لقب خليجي 25 مسار جديد لاستعادة توهج الكرة العراقية

البصرة (العراق) - زين المنتخب العراقي خزينته بلقب كأس الخليج للمرة الرابعة في تاريخه، بعد الفوز على عمان 3 – 2 في ملعب البصرة الدولي. ويعد هذا التتويج الأول في تاريخ العراق تحت قيادة مدرب أجنبي، وهو الإسباني خيسوس كاساس الذي تمكن من استغلال نقاط القوة في فريقه بالشكل الأمثل، مع الدفع باللاعب شيركو كريم في الوسط لزيادة الضغط على عمان من مناطق متقدمة، بجانب استثمار النزعة الهجومية لأمجد عطوان.

وبدا ذكاء كاساس واضحا منذ اللحظة الأولى للقاء، حيث وجه لاعبيه بضرورة التسديد من خارج منطقة الجزاء؛ فعلي المخيني لا يجيد بشكل تام التعامل مع هذه الكرات، خصوصا أن الزيادة العددية أمام مرماه أثرت على مجال رؤيته عند التسديد، ليأتي الهدف الأول للعراق من تصويبة أرضية.

كما استغل كاساس القوة الهجومية لفريقه، واعتمد على الضغط العالي في وسط ملعب عمان، مع الزيادة الهجومية لأمجد عطوان وشيركو كريم وأمير العماري، بجوار أيمن حسين الذي لعب دورا محوريا.

لكن يعاب على كاساس تغييراته السريعة بإخراج نجوم العراق مبكرا، حيث أخرج أيمن حسين وضرغام إسماعيل والعماري، وهو الأمر الذي كاد يقلب الطاولة.

سيطر منتخب العراق على جوائز بطولة كأس الخليج في النسخة رقم 25، بعد تتويجه باللقب. وحصل إبراهيم بايش نجم أسود الرافدين على جائزة أفضل لاعب في البطولة، بعد مستواه المبهر في خليجي 25. ونجح بايش في تسجيل 3 أهداف في البطولة، علما بأنه سجل الهدف الأول للعراق في النهائي أمام عمان.

ونجح هذا اللاعب في استغلال قدراته بصورة رائعة، أذهلت مدربه كاساس وأبهرت المتابعين، بعد أن نجح الإسباني في توظيف قدرات بايش في مختلف المراكز. فعلى مدار مباريات البطولة لعب بايش كجناح أيسر في لقاء الافتتاح ضد عمان، ثم انتقل إلى جهة اليمين، كما لعب في المباراة الثانية أمام الأخضر السعودي في منتصف الميدان، بسبب القوة البدنية العالية التي احتاجها كاساس للسيطرة على منطقة العمليات، بعد اللعب في أجواء ممطرة تطلبت جهدا بدنيا مضاعفا.

سيطرة عراقية

في مواجهة اليمن ظهر بايش خلف المهاجم أيمن حسين، ليظهر كصانع ألعاب ويكون حلقة الوصل عبر التمريرات بالشق الهجومي. وعاد بايش إلى اللعب كظهير أيمن في مواجهة العنابي القطري بالدور نصف النهائي، ثم تحول إلى المنتصف، وختم واجباته وتحولاته بالمباراة النهائية، عندما ظهر في الشوط الأول كلاعب “حر” يتنقل في مختلف أجزاء الملعب، بينما لعب في الأشواط الإضافية كظهير أيسر تعويضا لزميله ضرغام إسماعيل.

ولتنتهي حكاية تألقه بوصوله إلى منصات التتويج رافعا كأس البطولة إلى جانب جائزة أفضل لاعب، علاوة على حصده وصافة ترتيب الهدافين برصيد 3 أهداف وبفارق أسبقية التسجيل التي كانت لزميله أيمن حسين. وحصل اللاعب العراقي أيمن حسين على جائزة هداف البطولة برصيد 3 أهداف. وذهبت جائزة أفضل حارس مرمى في بطولة كأس الخليج إلى العماني إبراهيم المخيني، بعد مستواه الرائع مع الأحمر العماني.

ونجح جلال حسن، حارس العراق، في التصدي لركلة جزاء جميل اليحمدي، التي أوشكت على جلب التعادل مبكرا للضيوف. وهو ما زاد من عزْم العراقيين على تحقيق اللقب، قبل أن يتحصل الأحمر العماني على ركلة جزاء ثانية في الوقت القاتل، والتي نفذها اليحيائي وكاد يتصدى لها جلال حسن.

ولا يمكن أيضا إغفال المجهود الرائع الذي قدمه اليحيائي في المباراة، رغم الخسارة، حيث تسبب في ركلة الجزاء الأولى بعد مراوغاته الناجحة داخل المنطقة، كما وقف وراء البطاقة الصفراء لضرغام إسماعيل، أحد أفضل لاعبي العراق في الشق الدفاعي. ونجح اليحيائي أيضا في تسجيل هدف تعادل عمان الأول، لتذهب المباراة إلى الوقت الإضافي.

وفضل كاساس على مدار مباريات المنتخب العراقي أن يضم الثلاثي المحترف في الدوري السويدي (الاي علي فاضل، أمير العماري، ريوان أمين) إلى التشكيل الأساسي مع فترات أقل للاعب الثالث بعد تعرضه لوعكة صحية أبعدت أمين عن مواجهة النصف النهائي، ولكنه حضر في الأشواط الإضافية كلاعب ارتكاز بنزعة دفاعية متحديا إصابته بفايروس كورونا.

فيما شارك الظهير الأيمن الاي علي فاضل على مدار مباريات البطولة باستثناء شوط واحد كان من نصيب بديله حسين عمار، ليقدم علي فاضل أوراق اعتماده بالتشكيل الأساسي لمدربه كاساس، الذي منحه الفرصة الثمينة رغم صغر سنه. ونال المحترف الثالث أمير العماري الإشادة من معظم المدربين والنقاد بعد مجهوده الكبير في منتصف الميدان، ومساهمته الفعالة في تأمين الكرات وصنع الفرص والمحاولات لبقية خطوط الفريق العراقي.

مكانة أساسية

لم يشكل غياب المهاجم أيمن حسين عن تسجيل الأهداف في لقاء الافتتاح مع المنتخب العماني تأثيرا على مكانته بالتشكيل الأساسي أو فقدان ثقة مدربه الإسباني، الذي فاجأ الجميع باستمرار اعتماده على محترف المرخية القطري رغم أنه غاب عن التسجيل في مباراتين الأوليين أمام عمان والسعودية، ليعود حسين بصورة رائعة في مواجهة اليمن ويسجل هدفين.

وضاعف حسين حصيلته التهديفية بهدف ثالث في لقاء العنابي بالدور نصف النهائي، كما أن هداف خليجي 25 برصيد 3 أهداف، قدم مباراة كبيرة أمام عمان في لقاء مسك الختام، ولكن براعة حارس الضيوف منعته من مضاعفة رصيده التهديفي. وقادت مجموعة من النجوم منتخب العراق لتحقيق مشوار ذهبي في منافسات بطولة كأس الخليج 25، حيث أظهروا لوحات فنية والتزاما تكتيكيا قادوا من خلاله “أسود الرافدين” إلى الفوز على منافسين أقوياء، وكان آخرهم منتخب سلطنة عمان في مباراة نهائية مثيرة.

وكتب نجوم المنتخب العراقي أسماءهم في تاريخ هذه البطولة الخليجية، ونالوا إشادة كبيرة من الجماهير العراقية والمتابعين، لكن 5 أسماء كانت الأكثر تميزا مقارنة بغيرها، وشكلت كلمة السر عند المدير الفني الإسباني، خيسوس كاساس الذي وظفها بأفضل طريقة لبلوغ المجد في ملعب البصرة.

ظهر لاعب خط الوسط أمجد عطوان بأناقته في خط الوسط، وأظهر قوته كلما احتاجه زملاؤه ليمدهم بالنفس الثاني من أجل الوقوف أمام المنافسين، كما كان لأهدافه الحاسمة أثر على نتائج “أسود الرافدين”، حيث سجل في مباراة نهائية تاريخية عبر ركلة جزاء.

ويمتلك أمجد تجارب كثيرة مع الأندية العراقية، لعل أهمها مع النجف والشرطة، قبل أن يحترف في الدوري القطري عبر بوابة نادي الشمال، كما تدرج في الفئات السنية للمنتخب العراقي إلى غاية بلوغه المنتخب الأول عام 2016. وقد وقف نجم نادي الطلبة العراقي ضرغام إسماعيل في وجه مهاجمي المنتخبات التي واجهت بلاده خلال البطولة الخليجية، كما أنقذ عددا من الأهداف ليساهم في التتويج التاريخي.

وتلقى ضرغام تكوينه في نادي نفط ميسان، ثم خطى خطوة مهمة في مشواره عبر الانتقال إلى نادي الشرطة، وهذا ما فتح له باب الاحتراف في نادي ريزه سبور التركي، قبل أن يقرر العودة إلى العراق واللعب في عدد من الفرق الثانية مثل الزوراء والقوة الجوية.

ولم تهنأ دفاعات المنتخبات التي واجهت العراق في المنافسة الخليجية، والسبب هو العمل الكبير الذي قام به اللاعب أيمن حسين خلال المباريات، وسعيه المتواصل وراء تسجيل الأهداف، فنال الاعتراف عبر تسجيل 3 أهداف جعلت منه أفضل مهاجم في خليجي 25.

رمانة خط الوسط

لم يتردد المدافع الاي علي فاضل كثيرا في تلبية نداء الوطن، حيث فضل تمثيل العراق على المنتخب السويدي رغم امتلاكه جنسية مزدوجة، والقدرة على تمثيل المنتخب الجزائري بما أن والدته جزائرية. ويلعب الاي في نادي غوتبورغ السويدي، لكنه اختار في سن مبكرة اللعب مع منتخب العراق لفئة أقل من 19 عاما، وسرعان ما بلغ المنتخب الأول وتوج معه بأول ألقابه الدولية.

ويرى خيسوس كاساس، مدرب المنتخب العراقي، أن إبراهيم بايش، لاعب خط وسطه، يمتلك مقومات اللعب في القارة العجوز. واعترف كاساس بذلك قائلا "حينما أمضيت على عقدي مع أسود الرافدين، كان ثمة القليل من الأشخاص ممن يؤمنون بهؤلاء اللاعبين". وأضاف المدرب الإسباني “وأنا جئت لمساعدتهم.. كنا نحاول أن نجد حلولا لتطوير اللاعبين، على سبيل المثال بايش، الذي يستطيع الاحتراف في أوروبا، وأتمنى أن يمثّل خليجي 25 انطلاقته الحقيقية".

وتطرّق كاساس إلى الموقعة المثيرة التي جمعته بالأحمر في استاد جذع النخلة بالبصرة، وانتهت بانتصارٍ صعبٍ للمنتخب العراقي بنتيجة 3 – 2. وأكد الرجل المولود في مدريد أن "المباراة لم تكن جيدة من جانبنا، ولم نلعب بأريحيةٍ. لم أكن سعيدا خلال اللقاء بسبب بعض المشاكل". واسترسل كاساس "حاولت دعم الفريق من خلال التبديلات على مستوى الدفاع، وكنا نحاول أن نفعل ما نعتبر أنه الأفضل للفريق".

وفسّر ابن الـ49 عاما الهفوات التي وقع فيها أسود الرافدين بقوله “كرة القدم رياضة تحمل العديد من الأخطاء. وتوتُّر الأعصاب، إلى جانب أهمية اللقاء، كان أحد أسباب الأخطاء الفردية". واستدرك كاساس "ولكن المنتخب العراقي أثبت امتلاكه إيمانا راسخا وقلبا قويا، واللاعبون دخلوا المواجهة مثل الأسود. لذلك أنا أدافع عنهم". وتعهّد مساعد المدرب السابق للمنتخب الإسباني بأن يكون أسود الرافدين “أقوى في المستقبل".

حصول منتخب أسود الرافدين على لقب كأس الخليج في كرة القدم سيضع العراق أمام منعطف جديد يكون فرصة تستعيد عبرها كرة القدم العراقية مكانتها الحقيقية. وقال رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال عقب فوز منتخب بلاده بلقب خليجي 25 “ما حققه المنتخب هو جزء بسيط لما سيقدمه المنتخب الوطني في المرحلة اللاحقة من أجل تحقيق نجاحات منتظرة في مشاركات مقبلة”.

وغاب المنتخب العراقي عن منصات التتويج بألقاب بطولة كأس الخليج منذ العام 1988 بإحرازه اللقب الثالث في تاريخ مشاركاته التي شهدت العاصمة بغداد أول ألقابه عام 1979، ثم اللقب الثاني عام 1984 في مسقط، قبل أن يظفر باللقب الرابع في مدينة البصرة الجنوبية.

واعتبر رئيس الاتحاد العراقي الأسبق لكرة القدم واللاعب الدولي حسين سعيد أن "هذا الفوز سيعطي حافزا كبيرا للاعبي المنتخب ليصنعوا فترة ذهبية مقبلة لكرة القدم في العراق ويستعيد المنتخب هويته الحقيقية على صعيد اللعبة إقليميا وعربيا وقاريا".

وعانى المنتخب العراقي لكرة القدم كثيرا بغيابه عن منصات التتويج في بطولات عدة، كما أن إخفاقه في التأهل إلى مونديال قطر 2022 زاد من تلك المعاناة إذ عاش أنصاره فترات قاسية نتيجة تدهور مستوياته وتذبذب حضوره الفني منذ ظفره بلقب كأس آسيا 2007.