لعنة المنبوذ
أمر غريب يحدث مع المنتخب الأرجنتيني فما يحصل له حاليا ضمن تصفيات مونديال 2018 يثير التساؤل والشكوك بخصوص قدرة منتخب “التانغو” ضمان تأهله إلى الحدث العالمي الأهم، خاصة وأنه يحتل المركز الخامس في ترتيب تصفيات المونديال في منطقته، بل إن مركزه بات مهددا قبل أربع جولات على النهاية في ظل العقوبة المسلطة على لاعبه ونجمه الأول ليونيل ميسي.
الثابت والأكيد أن المنتخب الأرجنتيني يعاني كثيرا ولم يجد بعد توازنه عكس منتخب “السامبا” البرازيلي الذي يحلق عاليا وكان أول منتخب في العالم يضمن حضوره في المونديال القادم إلى جانب منتخب روسيا البلد المنظم، فرغم كتيبة النجوم المتلألئة والمتألقة في سماء الدوريات الأوروبية مثل هيغواين ودي ماريا وديبالا وروخو وماسكيرانو، فإن هذا المنتخب عانى كثيرا ولم يقدر في آخر مباراة على هزم منتخب بوليفيا المتواضع.
صحيح أن ميسي غاب عن تلك المواجهة بسبب عقوبة قاسية ومفاجئة سلطت عليه من قبل الفيفا، وصحيح أيضا أن بقية زملائه تأثروا كثيرا بهذا الغياب، إلا أن ذلك لا يبرر أبدا ذلك السقوط المفاجئ الذي يعتبر حلقة جديدة من مسلسل “سقطات” سابقة أكدت أن هذا المنتخب لم ينجح بالمرة في استيعاب الدروس والاستفادة من هزائمه في الفترات الماضية.
منتخب “التانغو”، والجميع يعلم ذلك، خسر مع ميسي في ثلاثة أدوار نهائية وبطريقة درامية موغلة في الكآبة والقسوة والمرارة، لقد انهزم في نهائي كأس العالم 2014 في الوقت البديل، وخسر لقب “كوبا أميركا” في نهائيين متتاليين ضد منتخب التشيلي، فأيّ حظ عاثر أصاب منتخب “النجوم”؟ وأيّ لعنة أصابت الأرجنتين طيلة السنوات الماضية؟ ربما عند البحث عن إجابات قد تشفي الغليل وتقدم بعض التفاصيل عن تتالي نكسات المنتخب الأرجنتيني تبرز حقيقة واضحة مفادها أن الجهاز الفني لهذا المنتخب لم يحسن التعامل مع نخبة من اللاعبين المميزين والمتألقين في أقوى الدوريات العالمية، ويبدو في هذا السياق نجم نادي أنتر ميلان وقائده ماورو إيكاردي أكثر اللاعبين تعرضا للتجاهل والظلم من قبل مدرب المنتخب “الأزرق”.
قد تكون لعنة إيكاردي هي التي أصابت منتخب بلاده في مقتل وجعلته منتخبا خائر القوى بلا حيلة، بل وقرّبته أكثر ما يمكن من حصد فشل تاريخي ضمن التصفيات المؤهلة للمونديال، فهذا اللاعب تعرض للظلم في أكثر من مناسبة وبقي مجرد “عجلة سابعة” لا يتم استعمالها أبدا.
فرغم أهدافه العديدة وعطائه الغزير ونجوميته التي لا تقارن في فريقه الإيطالي ومعدلاته التهديفية تبدو أفضل بكثير من عدة لاعبين يضمهم المنتخب الأرجنتيني، إلا أن الجميع يصر على إبعاده بكل السبل عن حمل القميص الأزرق لمنتخب “التانغو”.
معطى حاسم وعلاقة غريبة ربطت اللاعب بمنتخب بلاده يبدو أنها بعثت بـ”موجات سلبية” وضربت هذا المنتخب بلعنة متواصلة منذ سنة 2014 دون أن يجد لها أيّ أرجنتيني حلاّ نهائيا.
ببساطة بدأت الحكاية عام 2013، أي قبيل مونديال البرازيل بسنة واحدة، حيث وجّهت له الدعوة للمشاركة في إحدى مباريات تصفيات المونديال وتحديدا ضد الأوروغواي وشارك لفترة لم تتجاوز العشر دقائق، بعد ذلك انتهت فجأة هذه العلاقة بين إيكاردي الذي بدأ يلفت إليه الأنظار حينها مع فريقه الجديد في إيطاليا أنتر ميلان الذي انتقل إليه قادما من سامبدوريا.
استغرب البعض من هذا الأمر، فكيف يمكن الاستغناء عن مهاجم هداف ومتألق في الدوري الإيطالي؟ غير أن الإجابة بدأت تتسرب من الكواليس، إذ أشار البعض إلى أن ميسي النجم الأول في المنتخب رفع “الفيتو” في وجه نجم أنتر ميلان، حيث يبدو أنه أوصى مدرب منتخب بلاده بعدم دعوة إيكاردي مستقبلا حيث استجاب المدرب لهذا الطلب ورفض بعد ذلك الاستعانة بنجم الدوري الإيطالي.
هذا الرفض بدأ شيئا فشيئا يصبح أمرا واقعا وظاهرا أمام الجميع، بل تبنّاه البعض وأيّده بشكل علني، فمارادونا النجم الأسطوري للمنتخب الأرجنتيني طالب من جهته بعدم دعوة ماورو إيكاردي، والسبب في ذلك أن هذا اللاعب خان أحد زملائه وافتك منه رفيقته ليتزوّجها هو فيما بعد.
تبنى عدد كبير من اللاعبين هذا الموقف، فبات إيكاردي منبوذا في المنتخب الأرجنتيني، وبعد مرور أربع سنوات على ظهوره الأول والأخير دوليا لم يتلق أيّ دعوة للمشاركة مع منتخب بلاده رغم مستواه الرائع وأهدافه العديدة، وبما أن الأسطورة تؤكد بأن المنبوذ في قومه قد يحمل علامات شؤم ويصيب الجميع باللعنة، فإن تجاهل إيكاردي ضرب هذا المنتخب بلعنة مستمرة طيلة السنوات الأخيرة.
هذه اللعنة أصابت ميسي الذي رفضه في المنتخب الأرجنتيني أكثر من أيّ لاعب آخر، فميسي المتألق على الدوام مع برشلونة لم يظهر خلال نهائي كأس العالم بمستواه المعهود، فانهزم منتخب بلاده ضد نظيره الألماني، ميسي فشل بعد عام واحد في الحصول على أول لقب دولي رغم الوصول إلى نهائي “كوبا أميركا” حيث خسر ضد منتخب التشيلي بركلات الجزاء، وبعد سنة ثانية بلغ ميسي مجددا نهائي المسابقة القارية لكن لعنة الهداف المنبوذ بقيت تلاحقه إذ خسر في النهائي مجددا بل كاد يعتزل اللعب الدولي نهائيا.
أما اليوم فقد تعرض لعقوبة دولية قاسية وهو لا يعلم أن المشكل ليس في الحظ العاثر بل لوجود لعنة قد تنتهي بمجرد الصفح عن المنبوذ ودعوة إيكاردي للمنتخب مجددا.
كاتب صحافي تونسي