لا توجد مشاهد سائبة بلا دلالة في الأفلام

الفيلم كما الحياة سلسلة من المشاهد، ولا مشهد بلا قيمة أو هو يمر عابرا دون دلالة وإضافة.
الأحد 2022/05/01
لا بد للمشهد أن يقول شيئا

بسبب ما نعيشه من غزارة في التدفق البصري القادم من العديد من الوسائط والمنصات، لم يعد متاحا للكثيرين التوقف عند تفصيلات يشتمل عليها ذلك التدفق الجارف من الصور.

هي في الواقع تفصيلات دقيقة تبنى عليها هيكلية الفيلم والمسلسل الذي نشاهده، ومن ذلك ما يرتبط بالمشهد، وهو النواة الأساسية في السيناريو سواء تعلق الأمر بالفيلم أو بالمسلسل.

هنا سوف تتجلى قدرات كاتب السيناريو والمخرج في تقديم الفيلم -أو المسلسل- على أنه سلسلة ناجحة من المشاهد التي تمت صناعتها بعناية.

في المقابل هنالك ما هو عكس ذلك؛ بمعنى أن التتابع في المشاهد على الشاشة لا يحمل اختلافا يذكر بل إنه يدخل في دائرة التكرار والنمطية، وذلك هو الفارق بين مستويات الإبداع السائدة.

ولتأكيد هذه الفكرة فإن هنالك ارتباطا وثيقا بين المشهد في الحياة وانعكاسه على الشاشة، ولهذا يكتسب المشهد قوته التعبيرية من كونه يُستمد من الواقع والحياة من جهة ومن الصنعة الإبداعية من جهة أخرى، وهما مصدران أساسيان ومهمان لجعل المشهد قويّا.

ما عدا ذلك تجد أن مخرجين متمرسين كانوا يرسمون على الورق تفاصيل المشهد والشكل الذي سوف تظهر عليه الشخصيات وحركتها وكيف يتم نقل الصورة إلى الشاشة، بما في ذلك الحل الإضائي والنسيج المكاني والثيمة التي تحملها تلك النواة المسماة المشهد.

في الحياة هنالك مشاهد سائبة كثيرة ربما تكون بلا معنى لكن في الفيلم لا بد للمشهد أن يقول شيئا أو أن يضيف شيئا مهمّا

ولأن الفيلم كما الحياة سلسلة من المشاهد فإن لا مشهد بلا قيمة ولا مشهد يمر عابرا دون دلالة وإضافة وقوة تعبيرية، بل إن الأمر يتسع في بحثنا في كل حلقة من المسلسل وكل جزء من الزمن الفيلمي وكل قسم من أقسام الفيلم عن مشهد مميز بل ومدهش ومثير للإعجاب تم نحته بعناية وصبر من طرف كاتب السيناريو والمخرج، فضلا عن إدارة التصوير والإضاءة وتصميم المناظر والإدارة الفنية.

هذه المعطيات سبق أن تحدث عنها مخرجون كبارا في يومياتهم مع أفلامهم، ومنهم المخرج الياباني الكبير أكيرا كيروساوا والمخرج الإيطالي أنطونيوني وزميله فيديركو فيليني والمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، فضلا عن تجارب الطليعيين المهمة، هؤلاء اعتنوا عناية فائقة -كما تظهر يومياتهم أثناء العمل على إنجاز أفلامهم- برسم المشاهد على الورق بكل دقة والتفكير الجدي في ثيمة كل مشهد من المشاهد وما يمكن أن يضيفه إلى المسار الفيلمي والدرامي ككل.

والعشوائية التي تصادفنا في بعض الأحيان من الصعب فهمها عندما يكون الفيلم -أو المسلسل- محتويا على سلسلة من المشاهد السائبة وغير المترابطة والتي لا تخدم كاتب السيناريو ولا المخرج، كما أنها لا توفر متعة بصرية للمشاهد.

ومن الصعب مثلا أن تستوعب مشاهد الحركة التي تقوم على إبهار بصري ما لم يتم رسم المشهد وتخطيطه بكل دقة وصولا إلى أكبر مساحة ممكنة من الغزارة البصرية.

بالطبع يمكننا الاستشهاد بالمئات من المشاهد التعبيرية المؤثرة، لكن ما يعنينا أن المشاهد العادي فضلا عن المحترف والناقد لا ينبغي أن يتساهلوا مع تدفق المشاهد دونما ترابط منطقي يربطها بالسياق البصري – السمعي الذي نشاهده أمامنا، بما في ذلك استخدام أداة الحوار ووصوله إلى الذروة بين الشخصيات.

ويذكر المخرج السينمائي السويدي الكبير إنغمار برغمان أنه عندما صور أفلامه -مثل "بيرسونا" و"التوت البري" و"وجها لوجه" وغيرها- كان يجلس مطوّلا مع مدير تصويره والمدير الفني للتحقق من ثيمة المشهد وقوته التعبيرية، وكان يرسم على الورق جميع تفاصيل المشهد ودلالاته.

وفي الحياة هنالك مشاهد سائبة كثيرة ربما تكون بلا معنى لكن في الفيلم لا بد للمشهد أن يقول شيئا أو أن يضيف شيئا مهمّا.

14