيته في الفريق لم تكن جيدة، لذلك اختار الرحيل والفراق، وفضّل خوض تحد جديد يكون خلاله قادرا على بلوغ درجة رفيعة من التميز والتألق والتوهج بالحصول على الألقاب والبطولات.
بعد أيام قليلة سينطلق الدوري الإيطالي المحتدم وسيعود هيغواين بلا شك إلى أرض الجنوب الإيطالي وسيلعب بلا شك مع فريقه الجديد ليواجه فريقه القديم نابولي بالذات، فكيف سيكون اللقاء إذن؟ كيف سيتعامل الهداف الأرجنتيني مع جماهير نابولي التي رفعته في الموسم الماضي على الأعناق لكنها ترى اليوم أن من كان نجمها الأول ومعشوقها الأوحد غدر بها وخانها وانتقل إلى بيت الغريم و”العدو الأول”.
ربما كان هيغواين على حق من وجهة نظر البعض عندما ارتأى البحث عن مجد جديد ومغامرة أكثر إثارة، لكن ربما أيضا كان من الأولى والأجدى المحافظة على المجد القديم، والردّ هنا كان من أحد قياصرة روما في الزمن الحديث أي “أيقونة” نادي روما توتي عندما قال إن غونزالو اتبع طريق المال ولم يستمع إلى نداء القلب، فقال “لاعبو كرة القدم اليوم مثل البدو الرحّل، إنهم يتبعون المال وليس القلب”. وإنه لعمري أبلغ ما يقال عن هذه الخيانة الجديدة في عالم كرة مجنونة تسيطر عليها قوة المال.
كاتب صحافي تونسي