لعثمة الأزهر مستمرة أمام امتحان داعش

هل ينبغي علينا أن ننتظر فتوى من علماء الإسلام قبل أن نحدد موقفنا “الأخلاقي” من القضايا والأمور؟ هذا السؤال أثاره عندي إصرار مؤسسة الأزهر على اعتبار داعش من “أهل القِبلة” وبذلك “لا يجوز تكفيره” فشيخ الأزهر عالم جليل، وقادر بلا شك على أن يفتي في شؤون الإسلام.
رأى الكثيرون في فتوى شيخ الأزهر حصافةَ العالِم الذي لا يريد أن يتحول التكفير إلى “موضة” فيصير كل من قام بجريمة كافرا فتشاع الفوضى، وينتج عن ذلك قتل الناس لبعضهم البعض. ولكنّ الحصافة كذلك تستدعي الانتباه إلى الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن تلك الفتوى.
هذا الرأي يبدو أنه اكتفى من الأمر بمجرد رفض “المرجعية الفقهية” التي استند إليها داعش في تأسيس منهجه وما ارتبط به من أعمال. وبذلك تساوى داعش مع غيره من الجماعات التي يختلف الأزهر مع مرجعياتها الفقهية من دون أن يُخرجها من الدين. ووفق أبسط مقارنة يجريها الإنسان العادي، يصبح داعش – بكل ما يقوم به من انتهاكات إنسانية وأخلاقية- أفضل من طوائف مسالمة ومتحضرة نعرف أن الأزهر لا يقبلها داخل حظيرة الإسلام.
جماعة داعش ليست فقط عصابة لصوص من الخارجين عن القوانين، لكن المعضلة أنها ترتكب جرائمها كالقتل وترويع الآمنين والاعتداء على حريات الناس وسلب ممتلكاتهم وغيرها، مستندة إلى فتاوى وتفسيرات وتأويلات لنصوص من القرآن والتراث الإسلامي من الأحاديث وقصص السلف. وهو الأمر الذي انتظر معه النّاسُ رأيَ الشيخ الأكبر، الذي فكّر وتدبّر ثم لم ير ما يستدعي إخراجها من حظيرة الإسلام.
يرى البعض أن مشكلة الأزهر تكمن في ميله التاريخي لفكرة الخلافة الإسلامية، لذا فإنه يخشى أن يرى الناس في فتوى منه بتكفير داعش حجّة للخوض في هذا الأمر، فمن الأسلم إذن رفض “ممارساته” من دون تكفيره، لتبقى الخلافة الإسلامية حقا ويظل الجهاد فريضة وتبقى محاربة العدو الكافر واجبة، وما عدا ذلك تفاصيل.
لا نتوقع أن تنجح فتوى من الأزهر بتكفير الدواعش في إيقافهم عند حدهم ولا ردعهم عن غيهم، ولا أن يؤثر وصف فضيلة الإمام الأكبر لأعمالهم بأنها ليست من الإسلام في نفوسهم فتتحرك مشاعر “أمير المؤمنين” وترتعد أوصاله من خشية الله؟ لأن الأزهر (المتحدث الرسمي باسم الإسلام) حدد مصيرهم إلى جهنم وبئس المصير، فيسارع بإعلان التوبة وطلب العفو والمغفرة، وطبعا لن يحدث ذلك. ولا نتوقع كذلك أن تُحرك فتوى الأزهر الجيوش والأساطيل الإسلامية لمحو هؤلاء الكفار من الوجود، باعتبارهم “كفارا معتدين” يجب على المسلمين محاربتهم، فلا جيوش ولا أساطيل ولا يحزنون.
عدم تكفير داعش جعل منه تنظيما متساويا مع الطوائف الأخرى التي يختلف معها الأزهر ولا يحاربها
إن عدم تصريح الأزهر بخروج الدواعش عن الملة من شأنه أن يُربك رجل الشارع البسيط، سواء من المسلمين الذين يستمدّون جل أمانهم في الحياة من انتمائهم إلى دين وهم لا يعرفون عنه سوى السماحة والسلام والخير، أو غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى الذين لا يعرفون عنه كذلك سوى ما يرونه من هؤلاء المسلمين البسطاء الطيبين. فماذا عن المكاسب الافتراضية التي يمكن أن يجنيها المسلمون من تكفير الأزهر لداعش؟
أول هذه المكاسب أن يطمئن قلبُك إلى أن ما يفعله هؤلاء المجرمون ليس “مجرد اختلاف في فهم الإسلام” كما توحي فتوى الأزهر، بل إنه “خروج كامل” عن كل قواعد الخير ومنظومة الأخلاق التي عشت عمرك معتقدا أنها جزء أصيل من الإسلام، فالإسلام لا يُجامل في مثل هذه القضايا.
هذا هو المكسب الأول الذي سوف يمنعك من أن تفعل مثلهم، فإذا كانوا – رغم كل ما فعلوه- مازالوا تحت مظلة الإسلام، فلا بأس في أن تأخذ راحتك قليلا أو كثيرا في اختراق قوانين الإنسانية والأخلاق، فلا شك في أنك ستظل داخل حظيرة الدين، الذي لم يُخرج هؤلاء عن حظيرته.
أما المكسب الآخر، فهو شعورك بالقوّة أمام جارك “الجهادي” حين يصفك بالتقاعس والجبن وعدم الرجولة، ثم التقصير في حق دينك أو الخروج عنه لأنك لا تناصر “دولة الإسلام في العراق والشام”، باعتبارها “أهل الخلافة الإسلامية الذين يخوضون الحرب ضد الكفر والإلحاد من أجل إعلاء كلمة الإسلام”، بدلا من أن تتمنى لو أن شيخ الأزهر لم يترك ظهرك عاريا وأعلن كفر هؤلاء الناس، لتردّ عليه بهدوء المسلم الصالح لتخبره بأن الإمام الأكبر شيخ الأزهر أقدم مؤسسة دينية وأعرقها أعلن أن الدواعش هم الخارجون عن الإسلام. في الواقع لا أفهم سر الإصرار على تقسيم الناس إلى مسلم وكافر، وانتظار فتوى من شيخ الأزهر لنحدد بها موقفنا من قضايا تحكمها بوضوح قواعد الأخلاق والإنسانية، إنه نوع من الهروب النفسي عبر تصنيف الآخرين واستسهال الحكم وفق النمط، وليس في ذلك أيّ عمل حضاري إيجابي. فالدواعش ليسوا كفارا، وليسوا مسلمين، هم مجرمون ضد الإنسانية وعلينا أن نواجههم على هذا الأساس.
ولكن كيف لهذا الفكر الإنساني أن يسود وبعض الإحصائيات تقول إن بين كل خمسة رجال يوجد واحد على الأقل يناصر فكر الدواعش باعتبارهم من يعيدون مجد الخلافة الإسلامية، وأن امرأة بين كل ثلاث نساء ترى فيهم جيشَ صلاح الدين.