لا تصوموا عن الطعام والشراب فقط

السبت 2016/06/11

وهذه شوارعنا ومدائننا وحاراتنا ومزارعنا ومعاملنا ومدارسنا، وهي تكتظ بأغلبية ساحقةٍ من الصائمين والمصلّين والمحجبين والمحجبات والمستغفرين والمستغفرات والمبسملين والمبسملات، في مشهد رمضان الكبير، حتى ليخيل إلى الناظرين السامعين أن البلدان تعيش ببطن مدينة فاضلة عظيمة، في نفس الزمان الذي تقتل فيه الناس بعضها بعضاً، وتدخل مخدّرةً مثل قطيع طويل، نفق الكذب والرشوة والتكفير والنفاق والخيانة والقسوة.

صار الدين والتديّن مثل قناعٍ تلبسه الناس حاجةً أو وجاهةً وبه تعيش حالة فصامٍ عجيبٍ غريب.

دول أوروبا لا تعيش تحت ضغطٍ دينيّ كبير، ولا مرجعيات ولا دور إفتاء وصكوك غفران كما كانت من قبل، تفتي بجواز هذا وحرمة ذاك، لكنّ هذه الدول تعيش أعلى حالات النزاهة والحضارة والرخاء والتقدم والمصالحة مع الذات.

إنهم يحترمون القانون كما لو أنه دستور مقدس، لذلك من النادر جداً أن ترى أو تسمع أو تقرأ عن موظف مرتشٍ أو وزير فاسد، أو حاكمٍ خائنٍ وكيل لأجنبي.

هذا هو الدين وهو صورة رائعة لمعنى الجوهر الإلهي العظيم. يعيش بيننا وعلى حواف بيوتنا وأنفاسنا، ملايين مملينة من اللاجئين والفقراء الذين ليس بمقدورهم حتى تدبّر بعض خبز يومهم، لكنّ حاويات الزقاق ستمتلئ بعد فطور الناس، بأطنان من المأكولات وفوائضها التي ستنقل لاحقاً إلى مكبات النفايات العملاقة، بعد أن تنتهي القطط والكلاب من ملء بطونها وتشنيف خشومها بروائحها العاطرة.

الحفلة الاستطعامية الرمضانية الكبرى، تنتقل إلى صفحة الفيسبوك، لترى معها البوستات الخالية من أي حرف دعاء أو حكمة أو جملة رحيمة، بل بتلال الرز واللحم وأصناف العصائر. كأننا اليوم بمواجهة نوع من صيام عن طعام وشراب فقط، وليس كما يريد الله من الصائمين، أن يشمل الإمساك أيضاً، الكذب والسرقة والقتل وإشعال الفتن وحروب الضلالة والتخلف، ونبش قصص الموت النائم وجعلها قياساً إكراهياً لليوم.

إذا وجدت الدين ومظاهره عند قوم وفي أي أرضٍ، قد صار تمثيلية سخيفةً مكرورةً، يبتغي فيها الممثلون ثمناً آنياً وليس أجراً سماوياً مؤجلاً إلى بعد حين، فضع يدك على قلبك وقل هذه أمة لن تقوم ثانيةً ثم اقرأ عليها السلام، أو ادعوها لأن تصحو وتمارس طقسها ودينها الصحيح الذي من مشاهده المنتظرة، دولة قانون ورحمة وتطور وكرامة وقوة واستقلال ومحبة للأرض وما عليها.

24