لعبة صور

ما الذي تفعله الصور القديمة بنا حين نتأملها؟ ذلك ليس سؤالا تتطلب الإجابة عليه نوعا من المراجعة، بل هو واقع نعيشه في لحظات يكون التفكير فيها سيد الموقف.
إن كانت الصور شخصية فإنها تعيدنا إلى زمن عشناه من غير أن نفكر في أنه سيلتحق بالماضي بسرعة بحيث نشعر أننا لم نعشه بما يكفي. كان ذلك الزمن بحجم الوقت الذي استغرقته عملية التقاط الصورة. كنا أشبه بالممثلين قبل أن يوزع المخرج الأدوار في ما بينهم.
أما إذا كانت لبشر عرفناهم ولم نتوقع أنهم التقوا من أجل أن يلتقطوا صورة ستبقيهم معا إلى الأبد فإننا سنفكر في ما قالوه. ذلك الكلام الذي لم نسمعه.
صحيح أننا نتأمل أشكالهم غير أن ما يهمنا أكثر أن نتخيل أصواتهم التي نظن أنها لم تكن محايدة بسبب انقطاع الصلة في ما بينهم. أكانوا أصدقاء من غير أن نعرف؟ الصور القديمة ليست كصور “الديجتال” التي يمكن أن تُلتقط بالصدفة ويكون الكلام فيها عفو الخاطر.
الصور القديمة مخطط لها مثل خطاب علني. كنا نحرص على ألاّ يحدث خطأ وإلا ضاعت صورة من الفيلم. أما الآن فإن معظم الصور قائمة على أساس الخطأ الذي يذكرنا بمزاج لحظوي عابر.
في الماضي كنا نقيم في الصور ونعرف أننا سنبقى هناك. لذلك كنا نحرص على ألاّ تتلف تلك الصور.
كان الألبوم وسيلة لحفظ الصور وكنا نتصفحه في محاولة فاشلة لمحاربة النسيان. أما اليوم فنحن نتصفح الصور في ذاكرة الهاتف ونعرف أن تلك الذاكرة قد تُمحى في أيّ لحظة خطأ.
لعبة قد تنتهي بتكدير مزاجنا حين ينتصر عدوّ مجهول علينا. نتأمل الصور الورقية لنوهم أنفسنا بالقدرة على استعادة زمن لم نعشه بطريقة طبيعية. كنا نمثّل في انتظار التقاط الصورة.
يتحدث الكثيرون عن الحنين الذي تنطوي عليه عملية التفكير في ذلك الزمن الخالي من أيّ فعل إلا إذا اعتبرنا الانتظار فعلا. في لحظة الحنين تلك نتوهم أننا نتذكر تفاصيل كنا عشناها في حين أننا في الحقيقة إنما نتخيل.
نركب حدثا على حدث لنرى المشهد أمامنا وقد اكتمل. الصحيح وحده هو المكان “كنا هناك” أما الزمان فإن ريحه تعصف بنا لكي تبعثر كلماتنا فتبقى السطور فارغة من أيّ كلام. ما يخصنا يتلاشى. ما الذي كنا نفكر فيه. ما كنا نحبه أو نكرهه. ما يسلينا أو يزعجنا. أما كان في إمكاننا أن نتحاشى التقاط صورة، نعرف أنها ستأخذنا إلى النسيان؟
حين نتأمل الصور القديمة نعذب أنفسنا بالحنين إلى زمن لم نعشه. لعبة نكون فيها أشبه بالممثلين الفاشلين.