لبنان على أعتاب ساعات حاسمة

نصرالله يجد نفسه وحيدًا في ورطة "وحدة الساحات" التي نُسجت خيوطها في مصانع الملالي للشر ووُظّف لبنان كجبهة إسناد لغزة، وهو يتعرض لضربات قاسية ومتتالية في العمق منذ أكثر من أسبوع.
الجمعة 2024/09/27
الاكتفاء بخطب حماسية جوفاء

تتصاعد الأحداث بوتيرة سريعة على الجبهة اللبنانية وسط مخاوف من أن تمتد المواجهة إلى حرب شاملة، وهو ما تلـمح له إسرائيل من خلال الترويج إعلاميًا لخطة قتال متعدد الجبهات، بالرغم من ثقل كلفة حرب غزة على جميع الأصعدة. لكن بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، فإن تلك التكلفة ربما قد تكون عادلة ويجوز إدراجها في خانة “التضحيات” بما أنها تسمح بإبعاد الخطر لسنوات طويلة وتتيح إمكانية إعادة رسم الجزء الأكثر تعقيدًا في حدود الشرق الأوسط والتصرف في جغرافيا المنطقة حسب ما يحقق أمن إسرائيل. لذلك، لا يُستبعد أن يتخذ نتنياهو ومن معه من خطيئة يحيى السنوار فرصة ثمينة لتبرير العودة إلى جنوب لبنان.

بدأت إسرائيل بتنفيذ مناورات تحاكي عمليات برية في لبنان، ما يوحي بأن العد العكسي لتنفيذ خطة الهجوم قد بدأ. ومع ذلك، لا أحد يجزم بقرب موعد دخولها في عملية برية في الشمال، وقد تترك الوقت الكافي لاختبار مفعول ضرباتها الموجعة لحزب الله ومدى نجاعتها في تحقيق المطلوب. لذا، يمكن القول إن الكرة الآن في ملعب الخصم، وإن مصير تنفيذ العملية البرية من عدمه قد تحدده ردود أفعال حزب الله مع مرور الساعات.

◄ الحرب قد تفرز ما يمكنه أن يخدم المشهد السياسي عندما تتقاطع مصالح الطبقة السياسية في لبنان، وهو ما قد يدفعها لبعث نسخة شبيهة لتحالف “14 آذار” بشعار تخليص لبنان من شراك حزب الله

احتمالات انتقال التصعيد إلى حرب شاملة بدأت شهر يونيو الماضي مع ما حملته زيارة المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين إلى بيروت من مؤشرات، أولها كان عدم تجاوب حزب الله مع خيار انسحابه من المنطقة الحدودية وإعادة تمركزه وراء نهر الليطاني، وإصراره على مواصلة قتاله ضد إسرائيل حتى يتم تنفيذ وقف إطلاق النار في قطاع غزة. لذا، فإن الحديث عن وجود مساعٍ دبلوماسية أميركية حثيثة لوقف تمدد الحرب إلى لبنان في الوقت بدل الضائع لا يمكن تفسيره سوى أنه مجرد ذر للرماد في العيون. بل إن الإدارة الأميركية نفسها برمجت الفشل بمجرد تواصلها مع طبقة سياسية لبنانية ضعيفة تفتقر إلى سلطة القرار والتأثير على حزب الله الذي يطغى نفوذه على نفوذ الدولة ويتجاوز دورها في كل شيء.

مثقلين بأعباء الأزمة الاقتصادية وتركة السياسيين الفاشلين، يجد اللبنانيون أنفسهم وسط أتون حرب انساق لها حزب الله تلبية لدور تقتضيه مصالح أجندة إيرانية لم تراعِ أبدًا حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد. رغم كل التحذيرات الداخلية والخارجية التي أطلقت منذ الأيام الأولى من اندلاع مواجهة طوفان الأقصى، واصل حزب الله السير مغمض العينين في طريق نهاية معروفة.

حسن نصرالله يجد نفسه وحيدًا في ورطة “وحدة الساحات” التي نُسجت خيوطها في مصانع الملالي للشر، ووُظّف لبنان كجبهة إسناد لغزة، وهو يتعرض لضربات قاسية ومتتالية في العمق منذ أكثر من أسبوع، فيما يكتفي خامنئي ومن معه بمشاهدة حلبة الصراع عن بعد وإطلاق المزيد من الخطابات الحماسية الجوفاء. وفي الوقت ذاته، يتحدث مسعود بزشكيان من نيويورك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عن رسالة إيرانية للعالم عنوانها الأمن والسلام، ويختار مفرداته بدقة مسوقًا لعهد جديد تريده إيران في علاقاتها مع الغرب.

مع انتقال ذروة التصعيد إلى بيروت ومعه سيناريو الاجتياح البري، فإن هذا بلا شك سيغذي التوترات الموجودة بالفعل ما بين الطائفتين المسيحية والشيعية. حيث أن الأولى عبرت علنًا عن رفضها القاطع منذ اندلاع الأحداث في قطاع غزة لمحاولات حزب الله جر لبنان إلى بؤرة الصراع، وحملته المسؤولية الكاملة لما ستنجر عنه من تبعات وخيمة على لبنان. ولا يخفى أن مكونات الانقسام في الشارع اللبناني موجودة قبل طوفان الأقصى، وقد تجد في الانزلاق إلى فخ الحرب فرصة لتصفية الحسابات، وقد يراها البعض فرصة “لإنقاذ لبنان”. وقد تفرز هذه الحرب ما يمكنه أن يخدم المشهد السياسي عندما تتقاطع مصالح الطبقة السياسية في لبنان، وهو ما قد يدفعها لبعث نسخة شبيهة لتحالف “14 آذار” بشعار تخليص لبنان من شراك حزب الله.

9